المنطقة تتحوَّل: أحجام اللاعبين والخرائط والكيانات تنتظر النهائيات الجيوسياسية في «الشرق الأوسط الجديد»
رسمت اتفاقية سايكس- بيكو قبل 109 سنوات خرائط تقاسم النفوذ بين الفرنسيين والبريطانيين في الشرق الأوسط بعد انهيار السلطنة العثمانية، وهي الاتفاقية التي أنشأت كيانات سياسية جديدة مثل: سوريا، ولبنان، والعراق، والأردن، وفلسطين، ورسمت حدودها، كما مصائرها.
انتهت مرحلة الانتداب على تلك الدول ولم تنته الأزمات المتعددة الأوجه والجذور، ولا عاشت شعوب المنطقة في أمن ورخاء على الدوام، ولا نسجت حريتها وتطلعاتها الوطنية بأدواتها الديموقراطية.
وتعيش منذ اندلاع «الربيع العربي» في مخاض التشكّل الجديد ليرسم معالم المستقبل لـ«الشرق الأوسط الجديد»، ونفوذ اللاعبين فيه وطبيعة الدول وحدودها والكيانات فيها لمائة سنة مقبلة.
ليس هناك من تباينات في القراءات المتعددة الانتماءات والاتجاهات والعقائد بأن ما يجري راهناً هو مخاض التشكّل لشيء جديد آت.
ما قد يبقى غير واضح في القراءات هو المدى الزمني الذي قد تأخذه المنطقة لولادة هذ الشرق الأوسط الجديد، الذي لا اختلاف أيضاً في أن ولادته ليست طبيعية، بل تجري بطريقة قيصرية. فتاريخ انتهاء عملية التحوُّل لا يمكن الجزم بها،
رغم أن الاندفاعة الأمريكية لـ«سيد البيت الأبيض» دونالد ترامب ومزاجه وأسلوب حكمه الخارج عن المألوف في سيرة رؤساء الولايات المتحدة وطموحاته بترك إرث «صانع السلام»، تُشكّل عوامل ضاغطة لإنهاء المهمة ليس قبل انتهاء ولايته فحسب،
بل على مشارف الانتخابات النصفية للكونغرس بعد أقل من سنة ونصف، بحيث سيترك نجاحه، كما إخفاقه، تأثيره على الاستحقاق الآتي، وإن كانت القناعة أن الملفات الداخلية الأمريكية هي عامل الفصل لدى الناخب الأمريكي أكثر مما هي السياسة الخارجية وإنجازاتها، وهو الذي منح ترامب ثقة لا مثيل لها واصطف خلف شعاره: «لنجعل أمريكا عظيمة من جديد».
قد يكون الحديث عن النهائيات في المنطقة صعباً، بخلاف تحديد بدايات التحوُّل التي قلبت المشهد رأساً على عقب، التي يربطها الكثير من السياسيين والباحثين الأكاديميين والمحللين بتاريخ عملية «طوفان الأقصى» وتدحرجها منذ ذلك الحين.
سمة التحولات… ونهاية الدولة لوطنية
في القراءات، يرى رئيس قسم الدراسات الدولية والسياسية في الجامعة اللبنانية الأمريكية د. عماد سلامة أن المنطقة العربية شهدت بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، إثر اندلاع حرب غزة، تحوّلات جيوسياسية دراماتيكية تُعيد تشكيل خريطة النفوذ الإقليمي والدولي، مُلخِّصاً أبرز تلك التحولات في خمسة محاور:
أولها، «تآكل النُفوذَين الإيراني والروسي». فبعد الضربات الإسرائيلية ـ الأمريكية المركّزة التي استهدفت البنى العسكرية الإيرانية داخل إيران وسوريا ولبنان، المتزامنة مع الانهيار البنيوي للنظام السوري وتفكيك شبكاته الأمنية،
بدأت مرحلة التراجع الواضح للنفوذ الإيراني، خصوصاً في المثلث الاستراتيجي (سوريا ـ لبنان ـ العراق). أما روسيا – المنشغلة بحربها في أوكرانيا ـ فقد فقدت القدرة على الاحتفاظ بأوراق ضغط فعلية في الشرق الأوسط، ما جعلها لاعباً ثانوياً في خريطة النفوذ الجديدة.
أما ثاني تلك المحاور للتحولات، فهو «تصاعد الدور الإسرائيلي»، بحيث برزت، في المقابل، إسرائيل كقوة إقليمية مركزية تُمسك بمبادرة إعادة هيكلة الإقليم عسكرياً وأمنياً، مدعومة من الولايات المتحدة، ومرتكزة على اتفاقات أبراهام والتنسيق الأمني الخليجي ـ الإسرائيلي. لم تعد إسرائيل تنظر فقط إلى أمنها الداخلي،
بل باتت طرفاً فاعلاً في هندسة الإقليم سياسياً، من خلال فرض توازنات جديدة قائمة على إضعاف المحور المقاوم وتطويق النفوذ الإيراني.
