الماجستير المفخخ .. شهادة في "علوم الانقلاب" من جامعة صنعاء!
في مشهدٍ يخلط بين الأكاديميا والعبث السياسي، منحت مليشيات الحوثي المدعومة من إيران رئيس مجلسها السياسي، مهدي المشاط، درجة الماجستير بامتياز مع مرتبة الشرف من كلية التجارة بجامعة صنعاء. جاءت الرسالة المنسوبة للمشاط تحت عنوان "ثورة 21 سبتمبر وتأثيراتها على الجمهورية اليمنية والمنطقة العربية"، في إشارةٍ واضحة إلى الانقلاب الذي قامت به المليشيات في سبتمبر 2014.
ووفقًا لإعلام الحوثيين، ناقش المشاط رسالته بحضور لجنة أكاديمية ضمت الدكتورة أشواق غليس، والدكتور هاني مغلس، والدكتور عبدالله حبيش، الذين أشادوا بمضمون الرسالة وأوصوا بطباعتها على نفقة الجامعة وتداولها بين الجامعات الأخرى.
لم يمر الخبر دون سخريةٍ واسعة، حيث علق الصحفي اليمني عبدالرحمن أنيس قائلًا: "الأنظمة الاستبدادية لا تكتفي بالاستيلاء على السلطة، بل تسعى لتوثيق جرائمها أكاديميًا وكأن العالم ينتظر دراسةً تثبت أن انقلاب الحوثي كان فتحًا مبينًا!". وأضاف في تدوينة ساخرة: "مبروك لجامعة صنعاء على هذا الإنجاز الأكاديمي، ومبروك للباحث الذي اجتاز الاختبار دون حتى قراءة الأسئلة!".
يأتي هذا "الإنجاز" في وقتٍ أعلنت فيه المليشيات عن فرض دورات عسكرية إجبارية على طلاب جامعة صنعاء، مما أثار تساؤلاتٍ حول إمكانية إطلاق تخصصات جديدة مثل "التعليم تحت فوهة السلاح" و"إدارة الأزمات عبر صناعتها"، في خطوةٍ تُظهر مدى استهتار المليشيات بالعلم والمؤسسات الأكاديمية.
الحوثيون يمنحون المشاط شهادة في "علوم الانقلاب" من جامعة صنعاء!
من أنتم حتى تتساءلوا عن أحقية "فخامة الرئيس" في نيل الماجستير؟ هل نسيتم أن كل القضاة والأطباء والمهندسين والضباط ما هم إلا أفراد ضمن جوقة سلطانه؟ كيف تجرؤون على قياس الأمور بمقاييسكم البالية عن "التحصيل العلمي" و"المجهود الأكاديمي" بينما في يمن الحكمة، طريق المجد يبدأ من بوابة قرناء القرآن ، ويمر عبر أعتاب السادة، وينتهي عند عرش الحكم.
لا عجب أن مسيرة "فخامته" لم تبدأ بين رفوف المكتبات، بل بين علب التبغ وأعواد القات و أكياس الشمة ، ولم تكن كتبه مملوءة بالمراجع بل محشوة بـ"التعميرة"، ولم تكن مقاعد الدراسة محط رحاله، بل الأرائك التي يتربع عليها "السيد"، حيث يُختبر الولاء وتُوزع المناصب كما تُوزع ثمار المزرعة.
ففي اليمن، مسار القيادة لا يمر عبر قاعات الجامعات، و إنما يبدأ بإتقان "التعميرة"، وتقديم القات مُرتبًا بشكل يفتح الشهية، ثم ينتقل إلى مرحلة "الملازم"، حيث يتدرب الطامح على فنون السمع والطاعة والانحناء بدرجات مختلفة حسب مزاج السيد. ومن ينجح في هذا المسار، يُصبح مؤهلًا ليس فقط للرئاسة، بل للماجستير والدكتوراه، وربما حتى نوبل للسلام، إن لزم الأمر، ولا عجب أن تكون الماجستير مجرد وسام جديد يُعلق على صدر من اجتاز امتحانات الطاعة والخضوع بامتياز مع مرتبة الشرف الأولى!
فالصبر على المجلس الطويل دون تأفف"، و"فن التهليل لكل كلمة يقولها السيد"، و"كيفية تحويل أي مصيبة إلى نصر إلهي". كلها هذه مهارات لا تُدرس في الجامعات العادية، بل تحتاج إلى تدريب مكثف في مدرسة "الولاية".
هكذا تُبنى القيادات، وهكذا تُصنع النخب، عبر الولاء المطلق والملازمة الدائمة، عبر الخدمة والطاعة العمياء، حتى إذا استوثق السيد من خادمه، منحه "شهادة" تفوق في قيمتها كل الألقاب الأكاديمية! وما الماجستير إلا تتويج طبيعي لهذه المسيرة المظفرة، خطوة أخرى في طريق المجد الذي يُعبد بالسجود قبل الجهود، وبالطاعة قبل الكفاءة.
فابتهجوا أيها اليمنيون ، فلديكم رئيس لا يحتاج إلى كتب ليكون عالمًا، ولا إلى أساتذة ليكون عبقريًا، فهو أحد خريجي مدرسة "السيد"، حيث يُمنح العلم كما تُمنح الصدقات، وحيث الشهادات تُكتب بالحبر الممزوج بالبصمة، لا بالحبر المسكوب على الورق!