ما حسابات روسيا والصين وكوريا الشمالية في حرب إيران؟
في ظل القتال المتصاعد بين "إسرائيل" وإيران بدأت مواقف روسيا والصين وكوريا الشمالية تتجه نحو دعم ضمني أو علني لطهران، ما يثير تساؤلات حول إمكانية انخراطها في التصعيد أو سعيها لاحتوائه.
ورغم أن علاقاتهم مع "إسرائيل" لم تشهد قطيعة علنية، فإن مواقفها الأخيرة تكشف عن أولويات استراتيجية أوسع تتعلق بإعادة صياغة ميزان القوى الدولي،
حيث تنظر هذه القوى الثلاث إلى إيران بوصفها حليفاً غير غربي في صراع النفوذ مع الولايات المتحدة، لا سيما مع اشتداد المواجهة العسكرية في الشرق الأوسط وامتدادها إلى مستويات إقليمية ودولية حساسة.
ويمثل التصعيد الأخير اختباراً لعلاقات هذه الدول مع طهران من جهة، ومصالحها مع "إسرائيل" والغرب من جهة أخرى، فكيف ستكون تحركاتها القادمة؟
ردود متباينة
تباينت ردود الفعل بين إدانة صريحة، ودعوات لضبط النفس، وسلوك أكثر هجومية في خطاب كوريا الشمالية، في حين حافظت كل من موسكو وبكين على هامش مناورة دبلوماسي واسع، مع التأكيد على ضرورة تجنب انهيار إقليمي قد يهدد مصالحهم المباشرة.
أدانت موسكو الغارات الإسرائيلية على إيران، ووصفتها بأنها خرق للسيادة الإقليمية وتهديد للأمن الدولي، محذرة من تحول التصعيد إلى "كارثة إقليمية"، ودعت إلى تسوية عبر الحوار، وكررت رفضها للوجود العسكري الأمريكي في المنطقة.
وأكدت وزارة الخارجية الروسية أن "الأفعال الأحادية وغير المسؤولة قد تؤدي إلى عواقب لا يمكن التنبؤ بها"، مشيرة إلى أن روسيا ستواصل التنسيق مع شركائها الإقليميين والدوليين لتفادي الانزلاق نحو حرب شاملة.
وعقب القصف الأمريكي على المفاعلات النووية الإيرانية، نقلت وكالة "تاس" الروسية للأنباء عن الكرملين قوله (22 يونيو) إنه "لا خطط لدى الرئيس بوتين للتحدث إلى نظيره الأمريكي دونالد ترامب".
أما الصين فقد نددت عبر خارجيتها "بشدة" بالضربات الأمريكية، داعية جميع أطراف النزاع، ولا سيما "إسرائيل"، لوقف إطلاق النار "في أقرب وقت".
وأضافت الوزارة في بيان لها أن "هذه الخطوة تنتهك بشكل خطير الميثاق الأممي، وتزيد من حدة التوتر في الشرق الأوسط".
وقبل الهجوم الأمريكي أعربت بكين عن "قلق بالغ" من التصعيد، داعية جميع الأطراف إلى التهدئة، لكنها لم تُدن "إسرائيل" بشكل مباشر، وفضلت التلميح إلى أن السياسات الأمريكية مسؤولة عن الانفجار الأخير في المنطقة، مع استعدادها للتوسط دبلوماسياً.
كما أكدت الخارجية الصينية أن بكين "تتابع التطورات عن كثب"، وأن استقرار الخليج هو مصلحة استراتيجية للصين في إطار مبادرة الحزام والطريق.
أما كوريا الشمالية، التي لم يصدر منها أي تعليق بعد القصف الأمريكي، فسبق أن أعلنت تضامنها الكامل مع إيران، ووصفت الضربات الإسرائيلية بأنها "عدوان سافر"، مؤكدة أنها تقف مع طهران ضد ما تسميه "الإمبريالية الأمريكية والصهيونية".
وقال بيان وزارة الخارجية في بيونغ يانغ: إن "الهجوم الإسرائيلي المدعوم من واشنطن يمثل خرقاً للقانون الدولي، وانتهاكاً صارخاً لسيادة الدول".
علاقاتها مع إيران و"إسرائيل"
وترتبط هذه الدول الثلاث بشبكة مصالح قوية مع إيران، تشمل التعاون العسكري والاستخباراتي مع روسيا، وصفقات نفط واستثمارات بنية تحتية مع الصين، وعلاقات تكنولوجية في مجال الصواريخ مع كوريا الشمالية.
وتعد إيران شريكاً رئيسياً في مشاريع النقل والطاقة الروسية، خاصة مشروع الممر الدولي "شمال-جنوب" الذي يربط روسيا بالهند عبر إيران.
وفي السياق ذاته، تمثل إيران للصين سوقاً للطاقة ومنفذاً جغرافياً حيوياً لمشروعها الجيوسياسي الممتد، حيث وقعت بكين مع طهران اتفاقية تعاون شاملة لمدة 25 عاماً تشمل مجالات الطاقة والبنية التحتية والاتصالات، فيما تستورد الصين قرابة 800 ألف برميل نفط يومياً من إيران رغم العقوبات الأمريكية.
