Logo

ترانسفير مقنّع بوجهين.. ترامب يسوّق غزة كمشروع عقاري

 حتى الجهات المحسوبة على الخندق الإسرائيلي أو المناوئة لغزة و"حماس"، لم تُخف دهشتها وذهولها من قول الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مؤتمره الصحافي المشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مساء الثلاثاء في البيت الأبيض، إن الولايات المتحدة ستضع يدها على غزة وتتعامل معها على أنها "ملكية" أميركية خاصة ولأمد طويل! 

كلامه الغريب الذي سقط كالقنبلة أثار تساؤلات عن مدى جدّيته، إذ كيف وبأي مسوّغ يصحّ شطب سيادة الغير على أرضه ومصادرتها بهذه السهولة؟

 خاصة إذا جاء ذلك وفق خطة تقضي بتهجير مغلّف بالمغريات السكنية لفلسطينيي القطاع، وبما يبدو أقرب إلى التمهيد لنقل هذه "الملكية" في نهاية المطاف إلى إسرائيل، بحيث ينتهي الترانسفير السكاني المفخخ إلى ترانسفير جغرافي يكون من الصعب إن لم يكن من المستحيل استدراكه في حينه.

وما زاد في الالتباس والريبة أن ترامب ترك طرحه مفتوحاً على التأويل. عملية التهجير ووضع اليد على القطاع بدت "غريبة" وغير متماسكة.

 والاعتقاد بأن نتنياهو هو صاحب الفكرة، يضرب بها عصفورين بحجر: زيادة الضغط على "حماس" لإطلاق المحتجزين وتوريط ترامب في التزام قد يستوجب استخدام القوة، التي قال الرئيس ترامب إنه قد يلجأ إليها في غزة إذا لزم الأمر، وذلك خلافاً لوعد قطعه بعدم الدخول في أي حرب في الخارج. 

وهناك سيناريوات أخرى، منها أن ترامب باع نتنياهو وعداً على ورق مقابل كبح جموح هذا الأخير في الملف الإيراني وصرف نظره عن احتمال جرّ ترامب إلى الخيار العسكري ضد طهران. 

ولم يكن صدفة أن الرئيس حرص خلال المؤتمر الصحافي على التأكيد على خيار الحوار مع إيران.
 
لكن الرئيس ترامب أعطى إشارات استوقفت المراقبين. أهمها كلامه شبه الواثق من أن بعض دول المنطقة ستتجاوب مع طلبه لقبول المهجرين الفلسطينيين من غزة. 

وخص بالذكر مصر والأردن قائلاً إنه "بالرغم من رفضهما فإنهما سيفتحان قلبهما للموضوع". 

كما أسهب في الترغيب عند كلامه عن التهجير الذي قدمه بمثابة انتقال من جحيم الدمار والركام إلى نعيم سكني ينقل سكان غزة من مكان "لم يعد صالحاً للعيش" إلى مكان بديل أفاض في وصف محاسنه، وكأن في الأمر صفقة عقارية يجري الترويج لما تتمتع به من امتيازات. 

وتعمّد الإشارة المكررة إلى أن "أموال أثرياء المنطقة" ستتكفل ببناء المشروع السكني "الجميل" الذي قد يوجد في "عدة بلدان" في المنطقة.

 وواضح من تركيزه على هذه النقطة أنه أراد استباق ردود عربية رافضة من المتوقع ظهورها رداً على مشروعه، الذي مهما أحاطه بالتشويق والتجميل يبقى عملية اقتلاع قسري لسكان غزة تستحضر مشهد النكبة الأولى.
 
وبرغم نجاح نتنياهو في حشد الإدارة إلى جانبه في هذا المشروع، بدا للكثير من المتابعين أنه من المستبعد بلوغ هذا التوجه خواتيمه المرغوبة، بسبب طبيعته المتعسفة من جهة، كما بسبب تعذر الاستجابة العربية له من جهة ثانية. 

ولوحظ أن الرئيس ترامب تجاهل في جوابه على الأقل مرتين، أي دعم لحل الدولتين، مكتفياً بالتشديد على أهمية "السلام" الذي يتوق إليه الجميع في المنطقة، ومنوهاً بمفاتحته "بعض دول المنطقة بهذا الموضوع، وبأنهم رحبوا بالفكرة". 

ويبدو من تشديده وتأكيداته في هذا الخصوص وبهذا الشكل المكشوف لمحادثات من المفترض أن تبقى في إطارها الدبلوماسي البعيد عن الأضواء، وكأنه يحاول قطع الطريق على رفض عواصم عربية هذا المشروع. فمحاولة تسويق صفقة من هذا العيار، مسألة تستبعد جهات أميركية غير قليلة بلوغها مرحلة التحول إلى واقع على الأرض. 

وكان بعض أقطاب مجلس الشيوخ من الديمقراطيين، مثل السيناتور كريس مورفي والسيناتور مارتن هينريتش، قد استبعدوا نجاح عملية نزوح بهذا الحجم، مع مطالبة الإدارة بالعمل على "تشجيع إسرائيل على توفير الأمان لأهل غزة"، بدلاً من دفعهم إلى خارج القطاع في عملية إبعاد من هذا النوع (السيناتور هينريتش).