وتُشكِّل «عودة تركيا إلى واجهة الصراع» محوراً ثالثاً، إذ مع انسحاب إيران وروسيا من بعض المواقع، دخلت تركيا إلى المشهد بقوة، ساعية لملء الفراغ في الشمال السوري، وشمال العراق، وربما حتى في غزة من بوابة الدعم الإنساني والسياسي.
إلا أن تضارب المصالح التركية ـ الإسرائيلية في ملفَي القدس وسوريا قد يُفضي إلى صراع بارد «وربما ساخن» على النفوذ في هذه المناطق، خاصة في ظل التنافس على إدارة الجماعات السُّنية والكردية في المنطقة.
وهذا يقود إلى المحور الرابع المتعلق بـ«تحوُّل الصراعات من قومية إلى جماعاتية»، فالصراع بالواسطة لم يعد بين دول قومية أو أنظمة سياسية، بل بات يتخذ أشكالاً طائفية وإثنية حادة: درزية وسنيّة في السويداء، علوية في الساحل السوري،
شيعية في لبنان والعراق، كردية في شمال سوريا والعراق، ومسيحية وسنيّة في مناطق متفرقة. هذه الصراعات تُغذّيها قوى إقليمية ودولية، وهي نتيجة مباشرة لانهيار العقد الاجتماعي في معظم الدول ما بعد مرحلة الربيع العربي.
ولعل أهم التحولات وفق سلامة، هو «نهاية الدولة الوطنية التقليدية»، ذلك أن كل العوامل التي سبقت تؤشّر إلى نهاية نموذج الدولة الوطنية القومية المركزية،
وبدء مرحلة «التشظي المؤسسي» لصالح نموذج «الدولة الجماعاتية(Communitocracy)، وهي مرحلة تفرض نمطاً جديداً من الحكم القائم على التوازنات المجتمعية أكثر منه على المؤسسات الوطنية.
وقد قارب ذلك في كتابه «تراجع الدول الوطنية بعد الربيع العربي وصعود الكميوقراطية» الذي صدر باللغة الإنكليزية.
الانعطافات وأثمانها: بين باكو والسويداء
فرضت أحداث السويداء نفسها على المشهد في منطقة تنام على شيء وتستفيق على شيء آخر. فقبل أيام سبقت أحداث السويداء، جرت محادثات في العاصمة الأذربيجانية بين وفدين من دمشق وتل أبيب. أخبر الجانب السوري الطرف الإسرائيلي بضرورة دخول قوات وزارة الدفاع ووزارة الداخلية إلى السويداء، لكن مسار التطورات اللاحقة أظهر أن الجواب ربما كان ملتبساً أو قابلاً للتفسير الخاطئ.
فوقع الرئيس السوري أحمد الشرع في «سوء الفهم» الذي تحدَّث دونالد ترامب أنه جرى بين إسرائيل وسوريا، وربما في «الفخ» الذي يُتقن الأمريكي كما الإسرائيلي إعداده.
سيتكشّف مع الأيام الذي حصل في باكو، وأحدث «انحرافاً ما» عن الطريق المرسوم، أقله أمريكياً. فحين التقى ترامب مع الشرع في الرياض برعاية ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وضمانته، كما رعاية تركيا برئيسها رجب طيب أردوغان، ما أمَّن غطاءً دولياً من الباب العريض، وحين أعلن أنه سيرفع العقوبات عن سوريا ليمنح الحكّام الجدد فرصة بناء دولة مستقرة،
كانت عين ترامب على انضمام دمشق إلى الاتفاقات الإبراهيمية مع إسرائيل، وسرى كلام قوي بأن أيلول/سبتمبر المقبل، سيشهد – بالتزامن مع انعقاد الجمعية العمومية للأمم المتحدة – لقاء الشرع – بنيامين نتنياهو يتوسطهم ترامب إما في نيويورك أو في «البيت الأبيض».
ما حصل في باكو من «سوء فهم»، بحسب تعبير ترامب، أدى إلى التطوّر الإسرائيلي بضرب مقر وزارة الدفاع ورئاسة الأركان ومحيط قصر الشعب في رسالة إسرائيلية غليظة، وإلى تحريك مشروع إسرائيلي قديم – جديد في السويداء ببعده الانفصالي، وما يحمله من إقامة حزام أمني حدودي يُشكّل فيه الدروز العصب الأساسي،
ويلاقي في جانب منه دروز الجولان المقتطَع منذ حرب 1973 والذي ضمَّته إسرائيل واعترف به ترامب في ولايته الأولى. تلقّى حكم الشرع ضربة. دخلت واشنطن وأنقرة والرياض على الخط، فخطا خطوة إلى الوراء، بسحبه القوات الحكومية التي دخلت السويداء، قاطعاً الطريق على انفجار المنطقة.
