Logo

نفوذ إيران في الشرق الأوسط من التكوين إلى التلاشي

 في لحظات توتر سابقة من عمر الخصومة والعداء الذي يمتد عقوداً بين إيران والقوى الغربية، كانت طهران قادرة على مد نفوذها في أنحاء الشرق الأوسط باستخدام شبكة من الحلفاء المقربين، وهو ما كان يجعل توجيه أي ضربات إليها بمثابة إطلاق العنان لرد فعل جسيم.

لكن الآن، مع وصول المحادثات في شأن برنامجها النووي إلى طريق مسدود أصبحت طهران مضطرة إلى مواجهة أزمة جديدة بعدما تراجعت هذه القدرات التي كانت تملكها بصورة كبيرة.

وقتلت الولايات المتحدة العقل المدبر لشبكة إيران الإقليمية عام 2020. ومنذ بدء الحرب في قطاع غزة قبل 20 شهراً، هاجمت إسرائيل جماعة "حزب الله" اللبنانية، وهي أقرب حليف لطهران، بينما أطاح مقاتلو المعارضة بشريكها الرئيس في المنطقة وهو رئيس النظام السوري بشار الأسد.

وفي السطور التالية توضيح للطريقة التي بنت بها إيران "محور المقاومة"، وكيف انهارت تلك الشبكة، والموارد الإقليمية التي لا تزال طهران قادرة على الاعتماد عليها.

كيف كونت إيران هذه الشبكة الإقليمية الواسعة؟

أمضت إيران عقوداً بعد الثورة الإسلامية عام 1979 في إقامة شبكة من الحلفاء في أنحاء الشرق الأوسط الذين قبلوا بقيادة طهران وشاركوها رؤيتها الإقليمية المتمثلة في محاربة ما وصفوه بـ"الإمبريالية الغربية".

واستمد ما أطلق عليه "محور المقاومة" قوته من جاذبية أفكار إيران الدينية الثورية للشيعة المهمشين تقليدياً في أنحاء المنطقة، ومن دعمها القوي للقومية الفلسطينية.

واتسع المحور ليشمل "حزب الله" في لبنان، وحكومة الأسد في سوريا، وجماعات شيعية مسلحة في العراق، والحوثيين في اليمن، وحركة "حماس"، مما أدى إلى امتداد نفوذ إيران إلى كل من البحر المتوسط والبحر الأحمر.

ويقع الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس التابع له في مركز هذا المحور. ويتبع الحرس الثوري الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي، وشُكل بعد الثورة بفترة قصيرة ليكون ثقلاً موازناً للقوات المسلحة النظامية لديه التزام أيديولوجي.

ويمثل فيلق القدس الذراع الخارجية للحرس الثوري الإيراني، ويعمل بصورة وثيقة مع الحلفاء في "محور المقاومة" لتدريبهم وتسليحهم، ويقدم لهم التوجيه والإرشاد في عملياتهم العسكرية.

وقتل قائده الصارم والمخضرم قاسم سليماني في هجوم بطائرة أميركية مسيرة في العراق عام 2020 بعد عقود أمضاها في العمل على ربط جماعات في شتى أنحاء المنطقة، وتواجه إيران صعوبة في العثور على من يشغل المساحة نفسها التي كان يشغلها ويملأ الفراغ الذي تركه.
 
لماذا انهارت أجزاء رئيسة من شبكة إيران؟

عندما هاجمت "حماس" إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، أثار ذلك رداً عسكرياً واسع النطاق أسفر عن مقتل عدد كبير من كبار قادة الحركة، بمن فيهم رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية الذي اغتيل في طهران الصيف الماضي.

لا تزال "حماس" تقاتل في غزة وتحتفظ بحضور في الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل، لكنها لا تملك حالياً قوة عسكرية قادرة على تشكيل تهديد واقعي وفعلي لإسرائيل.

وتوسعت الحرب سريعاً مع قيام جماعة "حزب الله"، الحليف الأهم لإيران في المنطقة، بمهاجمة إسرائيل عبر لبنان تضامناً مع الفلسطينيين في غزة، مما أدى إلى قصف متبادل عبر الحدود بين الجماعة وإسرائيل استمر أشهراً عدة.

وتصاعد ذلك الصراع فجأة في سبتمبر (أيلول) 2024 عندما فجرت إسرائيل الآلاف من أجهزة البيجر المفخخة التي يستخدمها عناصر "حزب الله"، مما أسفر عن مقتل وإصابة المئات منهم.

وعلى مدى الأسابيع التالية، أسفرت سلسلة من الغارات الجوية الإسرائيلية عن مقتل كبار قادة "حزب الله"، بمن فيهم الأمين العام للحزب حسن نصرالله، مما وجه ضربة موجعة للحزب وكشف عن اختراق واسع له.

وقبلت جماعة "حزب الله" وقف إطلاق النار مع إسرائيل في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 وتراجعت قوة الجماعة التي كانت تمثل في السابق تهديداً لإسرائيل.

وأطيح الأسد في سوريا بعد ذلك بوقت قصير. واستهدفت إسرائيل كبار القادة الإيرانيين في سوريا بغارات جوية خلال الصيف، مما تسبب في انسحاب جزئي للحرس الثوري الإيراني. ومن دون دعم إيران و"حزب الله" والحليفة روسيا المنشغلة في الحرب في أوكرانيا، انهار جيش الأسد عندما شنت جماعات المعارضة المسلحة هجوماً في أواخر نوفمبر 2024 أدى إلى سقوط الأسد في ديسمبر (كانون الأول) التالي.

ماذا تبقى من محور إيران؟

مع تراجع قوة "حماس" و"حزب الله" بصورة كبيرة، لا يزال بإمكان إيران الاستعانة بالجماعات المسلحة الشيعية التي تدعمها في العراق والحوثيين في اليمن.

ويضم العراق مجموعة من الجماعات المسلحة المتحالفة مع إيران، لكن عدداً قليلاً منها يعد من بين الأكثر قوة وقرباً لطهران، بما فيها "كتائب حزب الله" و"حركة النجباء".

وتتلقى تلك الجماعات أسلحة وتوجيهات من إيران، وتدين بالولاء لها، لكنها تحتفظ بقدر من الاستقلالية في عملياتها داخل العراق، وتوقفت تقريباً عن شن هجمات تستهدف القوات الأميركية وإسرائيل منذ العام الماضي.

ويشكك محللون في المدى الذي يمكن أن يذهبوا إليه في حماية إيران إذا كان الهجوم يستهدف مواقعها النووية، باعتبار أن ذلك سيشكل تهديداً وجودياً لمصدر دعمهم الرئيس.

ويواصل الحوثيون إطلاق الصواريخ على إسرائيل، لكن قدرتهم على تشكيل تهديد كبير من مواقعهم البعيدة في اليمن موضع شك، وتراجعت هجماتهم على سفن الشحن في البحر الأحمر منذ إبرام اتفاق مع الولايات المتحدة خلال الربيع الماضي.