عن الحرب وحاجتنا إليها
مفردة الحرب من المفردات التي تتداول كثيرًا في الآونة الأخيرة على سطح هذا الكوكب المشتعل!
ولو دققنا في الحروب المشتعلة على كوكبنا المنحوس بنا، سنجدها تكاد لا تنطفئ في جغرافية حتى تشتعل في جغرافية أخرى، وكأن قدر هذا الكوكب هو الحرب دومًا.
وعدّ عندك: حرب أوكرانيا، وحرب السودان، ومعركة غزة الأخيرة، وحروب القرن الأفريقي التي تشمل اليمن في المركز، وما تحرك منها في الصومال من حين لآخر، وماذا عن مناوشات الداخل في سوريا الجديدة بعد سقوط نظامها السابق؟!
ولو التفتنا إلى قارة أفريقيا، لوجدنا أنّه خلال السنوات الخمس الماضية فقط أصابت لعنة الانقلابات والحروب عدة دول فيها؛ تتصدر القائمة دولة مالي التي اجتاحها انقلابان عسكريان عامي 2020م و2021م، وحرب إقليم التغراي في شمال أثيوبيا، التي اندلعت في نوفمبر/تشرين الثاني 2020م بين حكومة إقليم تغراي، بقيادة جبهة تحرير تغراي الشعبية، والدولة الأثيوبية، يليها السودان في الانقلاب العسكري الذي أطاح بحكومة البشير في إبريل/نيسان 2019م، وما تلاها من أحداث حتى الحرب التي اشتعلت في منتصف إبريل/نيسان 2023م بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، ولا تزال مشتعلة حتى الآن.
وحدث انقلاب عسكري في دولة غينيا في سبتمبر/ أيلول 2021م، وكذا دولة بوركينا فاسو عام 2022م (في الواقع حدث فيها انقلابان عسكريان خلال شهري يناير/ كانون الثاني وسبتمبر/ أيلول من العام نفسه!)
وحدث انقلاب عسكري في دولة النيجر في يوليو/ تموز 2023م، وكذلك دولة الغابون في أغسطس/ آب 2023م.
وليس هذا فحسب، بل هناك مناطق متهيئة للحرب في أي لحظة، على سبيل المثال لا الحصر: بحر الصين الجنوبي ومنطقة المحيط الهادئ كلها بسبب التوتر بين الصين والولايات الأميركية من جهة حول تايوان، والتجارب النووية التي تجريها كوريا الشمالية كل فينة وأخرى من جهة ثانية.
شرارة بسيطة وتشتعل الحرب بما لا يحمد عقباه، لأنّ الكل متسلح ولديه خزين من أحقاد وأطماع متراكمة منذ عقود.
وماذا عن الجارتين النوويتين: الهند وباكستان؟
بالمناسبة، في أثناء كتابة هذه الكلمات جاءت الأخبار عن حدوث مناوشات على الحدود بين الدولتين.
وكم من مناوشات قد حدثت بينهما منذ انفصال باكستان عن جسد الهند عام 1947م، وما تلاه عند سلخ بنغلاديش من جسد باكستان الفتية عام 1971م، ولا ننسى بقاء إقليم كشمير شوكة في حلق الجميع، ما يجعلها بؤرة نزاع لا تنتهي.
وأنا أتأمل خرائط الاشتعال يتسرب إلى ذهني قول الشاعر محمود درويش:
أينما وَلَّيْتَ وجهَكَ:
كلُّ شيءٍ قابلٌ للانفجارِ.
وكأنه يتحدث عن صهريج يحمل الغاز المسال سريع الاشتعال، وليس عن أماكن يعيش عليها مخلوق اسمه العلمي في كتب البيولوجيا: (الإنسان العاقل Homo Sapiens)!
وما دام هذا العاقل لا يزال مستميتًا في صناعة الأسلحة الفتّاكة، التي تتجاوز في كلّ تجربة ما سبقتها من أسلحة في كلّ نواحي التدمير، فلا ريب أنّه يحتاج للحرب كي يجرّب ما صنعت يداه من أسلحة، وهل هناك أفضل من ساحات القتال كي يقوم بهذا العمل المفيد!
إذن لا غرابة، فالحرب، كما يقول المؤرخ الأميركي المشهور وليم ديورانت المتوفى عام 1981م في كتابه (دروس التاريخ): "أحد ثوابت التاريخ؛ فالحرب أو المنافسة هي أبو كل شيء، وهي الأصل الفعّال للأفكار والمخترعات والمؤسسات والدول، أما السلام فهو توازن غير مستقر.
وأسباب الحرب هي ذاتها أسباب المنافسة بين الأفراد: نزعة التملك والمشاكسة والغرور".
وهذه الفكرة مأخوذة من الفيلسوف اليوناني هريقليطس القائل: "الحرب هي أم الأشياء"، وهو يعني الصراع بكل أنواعه، وليس الحرب العسكرية فقط.
لأنّ عالمنا عالم أغيار، قائم على المنافسة بين أفراده على كلِّ شيء، وهؤلاء الأفراد يكوّنون هذه التكتلات المسماة الدول والمنظمات العابرة للقارات، المشتجرِة مع بعضها البعض في شبكة مصالح لا تنتهي، فالنتيجة الطبيعية لذلك هي الصراع!
وقد أحصى وليم ديورانت، السابق الذكر، الحروبَ التي وقعت في التاريخ البشري منذ تدوينه، فلم يجد من 3421 عامًا إلا 268 عامًا ليس فيها حروب، وأكثر من ثلاثة آلاف عام كلها حروب؛ يعني حوالي 92% من تاريخ الإنسانية حروب!
من الحوارات التي تضمنها فيلم (ملك الحرب Lord of War) الذى أُنتج عام 2005م، وقام ببطولته الممثل نيكولاس كيج:
إنّ التغيّر الذي يُحدثه الرصاص أكثر رسوخًا من التغيّر الناتج عن الانتخابات.
هل تعرفون مَنْ سيرث الأرض؟
إنهم تجّار السلاح، لأنَّ الباقين منشغلون بقتل بعضهم بعضًا، وهذا هو سر بقاء أولئك التجّار!
عبد الحفيظ العمري
كاتب ومهندس من اليمن،