Logo

استقالة بن مبارك: نهاية معركة الإصلاح أم بداية لفصل جديد من الفساد

 استقالة بن مبارك لم تكن نهاية طبيعية لدوره، بل نتيجة معركة مفتوحة خاضها في وجه قوى الفساد التي لم تتوقف عن ملاحقته حتى اللحظة الأخيرة. ومع ذلك، تظل المشكلة أكبر من مجرد رئيس وزراء أو شخص بعينه.

 لقد تعاقب على رئاسة الحكومة اليمنية أكثر من خمسة رؤساء خلال سنوات الأزمة دون أن يتغير شيء في بنية الدولة أو مستوى الخدمات أو حتى إدارة الصراع. 

كل من وصل إلى رئاسة الحكومة جاء ومعه حاشية جديدة تستبدل حاشية سابقتها، ويُعاد إنتاج الفشل بصيغ أكثر تعقيدًا وتدميرًا للشرعية ومؤسساتها.
 
استقالة بن مبارك لم تكن وليد أخطاء إدارية أو نتيجة تقصير في إدارة الحكومة فحسب، بل كان انعكاساً لصراع أعمق يكشف عن وجه من وجوه المعركة المستترة داخل منظومة الشرعية نفسها معركة بين مشروع الإصلاح والتصحيح، ومنظومة متجذرة في الفساد والعبث بالمال العام.
 
لم تبدأ الضغوط على بن مبارك إلا بعد أن شرع الرجل، بكل ما له وما عليه، في وقف نزيف الدعم المالي غير القانوني الذي كان يُمنح لكبار المسؤولين خارج إطار الرواتب والمستحقات النظامية. 

على سبيل المثال، كان كشف الإعاشة الذي يُصرف بالعملة السعودية من الرياض ويكلّف خزينة الدولة مليارات، أحد أبرز الملفات التي وضعها على طاولة التصفية.

 كما عمل على تفكيك شبكة المصالح داخل الحكومة، وأوقف الهدر المنظم في محطات الكهرباء المؤجرة التي استنزفت خزينة الدولة لعقود دون مردود ملموس. ألغى عقود نقل النفط المشبوهة، وأبرم بدلاً عنها أخرى أكثر عدلاً وإنصافًا.
 
صحيح كان للرجل أخطاء، منها فشله في إدارة الأولويات، وفي مقدمتها الكهرباء والتدهور الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام الدولار، وعجزه في احتواء الأطراف السياسية المتعددة وخلق توافق حقيقي بين مكونات السلطة ليكون الجميع عونًا له في مهمته كرئيس للحكومة، 

لكنه اتخذ جانب الصدام ضد الجميع، وهو ما تسبب له بمشاكل مع مختلف القوى التي فشلت حتى الآن في إثبات تورطه في أي صفقة فساد أو نهب للمال العام، كما فعل كثيرون ممن سبقوه في أركان الشرعية.
 
ولأن مسار التصحيح الذي تبنّاه اقترب من مصالح نافذة داخل بنية الشرعية نفسها، تجمعت القوى المتضررة للمطالبة بإقالته وتحريك حملة تشويه ممنهجة، قادها بعض من وزرائه الذين يبلغ عددهم نحو ستة عشر وزيرًا، ممن تضررت مصالحهم بقراراته.
 
ومع ذلك، لا يمكن القفز على بعض التجاوزات الجسيمة في مسيرته، على سبيل المثال تركه منصب سفير اليمن في واشنطن شاغرًا لأكثر من عام بعد تعيينه وزيرًا للخارجية، وإبقاء السفارة تحت إشرافه غير المباشر للحفاظ على شبكة مصالحه فيها.

 كما لا يمكن التغاضي عن تعيينه بعض أقاربه في مناصب حكومية، وهو سلوك يعكس استغلالًا للسلطة لا يتناسب مع خطاب الإصلاح الذي يتبناه. 

كذلك، أحلامه بالوصول إلى رئاسة الجمهورية، ونسجه علاقات استراتيجية مع الأمريكيين والأوروبيين لتحقيق هذا الهدف، شكّلت أيضًا عامل قلق حقيقي لمن هم في هرم السلطة حاليًا، ممن يتقاطعون معه في ذات الطموح ويتنافسون معه على ذات الموقع.
 
إن الأزمة في اليمن اليوم ليست في شخص رئيس الحكومة، بل في منظومة فاسدة مترهلة تحت مسمى الشرعية، تتكئ على الخارج وتنهب الداخل، تتحدث عن الدولة ولا تؤمن بمفهومها، تعيش على الصراع ولا تسعى إلى إنهائه.
 
ما يحتاجه اليمن اليوم ليس تغييرًا في الأسماء، بل ثورة على هذه المنظومة كلها. ما نحتاجه هو تمكين الشرفاء المخلصين، أولئك الذين لم تتلوث أيديهم بالمال العام ولم يدخلوا لعبة المحاصصة والتقاسم. لا معنى لأي تغيير ما لم يُستأصل الفساد من جذوره،

 وإلا سنبقى ندور في ذات الحلقة المفرغة: رئيس جديد، فشل جديد، وسقوط مستمر لوطن بات يتآكل ويتهاوى، والشعب يدفع الثمن.

بشير الحارثي
إعلامي يمني