Logo

دلالات اختيار السعودية للقاء الأمريكي الروسي.. وماذا عن سورية؟

 لم يكن اختيار السعودية، مكانا للقاء، وزيري خارجية الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، ولاحقا القمة الأمريكية الروسية عبثا، وإنما له دلالاته الجيوسياسية الكبيرة.
 فاختيار المكان، لمثل هذه اللقاءات والقمم، يخضع عادة لاعتبارات كثيرة، وحسابات دقيقة.. فمثلا اختيار عاصمة أحد البلدين، لمثل هكذا لقاء، تمليه موازين القوى، او مصالح ثنائية خاصة، تستوجب مراعاتها.
واختيار مقر إحدى المؤسسات الاممية، كجنيف مثلاً، هو مجرد مكان ثالث، خارج عاصمتي البلدين، وفي منتصف الطريق بينهما، ويتساوى في هذه الدلالات، اختيار بلد صغير، غير مؤثر في توازنات القوى، كالدوحة مثلاً.
أما اختيار بلد ثالث، كالسعودية، له وزنه الإقليمي والدولي، ويسعى لان يكون قوة إقليمية مؤثرة، وفي أهم منطقة حساسة في العالم، وتعتبر البوصلة والمؤشر، على صعود وهبوط الإمبراطوريات، والدول العظمى، وتتنافس فيها، عدة دول، لاحتلال هذا الموقع، فهو يحمل رسائل جيوسياسية بالغة الأهمية، تستوجب قراءتها بدقة، وأهم الرسائل:
** اعتراف دولي، بأهمية موقع ودور السعودية، واعطائها مفتاح المنطقة. 
** مؤشر على مرحلة جديدة، تحمل بوادر التوافق، على تقاسم النفود، بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، يشبه المرحلة، التي تلت الحرب العالمية الثانية. 
** ارادة أمريكية روسية، لتبريد ميادين وخطوط الاشتباك في المنطقة، والتفرغ الأمريكي للصراع مع الصين، وتفرغ روسيا لإعادة بناء نفسها.
** إعطاء دور محوري للسعودية، بما يخص الموضوع الفلسطيني، والسلام والتطبيع في المنطقة، خاصة بعد التطورات الدراماتيكية، التي شهدها هذا الصراع، منذ طوفان الاقصى وتداعياته. 
** ضرب طموحات تركيا، بقيادة العالم الإسلامي، وحتى بناء قوة إقليمية مؤثرة، او لتجديد حلم العثمانية الجديدة. 
** رسالة لطهران، بأن الطريق إلى واشنطن موسكو، أو لضمان دور لها، ومعالجة ملفها النووي، يمر عبر الرياض.
اما ما يخص سورية، وسط هذا الحراك السياسي والدبلوماسي، الإقليمي والدولي، فسوف تكون في صلب هذا الحراك، وأحد محاوره الرئيسية، وهذا سيمكنها من استعادة دورها، كنقطة التوازن الاستراتيجي في المنطقة، وهي التي تعطي الكفة الراجحة، لأي دولة، تسعى لدور إقليمي، او لتصبح قوة إقليمية عظمى.
وإذا تجاوزنا الكيان الصهيوني، لحسابات مختلفة، تبقى السعودية وتركيا وإيران، هي الدول المتنافسة، على كسب الدور السوري المؤثر، إلى درجة، أنه لا يمكن لأي من هذه الدول، أن تتحول إلى قوة إقليمية عظمى، بدون ضمان أن تكون دمشق إلى جانبها.
وبعد تحييد إيران، من هذه المنافسة، بتداعيات الأحداث، بعد طوفان الاقصى، وسقوط نظام بشار الاسد، تبقى السعودية وتركيا، في ساحة المنافسة، لاستمالة سورية، وبناء موقع ودور مؤثر، في المنظومة الإقليمية والدولية التي تتشكل. 
التفويض الأمريكي - الروسي للسعودية، كمفتاح اساسي للمنطقة، يعني بكل وضوح، أن الوزن الإقليمي السوري المرجح، سيكون للسعودية، وليس لتركيا، وهذا يعني، ان سورية، التي تعيد إنتاج نظامها السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، ستتأثر بشكل مباشر، بهذا المسار الإقليمي والدولي، وترجمة هذه التوجهات، يمكن قراءة أهم خطوطها، على الشكل التالي:
** أي نظام حكم جديد في دمشق، سيكون على توافق، مع الحكم السعودي وتوجهاته.
** السعودية التي طلقت الخط الوهابي، إلى غير رجعة، واعتمدت الخط الليبرالي والغربي، في توجهاتها السياسية والاجتماعية، ومع مشروع ولي العهد محمد بن سلمان "السعودية 2030" وما يليه، واستضافة السعودية لكأس العالم بكرة القدم، لا يمكن أن تقبل بنظام حكم إسلامي متطرف، في دمشق، سواء كان وهابياً أو أخوانياً.
** ستكون السلطات السورية، ملزمة بالموافقة على الشروط العربية والدولية، المتضمنة بالقرار الأممي 2254، كمقدمة للتعامل معها، ورفع الحصار عنها، وإعادة الإعمار، وفي مقدمتها حكومة انتقالية موسعة، تضم كافة مكونات المجتمع السوري، واقرار دستور جديد، يحدد هوية الدولة، ومؤسسات الحكم فيها، وإجراء انتخابات عامة، بإشراف دولي، لإقامة حكومة وسلطات، تحظى بالاعتراف الدولي. 
** قد ترى السلطات السورية الجديدة نفسها، ملزمة بالسير في مسار السلام والتطبيع، وان كان كأمر واقع، وليس كرغبة وإرادة داخلية.
بعد القمة الأمريكية الروسية، والتوافق الموجود بينهما، على حل الأزمة الأوكرانية، بحسب ما يفهم من التصريحات الأمريكية، وفي مقدمتها الرئيس ترامب، يتوقع أن ينسحب هذا التوافق، على ملفات المنطقة، وهو ما أكده الرئيس الروسي فلاديميير بوتين، عندما قال "روسيا والولايات المتحدة، اتّخذتا الخطوات الأولى، نحو التعاون في الشرق الأوسط، بما في ذلك سورية وفلسطين".
بالتأكيد، هناك دول وقوى لها رأي مختلف، عن هذه التوجهات، لكن موازين القوى والقوة الإقليمية والدولية، تؤكد بأن هذه القوى، لم تعد تمتلك اليوم، وسائل تغيير هذه الموازين والتوجهات - على المدى المنظور، ولعقدين مقبلين على الاقل - ويتوقع ان يأخذ الصراع الدولي خلال هذه المرحلة، ساحات أخرى، سيكون الصراع الأمريكي الصيني، في واجهتها، وبناء على نتائج هذه التطورات، سيتحدد مستقبل المنطقة والعالم، خلال القرن الحادي والعشرين.

* أ. أحمد رفعت يوسف  -  إعلامي وكاتب سوري