Logo

تأملات في عجز الشرعية اليمنية

هناك عجز واضح في الشرعية اليمنية، ولن نتكلم في مظاهر العجز ولا في توصيفه ولا في عواقبه، هذا اليوم.
لن ندخل في أسباب قوة الحوثيين الواضحة أمام الشرعية اليمنية، هذه الأيام بالذات.

ولن نتعرض لضعف الشرعية اليمنية أيام الرئيس عبدربه منصور هادي.
هناك من يقول أن سبب عجز الشرعية اليمنية وسبب عجز المجلس الرئاسي الحالي إنما هو بسبب اليمنيين وأنه بسبب اليمن وأنها كلها أسباب ذاتية.
 
نحن لا نعتقد أن سبب عجز المجلس الرئاسي هو 100٪؜ ذاتي.
سوف ندعوكم للمشاركة في بحث سبب عجز المجلس الرئاسي الحالي.
وهل هو حتمي وذاتي وتاريخي؟
أم هو بسبب أعضاء مجلس الرئاسة أنفسهم؟
أم هو بسبب السعودية والإمارات؟
من تجاربنا مع أعزائنا القراء، هو أنهم دائما يتشعبون ويفتحون مواضيع أخرى لا علاقة لها بالموضوع المطروح.
هذا هو ما يجعلني أحتاج لكتابة المقالات الطويلة.
 
سوف أسبقهم وأتشعب في المواضيع التي أتوقع أن يتطرقوا لها.
ثم سأعود لموضوعنا لهذا اليوم.
موضوعنا اليوم، هو فقط:
1- دور المجلس الرئاسي في عجز شرعية اليمن
2- دور تحالف السعودية والإمارات في عجز شرعية اليمن
 **
أولا: استبعاد أن اليمن هي سبب عجز الشرعية
**
1- هل اليمن هي السبب؟
*
هل اليمن نفسها هي مصدر العجز وهي العاجزة؟
هناك من يقول أن اليمن مازالت في مرحلة "ما قبل الدولة"؟
 
وأن اليمن لم تتطور اجتماعيا بعد ولم تخرج من مرحلة "القبيلة" وأنها يجب أن تتطور أولا إلى مرحلة "الإقطاع" ثم إلى مرحلة "بناء المدن الكبرى"، ثم إلى مرحلة "البورجوازية" ثم إلى مرحلة "الرأسمالية" ثم إلى مرحلة "الإشتراكية" ثم إلى "فشل الإشتراكية" ثم إلى حكم "الياقات الزرقاء" ثم إلى "حكم الطبقة المتوسطة" ثم إلى … وإلى…  وإلى… وصولا إلى الأمريكي ترامب والصيني تشي والروسي بوتين.
حتى لوكان هناك الكثير من الصحة في هذا الكلام، فإننا سوف نطلب منكم التأمل في مدى أهمية هذه الفرضيات:
2- سوف نترك هذا "التفسير المادي للتاريخ" جانبا.
 
التفسير المادي للتاريخ— ماركس وانجلز- كان عبقريا في تفسير ما قد حدث في الماضي ولكن قد فشل فشلا ذريعا بالتنبؤ بالمستقبل.
 
3- سوف نترك هذا الموضوع جانبا لأن الكثير من قادة اليمن يستعملونه كشماعة لتفسير العجز أو تبرير لعدم قدرتهم على ممارسة القيادة.
4- سوف نترك هذا الموضوع جانبا، لأن الأردن والسعودية وسلطنة عمان وكل دول الخليج كانوا في ظروف مشابهة لتطور اليمن الاجتماعي، ولكنهم خرجوا ونفذوا إلى منطقة أمان.
 
**
ثانيا: حيرة اليمن مع الشرعية
**
جيران اليمن، توصلوا لنوع الشرعية التي تناسبهم.
لكن اليمنيون مازالوا يبحثون.
1- التخلف لم يمنع شرعية الجيران
 
*
الجيران، كانوا متخلفون في درجة التطور الاجتماعي ومرحلة ما قبل الدولة مثلهم مثل اليمن وربما أكثر.
 
صحيح أن كل البلدان المجاورة لليمن، كانوا غاطسون مثلنا في العشائرية، والقبلية، والمذهبية، والطائفية، والعنصرية، والمناطقية، وشراسة المناطق الجدباء  الصفراء تجاه مدنية المناطق الخصبة الخضراء والساحلية المنفتحة الزرقاء، ولكنهم خرجوا ونفذوا إلى منطقة أمان.
 
