رسالة من حفيد مكلوم إلى جده حمير العظيم
يا جدّي،
أنا حفيدك المغدور، المقهور، المشتّت في زمنٍ تكدّست فيه الخيانات وتناسلت الهزائم، حفيدك الذي تقرأ في قسمات وجهه كل أطياف المجد القديم، لكنك تبكي حين ترى في عينيه مرارة الخذلان.
أنا من نسل الملوك، من نسلكم أنتم يا سادة المعاجم والتواريخ، يا من كنتم إذا ارتفعت رايتكم، انحنت أمامها الجبال، وتقهقرت من مهابتها البحار.
أين أنت يا حمير؟ أين سيوف التبابعة؟
أين ذو القرنين الذي طوّق يأجوج ومأجوج، ونحن اليوم محاصرون بأحفادهم؟
كأننا في دائرة قدرٍ معكوس، نحن السادة وقد أصبحنا عبيدًا، نحن الذين طوّعنا الأرض، أصبحنا غرباء على ترابها.
لقد خُدِعنا يا جدي… خدعونا باسم الدين، باسم مظلومية، كأنها حفرة حفروها تحت أقدامنا لنهوي دون أن نشعر.
دخلوا علينا بعمائم سوداء، وبكاؤهم على الحسين كان ستارًا لكراهيتهم لبلال وسلمان وصهيب وأويس، لكراهيتهم لكل من أسقط عرش كسرى، ولكل سهم رُمي في القادسية.
أتعرف يا جدي؟
إن الجيش الذي هزم فارس والروم، كان معظم جنوده يمنيين. نحن من فتحنا مصر، وركبنا البحر إلى طنجة، وسافرنا في المراكب إلى شرق أفريقيا، ونشرنا الإسلام لا بخناجر المجوس، بل ببسمة التوحيد وعدل الراشدين.
كان القادة من قريش، لكننا كنّا العصب، كنا اليد، كنا العزم.
لقد فرغت اليمن من أبطالها لأنها صدّرتهم جميعًا إلى ميادين المجد. بنينا فسطاط مصر، وشيّدنا قصر الحمراء، ورفعنا مآذن بغداد، وركع أمام حضارتنا التاريخ.
ولكن بينما كانت سيوفنا تفتح الأمصار، تسلّلت إلى خاصرتنا جراثيم المجوس، تحمل حقدًا دفينًا عمره ألف عام، زرعوه ببطء كمن يطهو السمّ على نار هادئة.
واخترقوا اليمن، ليس كجند، بل كفكر. لم يدخلوا بالسيف، بل تسلّلوا بالشكّ، بالخرافة، بالفوضى.
دسّوا في عقول البسطاء فكرة الإمام المعصوم، وجعلوا من الكذب تقية، ومن القتل ولاية، ومن الجوع طهارة.
هكذا التفّوا حولنا كما التف خالد بن الوليد على مشركي أحد، لكنهم لم يلتفوا لنصرة الحق، بل لطعنه في خاصرته.
أخبرني يا جدي، هل كان هذا عقابًا لأننا أسقطنا كسرى؟
هل سلالة فارس عادت، لكن ليس على ظهور الخيول، بل داخل المناهج، في لعن التاريخ، في سبّ الصحابة، في رفع سلالة "الحق الإلهي" فوق رقاب اليمنيين؟
يا حمير…
قم من نومك الأبدي، وخاطب أحفادك الموزعين بين الفقر والمنفى، المعلقين بين الموت والخذلان.
قل لهم إن المجد لا يُورَّث بالحكايات، بل يُنتزع باليقظة. قل لهم إن السلالات الدخيلة لن ترحل ما لم نلفظها من أرواحنا أولاً.
قل لهم إن عدوّهم لم يكن الحوثي فحسب، بل فكرة دخيلة منذ 1200 عام، تراكمت حتى أصبحت سرطانًا دينياً وسياسياً يمشي على قدمين.
إنهم لم يقتلوا رجالنا فقط، بل قتلوا إيماننا بأننا نستحق الحياة.
حوّلونا إلى شعب يتغنى بجرحه، بدلاً من أن يضمده.
شعب يبحث عن خلاص خارجي، بينما خلاصه في داخله… في جذوره، في حمير، في كهلان، في مذحج وهمدان.
يا جدّي…
نحن لا نطلب المعجزات، بل نطلب صحوة.
نريد أن نُفيق من سبات مميت، أن ننتفض كأننا عاصفة في وجه هؤلاء شذاذ الآفاق.
أن نكنس هذا الفكر المريض كما يُكنس الغبار من بيت الأجداد، أن نطهر اليمن من أوهام "الولاية" ونستبدلها بجمهورية العدالة والعقل والكرامة.
يا جدّي…
علّمنا أن المجد لا يعود بالبكاء عليه، بل بخلقه من جديد، كما خلقت حمير أمجادها من الحجر والطين.
كُنْ صوتًا يوقظ هذا الشعب.
كُنْ صرخة في وجه التاريخ: هنا اليمن، لن يموت!
بقلم: أ. عبدالله الشرعبي