Logo

ثنائية السلاح وفشل الدولة

 الصومال واليمن وليبيا والسودان ولبنان والعراق، دول عربية فاشلة وإن بدرجات، ففشل الدولة العراقية ليس كفشل السودان أو اليمن مثلاً، وفشل ليبيا لا يشابه فشل الصومال، 

وكي لا نغرق في الجدل فعلينا تعريف الدولة الفاشلة، فهي الكيان السياسي الذي يفشل في فرض الأمن وتقديم الخدمات الأساس ونشر سيادة القانون بما يخلق ثقة لدى المواطن بالدولة، 

والمحاور الأساس التي تحدد درجات الفشل بالنسبة إلى دولة ما هي الأمن وسيادة القانون وتوفير الخدمات الأساس وحضور دولة القانون داخل حدود الدولة، وحضور تمثيلها خارج حدودها،

 والعامل الذي تشترك فيه الدول العربية الفاشلة التي ذكرتها أعلاه هو عامل ثنائية السلاح وثنائية السلطة أو حتى تعددها داخل حدود الدولة،

 ففي الصومال هناك حكومة في العاصمة مقديشو ولكن هناك انفصال لشمال البلاد يسمى جمهورية أرض الصومال وعاصمتها هرجيسيا، 

وبين الجمهوريتين أراض شاسعة من الفوضى تثير الرعب فيها فصائل مسلحة أشهرها تنظيم "الشباب" الذي لا يزال يسرح ويمرح وسط البلاد وجنوبها، ويرتكب أعمالاً إرهابية دامية ضد الدولة والناس الأبرياء.

وفي ليبيا يقدر عدد التنظيمات المنفلتة بـ 350 فصيلاً مسلحاً، أشهرها "مجلس مصراته العسكري" و"كتائب الزنتان" و"المجلس الوطني الليبي" بقيادة المشير خليفة حفتر، أما في السودان فهناك حرب ضروس بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، 

فقد اقتتل الجيشان ولا يزالان منذ الـ 14 من أبريل (نيسان) 2023، وحصد الاقتتال بينهما أكثر من 40 ألف قتيل وأضعافهم من الجرحى مع 4 ملايين مهجر خارج السودان و12 مليون نازح داخلي، وخسائر مادية جسيمة يصعب حصرها.

أما في اليمن فالحوثي انقلب على السلطة اليمنية الشرعية في سبتمبر (أيلول) 2014 واندلعت حرب مدمرة بين الطرفين أدت إلى تدخلات عربية ودولية نتج منها ملايين القتلى والجرحى والنازحين والجوعى والمرضى والمهجرين،

 وفي لبنان خلقت إيران "حزب الله" كمخلب لها عام 1982، مما ورّط الدولة وباقي مكونات الشعب في حروب مع إسرائيل والسوريين والمكونات الداخلية، ولا يزال يرفض تسليم سلاحه والاندماج في الدولة مشكلاً دولة داخل الدولة اللبنانية.
 
وفي العراق تشكل "الحشد الشعبي" كرديف للجيش العراقي الذي يرى مراقبون أنه تحول إلى امتداد للحشد الشعبي ولكن بزي عسكري مختلف، 

وقد تشكل "الحشد" عام 2014 ويضم اليوم أكثر من 60 فصيلاً مسلحاً تدين غالبيتها بالولاء لإيران، ولها موازنة مستقلة ولا تخضع لقوانين الدولة وسيادتها، مشكّلة بذلك دولة داخل الدولة العراقية الضعيفة، 

ولذلك فإن فشل هذه الدول العربية مرادف لثنائية السلاح وضعف الدولة.

اندلعت قبل أيام معارك في محافظة السويداء السورية التي تضم دروزاً وعشائر سنيّة وأقلية مسيحية، نتج منها حتى كتابة هذه المقالة 500 قتيل ومئات الجرحى والمشردين،

 وتخلل الاقتتال انتهاكات بشعة ضد السكان المحليين بدوافع طائفية وعنصرية متشددة من قبل العناصر "الداعشية" نفسها التي ارتكبت بشائع الساحل في مارس (آذار) الماضي ضد العلويين.

تلعب إسرائيل دوراً خبيثاً في إشعال نار الفتنة بين الدروز وتدعي حمايتهم، وهي تحتل من الجنوب الغربي السوري ما يقارب نصف مساحة الجولان المحتل نفسه، وهناك فلول لنظام الأسد لا تزال تحلم بالمستحيل وعودة الأسد للحكم، 

وهناك عملاء وخونة يرتهنون لإسرائيل ومخططاتها لتفتيت سوريا وفصل جنوبها الغربي عن باقي البلاد تمهيداً لقيام كيانات طائفية عرقية درزية وعلوية وكردية وسنيّة، وبلغت العربدة بإسرائيل أن تقصف القصر الرئاسي في قلب دمشق نهار الأربعاء الماضي.

العوامل الخارجية للمخططات والمؤامرات ضد سوريا هي عوامل لا تعفي الدولة السورية من مسؤولية الأحداث، ولن يجهض هذه المخططات سوى دولة سورية ناجحة لا فاشلة، 

وأول مؤشرات نجاح الدولة هو سيادة القانون وتطبيقه على الجميع من دون تمييز، كما جاء في خطاب الرئيس السوري أحمد الشرع فجر أمس الخميس، 

فالعناصر الذين ارتكبوا شنائع الساحل ضد العلويين في مارس الماضي هم نفسهم الذين تسربت شنائعهم في السويداء على مدى الأيام الماضية، وعدم محاسبتهم ولجم قطعانهم الموتورة سيفقد الناس الثقة بالدولة، 

وستتحول البلاد إلى "حارة كل مين إيدو إلو"، وهذا ما يتمناه أعداء سوريا الجديدة.

المعارضون للحكومة السورية الجديدة يتهمونها بالتواطؤ مع الممارسات الطائفية البغيضة التي ترتكبها عناصر دموية متطرفة، وإن صدق هذا الاتهام فتلك مصيبة،

 ولكن المصيبة الأعظم إن كانت حكومة الشرع غير قادرة على محاسبة وإزاحة هذه العناصر المنفلتة، لأن ذلك يعني ثنائية السلاح وثنائية الدولة، وبالتالي فشل مشروع الدولة السورية الجديدة، وهذا ما لا يتمناه أي محبّ لسوريا وشعبها ومستقبلها.

سعد بن طفلة العجمي 
وزير الإعلام السابق في الكويت