Logo

الغموض الإعلامي في سورية... من يوثق المجازر؟

 كيف نؤرّخ للجرائم المروّعة التي وقعت في سورية في الأيام الماضية؟ كيف نوثّقها؟ وما هي المصادر التي يمكن الاعتماد عليها؟ 

نعرف العناوين العريضة التي رافقت المجازر في الأيام الأربعة الماضية. نعرف دور فلول نظام الأسد، ونعرف دور المقاتلين المحسوبين على الإدارة الجديدة. 

كما نعرف ما قاله الرئيس السوري أحمد الشرع عن "التجاوزات" و"التحديات المتوقعة"، لكن ماذا نعرف فعلياً عن تفاصيل تلك الأيام السوداء؟ 

تغيب التفاصيل والتوثيق المنهجي والمنظّم، كما هي الحال مع كل الأخبار المقبلة إلينا من سورية منذ سقوط نظام بشار الأسد فجر الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي، في وقت تتدفّق على منصات التواصل، تليغرام خصوصاً، فيديوهات للمجازر الطائفية التي سقط فيها عشرات المدنيين الأبرياء. 

يوثّق القتلة جريمتهم بوضوح، يصوّرون من كل الزوايا، يقترب الهاتف ويتبعد من الجثث، فنرى تفاصيل الأجساد المدمّاة، لرجال ونساء وأطفال قتلوا في ساعات قليلة.

منذ سقوط الأسد، يواجه السوريون أزمة حقيقية في الحصول على أخبار موثّقة، بعدما توقّفت وسائل الإعلام الرسمية عن العمل، باستثناء وكالة الأنباء الحكومية (سانا)، وصعوبة التواصل وتأكيد المعلومات من المصادر الحكومية الرسمية.

 هذا الأداء الإعلامي المتواضع للإدارة الجديدة، فتح الباب أمام حرب سهلة للتلاعب بالحقائق وضخ الأخبار الكاذبة.

فمنصات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك، تليغرام، وواتساب، التي لطالما كانت مصادر معلومات في ظل الحكم الدموي لبشار الأسد، خصوصاً بعد اندلاع الثورة عام 2011، تحولت إلى أدوات تلاعب في ظل الفوضى. 

ورغم أن النظام السابق كان يسيطر على الدعاية من خلال أجهزته الإعلامية، فإن مرحلة ما بعد الأسد جلبت مشهدًا جديدًا: جهات متعددة، من بقايا النظام إلى فاعلين دوليين مثل روسيا وإيران،

 بالإضافة إلى دول أخرى لا صلة مباشرة لها بسورية، مثل الهند واليابان، دخلت جميعها ساحة التضليل الإعلامي، من دون أي خطة إعلامية واضحة للنظام الجديد.

وقد ظهرت فداحة هذا الغياب الإعلامي نهاية الأسبوع الماضي. فلا وسائل إعلامية، ولا صحافيون محليون، تمكنوا من الوصول إلى المدن والبلدات التي شهدت المجازر، 

بينما كان صحافيون وناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، اشتهروا خلال سنوات الثورة بتغطية المجازر الوحشية لنظام الأسد وحلفائه، يردّدون رواية واحدة عن فلول النظام، من دون أي ذكر حقيقي للجرائم التي ارتكبها مقاتلو الإدارة الجديدة.

مصدران وحيدان للأخبار شكّلا أساس التغطية الإخبارية: الأوّل هي الفيديوهات التي صورها المقاتلون الذين ارتكبوا المجازر في الساحل، فانتشرت على تليغرام وواتساب، ومنصات أخرى. 

الثاني هي شهادات الناجين أو أقارب الضحايا، أو المواطنين المحاصرين الذين استخدموا مواقع التواصل الاجتماعي لمناشدة العالم التدخّل لحمايتهم من مجزرة محتملة. 

على منصتَي فيسبوك، وإنستغرام، صور الضحايا مع أسمائهم، والمهن التي كانوا يعملون فيها قبل قتلهم، في محاولة لتأكيد هويتهم المدنية.

 من هذه المنشورات بدأ توثيق أسماء الضحايا، في ظل غياب أي توثيق رسمي لأسمائهم من السلطات الرسمية، 

وبعد يومَين من بدء هذه الجرائم، نشرت مجموعة السلم الأهلي (مجموعة سورية محلية) ما سمّته "بيان حداد"، نشرت فيه أسماء "717 مدني ومدنية قتلوا في الساحل السوري وريف حماه الغربي في اليومين الأخيرين حتى الآن (مساء السبت) بينهم أطفال وعائلات كاملة".
 
الشبكة السورية لحقوق الإنسان، بدورها كانت الجهة الأولى التي تخرج على الإعلام، التلفزيون العربي تحديداً مساء يوم الجمعة الماضي، لتؤكد حصول مجازر نجح فريقها بتوثيقها سواء من خلال التسجيلات التي صورها مرتكبو الجرائم لعملياتهم في الساحل، أو من خلال شهادات لناجين جميعها فريق الشبكة.

في المقابل، كانت المعلومات أوفر عن هجمات فلول نظام الأسد على الأمن العام. فاستقبلت القنوات العربية شهادات لمدنيين، وتعليقات لسياسيين حول هذه الجريمة، كما نقلت عن مصادر أمنية مختلفة حصيلة الضحايا، وتفاصيل الاشتباكات.

كل ما سبق خلق ضبابية وعدم يقين إخباري عند أغلب المؤسسات الإعلامية، ما فتح الباب واسعاً أمام التلاعب بالمحتوى المنشور على مواقع التواصل الاجتماعي، سواء من خلال استخدام صور قديمة وإعادة نشرها على اعتبارها حديثة، أو بث أخبار عاجلة غير صحيحة، زادت من حدة التجييش الطائفي، والرعب بين المدنيين. 

حتى وكالة الأنباء الرسمية، وهي المؤسسة الإعلامية الحكومية الوحيدة التي واصلت عملها بعد سقوط الأسد، اكتفت بنقل بيانات التنديد الإقليمية والدولية، لهجمات فلول الأسد على الأمن، من دون أخبار ولا توثيق لباقي الجرائم في الساحل.

ليال حداد
صحافية لبنانية