لم يمنع تخلف التطور الاجتماعي كل بلاد الجيران من الخروج إلى منطقة الأمان.
لقد نجحوا في البلدان المجاورة بالتوصل إلى مفهوم معين خاص بهم لمسألة "الشرعية" في حكم البلاد.
وكلهم قد وصلوا بطرق مختلفة للشرعية التي تناسبهم.
اليمن، مازالت لم تتوصل حتى الآن لنوع الشرعية التي تناسبها.
2- الشرعية ليست وصفة سحرية واحدة لكل البلدان
*
نحتاج أن نؤكد هنا أننا لا ننقص من قدر وقيمة "الشرعية" عند جيراننا وأشقائنا وحلفائنا.
بالعكس، نحن نغبطهم عليها ونتمنى لهم دوام الاستقرار والإزدهار وأن يتغيروا هم بأنفسهم وبحسب حاجتهم وبحسب تطور الأمور داخل بلادهم.
لا تحتاج كل بلد خليجية إلى استيراد مفاهيم “العقد الاجتماعي” الغربي أو “دولة المؤسسات” الكلاسيكية.
"الشرعية" ليست وصفة جاهزة، بل هي عقد خاص، تصنعه كل دولة بطريقتها.
 
3- الاستعمار والنفط وشرعيات المنطقة
*
صحيح أن الاستعمار الأوروبي ومجيئ أمريكا وظهور النفط والغاز له دور في بناء "مفهوم الدولة الوطنية" وفي "حماية النظام" من قلاقل الداخل وأخطار الخارج في البلدان المجاورة، وأن هذا هو الذي رسخ وكرس مفهوم الشرعية التي توصلت لها هذه البلدان.
 
لم تتعرض اليمن لاستعمار ولم تمرح وتسبح في حقول النفط والغاز، ولم تحفل أي قوى خارجية بتكريس شرعية محلية.
وهكذا لم تخرج اليمن إلى منطقة أمان كما خرج الجيران.
 
4- تاريخ 100 سنة من الشرعيات اليمنية
 
اليمن، لم يعجبها "شرعية الإمامة" ولا "شرعية جمهورية السلال في ظلال الجيش المصري" ولا "شرعية المجلس الجمهوري الإرياني" ولا "شرعية مجلس القيادة العسكري وعسكرتارية الحمدي" ولا "شرعية الغشمي وصالح اللذان قتلا الحمدي" ولا "ابتكار الرئيس صالح لشرعية القبيلة المتعسكرة أو العسكرتارية القبلية" ولا لأحلام الرئيس، ولا "شرعية سيادة البروليتاريا والعمال في الجنوب"، ولا أحلام الرئيس صالح ب "الشرعية الوراثية الجمهورية أو الجملوكية"، ولا "شرعية الملازم الحوثية" التي تكتسح شمال اليمن هذه الأيام.
 
إلا  أننا سوف نطلب العذر منكم بترك هذه العوامل جانبا هذا اليوم.
ثم حصلت إحدى عجائب الزمان.
السعودية، أصبح معها وصفات سحرية لشرعيات يمنية.
السعودية أصبحت صانعة شرعيات اليمن.
**
ثالثا: السعودية صانعة شرعيات اليمن
**
منذ 2011، أصبحت المملكة السعودية هي صانعة عدة شرعيات متعاقبة في الجمهورية اليمنية.
15 سنة من الشرعيات المتعاقبة صنعتها دولة ملكية ثرية لجمهورية فقيرة تبحث عن "الدولة" وعن "الشرعية"
 
المبادرة الخليجية:
 
هي الأب المؤسس لشرعيات اليمن التي ابتدأت بنهاية حكم الرئيس صالح وتوقيعه بنفسه تنحيه عن الحكم أمام الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود.
من المفارقات وألعاب الأقدار أن الرئيس صالح، هو الذي كتب النقاط الخمسة للمبادرة الخليجية.
حكم الرئيس صالح لمدة 33 سنة، انتهت بانهيار الطبقة المتوسطة.
انهيار الطبقة المتوسطة في أي بلد في العالم، هو السبب بالتوترات والاضطرابات والثورات.
المبادئ والمذاهب والعقائد لا تصنع ثورات.
انهيار الطبقة المتوسطة هي التي تصنع الثورات.
 
النقاط الخمس
 
كان الرئيس صالح قد طلب من تجمع أحزاب اللقاء المشترك أن يكتبوا شروطهم ل"إصلاح النظام" بدلا من "تغيير النظام"، ولكنهم كانوا يعرفونه جيدا فطلبوا منه أن يضع هو بنفسه خطوات "إصلاح النظام" مقابل انتهاء حركة الاعتصامات.
 
كتب الرئيس صالح النقاط الخمسة.
وفعلا تملص منها وتنكر لها بعد ذلك كما توقعت الأحزاب.
ولكن بعد اشتباكات مسلحة وانهيارات في الاقتصاد والخدمات وتدهور الأحوال المعيشية، أصبحت هذه النقاط الخمسة التي كتبها الرئيس صالح هي نفسها بحذافيرها التي أنهت 33 سنة من حكم الرئيس صالح، وهي التي دشنت باكورة سلسلة الشرعيات المتعاقبة التي صنعتها السعودية.
 
واستمتعت السعودية بطعم صناعة الشرعيات.
 