أما كوريا الشمالية، فتحتفظ بعلاقات فنية وتقنية مع إيران منذ الثمانينيات، خاصة في تطوير الصواريخ الباليستية، في وقتٍ تتهم تقارير استخباراتية غربية بيونغ يانغ بتقديم دعم تقني لطهران في برامجها الصاروخية، مقابل حصولها على النفط أو المعدات الصناعية.
وعلى الجانب الآخر، لا تخفي هذه الدول مصالحها الثنائية مع "إسرائيل"، رغم تباين مستويات العلاقة، فروسيا تحتفظ بتنسيق أمني مع تل أبيب في سوريا، وتتجنب التصادم المباشر مع مصالحها هناك، كما تضم روسيا جالية يهودية كبيرة، ولديها مصالح اقتصادية مع "إسرائيل".
كما تتمتع الصين بعلاقات اقتصادية قوية مع "إسرائيل"، خاصة في مجالات التكنولوجيا والبنية التحتية والذكاء الاصطناعي، وشاركت شركات صينية في تطوير موانئ إسرائيلية ومشاريع سكك حديدية.
وتحافظ بكين على توازن حساس بين علاقتها مع "إسرائيل" ومصالحها الإقليمية مع إيران والعالم العربي.
أما كوريا الشمالية فهي لا تعترف بـ"إسرائيل" أصلاً، وتعتبرها كياناً استعمارياً تابعاً للغرب، وتنسجم علاقتها بإيران ضمن تحالف دولي غير رسمي مناهض للولايات المتحدة.
تباين واضح وانفراط للتكتل
يقول أستاذ علم الاجتماع السياسي، الدكتور عبد الكريم غانم، إن حسابات روسيا والصين وكوريا الشمالية تجاه أزمة إيران تتباين في بعض الجوانب وتتوافق في البعض الآخر،
مشيراً إلى أن سقوط النظام السياسي الحاكم في إيران، في حال حدوثه، قد يشكل بداية انفراط للتكتل المعارض للأحادية القطبية.
ويضيف:
- بقاء نظام المرشد في إيران يمثل أهمية اقتصادية للدول الثلاث، لا سيما الصين التي كانت ولا تزال أكبر المستفيدين من العقوبات الاقتصادية على إيران، من خلال الحصول على النفط وغيره من السلع الإيرانية بأسعار أقل كلفة.
- تزداد أهمية النظام السياسي الإيراني في حسابات روسيا، فهي من أهم موردي الأسلحة لطهران التي تعد سوقاً واعدة للأسلحة.
- تحتاج طهران للاستفادة من خبرات روسيا في تخصيب اليورانيوم، وعلى الرغم من احتياج روسيا للمسيرات الإيرانية في حربها على أوكرانيا، فإن كفة موسكو تبقى راجحة في ميزان التبادل التجاري للأسلحة.
- الطائرات الحربية الإيرانية ومنظومة الدفاع الجوي روسية الصنع، وجل الأسلحة الدفاعية الإيرانية روسية وإن تم تطويرها، وهو ما يجعل هزيمة إيران أكثر ارتباطاً بتكنولوجيا التسلح الروسي.
- لا تخفي روسيا انزعاجها من استمرار الحرب على إيران، وتحذيرها من مغبة مشاركة الولايات المتحدة الأمريكية فيها.
- تعتبر موسكو حياة المرشد علي خامنئي خطاً أحمر، فبقاء النظام الإيراني أحد الأنظمة المارقة في نظر الغرب، مفيد في مساعدة روسيا على تحدي الوجود الأمريكي في المنطقة.
- من منطلق العلاقات الاقتصادية الاستراتيجية بين الصين وإيران، من المحتمل أن تقدم الصين على تزويد طهران بالأسلحة، بشكل غير معلن عبر مسار بري يمر من باكستان.
- في ظل ما تمثله العملية العسكرية الحالية ضد إيران من استهداف للمنشآت الاقتصادية الإيرانية، من المرجح أن تحظى طهران بدعم مالي واقتصادي غير معلن، من بكين، حتى تتمكن من الاستمرار في الحرب لأطول مدة ممكنة، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من المصالح الاقتصادية التي تراكمت على مدى عقود.
- رغم الأهمية الاستراتيجية للعلاقة بين بكين وطهران، فإن الصين لن تذهب إلى الدخول في الحرب، تماشياً مع نهجها في تجنب الصراعات المدمرة وحتى لا تخسر علاقتها بـ"إسرائيل".
- في حسابات كوريا الشمالية فأي نجاح تحرزه القوة الصاروخية لإيران في حربها مع "إسرائيل"، وأي نجاح في إخفاء مخزن اليورانيوم الإيراني والعتاد العسكري في باطن الأرض، هو نجاح لتكنولوجيا التسلح الكوري الشمالي وخبرات بيونغ يانغ.
- الصواريخ الباليستية التي تميزت بها طهران ومليشياتها في المنطقة، يرجع الفضل فيها لكوريا الشمالية.
- لكن هزيمة إيران في هذه الحرب لن تدفع كوريا الشمالية لمساندتها، فإن صمدت طهران بفضل صواريخ بيونغ يانغ، وإن أخفقت فالأسباب أكثر من أن تُحصى.
- على الرغم من التحديات الأمنية والعسكرية التي تحيط بكوريا الشمالية، فإنها لن تعلق الأمل في التحالف العسكري مع نظام سياسي، يجيد التحلي بالصبر الاستراتيجي عندما يتعلق الأمر باستهداف حلفائه.