Logo

الهوية الوطنية اليمنية: عودة الروح إلى الإنسان اليمني

 منذ زمن بعيد، واليمن تمر بمرحلة اغتراب عن ذاتها. لم يكن الاغتراب سياسياً فحسب، بل كان وجودياً وثقافياً. فالهوية الوطنية اليمنية، تلك التي تشكلت عبر آلاف السنين من الحضارة، تعرضت للتشويه الممنهج على يد قوى طارئة حاولت سلخ اليمني عن تاريخه، وإدخاله في قوالب طائفية وسلالية دخيلة على الأرض والإنسان.

إن الهوية ليست بطاقة تعريف، ولا زياً شعبياً، ولا علماً يرفع وحسب. الهوية هي إحساس داخلي بالانتماء، وسلوك يومي يؤكد هذا الانتماء. 

إنها إدراك بأنك تنتمي إلى حضارة سبأ وحِمير وقتبان، وأوسان، ومعين، وحضرموت، لا إلى سلاسل متوردة من وراء الحدود. إنها إيمان بأنك صاحب الأرض، لا تابع لمن يزعم “القداسة” ويتسلط باسم السماء.

لقد حاولت السلالة الهاشمية عبر قرون أن تفرض سرديتها على اليمنيين، فزيفت التاريخ، واختطفت الدين، وسعت لشرعنة الاستعلاء الطبقي والعنصري باسم “الحق الإلهي”. 

فتم تهميش الهوية اليمنية الجامعة لصالح هويات طائفية تكرّس التبعية وتقتل الإبداع. لكن هذا الشعب، الذي قاوم كل الغزاة، لم ولن يقبل أن يُسلَب منه تاريخه.

من هذا الجرح ولد حراك الأقيال، لا كحزب سياسي، بل كتيار وطني شامل يعيد الاعتبار للذات اليمنية. لقد كان حراك الأقيال إعلاناً عن نهاية عصر التبعية، وبداية عصر السيادة الثقافية والفكرية.

لهذا جاء حراك الاقيال ليس للبحث عن هوية جديدة، بل لنستعيد ما فُقد بفعل التزوير. نحن أبناء اليمن العظيم، ولسنا هوامش في قصص الآخرين. إن الوعل رمزنا، والمسند انعكاس لهويتنا  ، والنسر السبئي يحلق بطموحنا ، فاليمن ليست مجرد بلد، بل رسالة أمة عظيمة.

حين ندافع عن الهوية الوطنية، فإننا لا نتقوقع في الماضي، بل نؤسس للمستقبل. فبناء الدولة الحديثة يبدأ من فهم الذات. ولا يمكن الحديث عن العدالة أو التنمية أو الاستقرار دون هوية راسخة توحد الجميع على أساس المواطنة لا النسب، وعلى مبدأ الكفاءة لا الامتياز الوراثي.

الهوية الوطنية اليمنية ليست خياراً سياسياً، بل ضرورة وجودية. ومن يستعديها، إنما يستعدي جوهر الإنسان اليمني. إن عودتنا لهويتنا ليست عودة إلى الوراء، بل انطلاق نحو يمن جديد، حر، مستقل وذو سيادة. 

والذين يظنون أن معركة الهوية ثانوية، لم يدركوا بعد أن الأمة التي لا تعرف نفسها، لا يعرفها العالم

بقلم: يحيى أحمد الجماعي – رئيس مؤسسة معد كرب الثقافية