جاءت السعودية إلى اليمن وصنعت لها عدة شرعيات جمهورية تبدأ بشرعية الرئيس هادي في صنعاء ثم شرعية الرئيس هادي في عدن ثم شرعيات الرئيس هادي في الرياض، ثم شرعية المجلس الرئاسي.
وهو الأمر الذي لم يحدث في اليمن، ولكننا أيضا سوف نترك هذا الأمر جانبا.
والبعض يقول أن هذا هو ما قد أخرجهم إلى منطقة أمان.
 
**
رابعا: شرعية المجلس الرئاسي الحالي
 
**
السعودية، هي الأم والأب والمبتكر والمخترع والمخرج والمنتج وكاتب السيناريو والطباخ والصانع والمُسّيِّر والمُرَوِّج والمُسَوِّق للمجلس الرئاسي الحالي.
وأغرب الغرائب في هذه الأيام بالذات أن السعودية قد أهملت هذه الأيام ابتكارها.
 ولا تمنع سقطات ربيبها ولا تمانع لو تم دفن مخلوقها بينما هو ينازع ومازال على قيد الحياة.
تأملات في عجز شرعية المجلس الرئاسي.
 
1- نزعوا من الشرعية اليمنية احتمال وجود قائد يمني واحد.
2- ابتكروا لها "التوافقية" و "الجماعية" وهذا يعني الشلل.
3- قال أشقاؤنا وحلفاؤنا  أن المتوافقين"، هم نخب وقوى مناطقية يمثلون تنوعات أبناء اليمن ويجب أن يشاركوا في الحكم.
 
نعم، هم متنوعون ويمنيون بالمولد والنشأة والتربية ولكنهم يعيشون ويتعيشون بوسائل استمرار حياة من السعودية والإمارات.
 
4- الحقيقة هي أن قوة وتأثير "القادة المتوافقين"، مرتكزة على تأثير وإمكانيات قوة دولة خليجية وليست قوة ذاتية يمنية.
أعضاء المجلس الرئاسي لا يستطيعون الخروج من جلودهم.
 
وهذه الجلود ليست يمنية ولكنها سعودية وإماراتية.
5- المحصلة النهائية الطبيعية، هي انعدام استقلال صناعة القرار، وانعدام الجرأة والشجاعة، والخوف من تحمل المسؤولية، والهروب من الدخول في مخاطرة، واستحالة معارضة الحليف الخليجي.
 
6- الحليف الخليجي لكل جهة، تتغير مصالحه بحسب تغيرات موازين القوى في المنطقة، وتتغير احتياجاته وطلباته من الذين يمثلونه في القيادة "التوافقية" "الجماعية".
وتتغير طلبات السعودية والإمارات من المجلس الرئاسي بحسب تغير مصالح الرياض وأبو ظبي وليس بحسب مصالح اليمن واليمنيين الذين مازالوا يبحثون عن مفهوم "الشرعية".
**
خامسا: ما العمل؟
**

1- هناك من يطلب من أعضاء المجلس الرئاسي أن يتفقوا.
ثلاث سنوات قد مرت من عمر هذا المجلس، ولم يتفقوا حتى الآن.
 
ولن يتفقوا.
 
2- هناك من يطلب ثورة شعبية.
لكن لا توجد ثورة شعب بدون قائد.
3- هناك من يطلب من رئيس المجلس الرئاسي أن يقود الشعب.
لكن رئيس المجلس قد قيدوه بسبعة أعضاء مجلس رئاسة وتوافقية.
والغالب أنه لا يريد أن يقود.
وربما أنه لا يستطيع أن يقود.
4- هناك من يقول بأن السعودية يجب أن تصنع قائدا يمنيا.
لكن القادة لا يتم صناعتهم ولا يأتون من الخارج.
5- هناك من يقول أن السعودية هي التي تستطيع حل مشكلة اليمن.
لكن بعد 14 سنة من ميلاد المبادرة الخليجية وشرعيات السعودية المتعاقبة قد دب اليأس بشأن قيام السعودية بإنقاذ اليمن.
 
خاتمة
 
هذه نقاط صالحة لتكون مواضيع بحث من قبل قادة اليمن أعضاء المجلس الرئاسي فيما بينهم.
وإذا اتفق أعضاء المجلس، فإنه يمكنهم بحث نفس المواضيع مع حلفاء اليمن: السعودية والإمارات.
والغالب أن شيئا من هذا لن يحدث، لأنه يلزم أن تكون هناك قيادة لكي يحدث.
نحن لا نعرف إمكانية إصلاح هذا المجلس الرئاسي؟
… لأن أعضاء هذا المجلس قد أرهقونا.
ولا نستطيع الجزم بضرورة تجاوز المجلس الرئاسي؟
… لأننا نخاف من مجيئ الأسوأ.
ولا نعرف ما هو شكل الشرعية القادمة؟
… لأنهم يطبخون الشرعيات المتعاقبة في غيابنا.

د. عبدالقادر الجنيد
أكاديمي يمني.