تسارعت التطورات لتُحدث من جديد انقلاباً في المشهد مع قيادة العشائر العربية المعركة. في النتيجة، علت الدعوات الدولية من جديد لتدخل الدولة، وتراجعت نبرة إسرائيل الرافضة لوجود أي قوات حكومية، وليعلن الأمريكيون وقفاً لإطلاق النار بين سوريا وإسرائيل. في القراءة ما بين السطور، تمَّت عودة جميع اللاعبين إلى الطريق المرسوم، بعد انحرافات من هنا وهناك، فإما جرى العمل على حل أسبابها أو أُعطيت الوعود بذلك.
المشهد في اللعبة الصغرى، التي قادها في السويداء أحد مشايخ عقل الطائفة الدرزية الشيخ حكمت الهجري وفصائل عسكرية تأتمر بتوجهاته، انضوت ضمن المجلس العسكري، الذي يعكس مسيره الخبير اللبناني العسكري الجنرال يعقوب صخر في تغريدة له على منصة «إكس» تحت عنوان «انقلاب المشهد»،
فيقول: «فاجأتنا ظاهرة العشائر السورية وامتداداتها العربية وتفرعاتها المنتشرة، كيف هبّت وتداعت كقلب رجل واحد لقلب المشهد. ففي وقت كنا نقلّب البدائل ونستعرض السيناريوهات ونتخوف من المآلات، برزت العشائر عنصراً فاعلاً وحاسماً،
وفرضت نفسها كضابط إيقاع استطاع إعادة الأمور إلى مسيرتها الأولى، وقطع الطريق على المتمردين وإرباك داعمهم إسرائيل؛ والأهم قطع الأمل عند الأكراد والعلويين وردعهم وتخليهم عن احتمال لجوئهم لتقليد حالة التمرد الهجرية.
وبهذه الطريقة يستعيد الشرع أوراقه ويصبح اللاعب الأول والمطلب المرتجى، بعد أن خُيّل لكثيرين أنه فقد أوراقه وبات آخر اللاعبين. في كل يوم يُثبت أحمد الشرع دهاءه، ويُبيِّن أنه رجل المرحلة».
الخرائط وعلبة البندورا
ما يحصل من أحداث في سوريا راهناً، برأي مدير معهد العلوم السياسية في الجامعة اليسوعية د. سامي نادر، هو ترسيم حدود جيوسياسية بين إسرائيل وتركيا، وستؤثر تداعياته على المنطقة كونهما لاعبَين أساسيَين فيها، خصوصاً أن هذا الترسيم للحدود الجيوسياسية لمناطق النفوذ لم يَرسُ بعد على معادلة ثابتة، وما زالت ديناميته مُنطلقة،
ولم تنته المعالم التي سترسو عليها والتي في ضوئها يمكن أن نُحدِّد شكل الدول الني ستظهر، وكيف ستكون الحدود، وما إذا كانت ستبقى وفق اتفاقية سايكس بيكو أم ستصبح هناك حدود جديدة، وسنعلم عندها شكل الكيانات التي ستنبثق عنها. لذلك من الصعب الجزم بالنهائيات ما دامت المنطقة ما زالت في خضم التحُّول.
في قراءته، أن إلقاء «حزب العمال الكردستاني» السلاح شكّل انتصاراً لتركيا في السباق الجاري على ترسيم الحدود الجيوسياسية مع إسرائيل التي تطمح لإقامة كيانَين كردي ودرزي على حدودها. وهذا الانتصار التركي، الذي سيطيح بالكيان الكردي شمال شرق سوريا، ساهم في تحريك ورقة الكيان الدرزي في الجنوب السوري.
والتمسك بحدود الدول وعدم اللعب بها، كما رسمته اتفاقية سايكس ـ بيكو، مسألة ليست محسومة بالكامل، ولا هي ثابتة غير قابلة للتبدل في أذهان راسمي الخرائط. يرى سامي نادر أن حدود البلدان قد تتغيّر، وشهدنا ذلك في أوروبا الشرقية في الفترة الأخيرة، حتى إن «السابقة الروسية» سواء في جورجيا أو أوكرانيا، فتحت مجالاً لعملية اقتطاع وإعادة رسم للخرائط. هذا الاحتمال لا يمكن استبعاده، لكنه قد يفتح «علبة باندورا».
وربما من هنا يأتي الحذر الأمريكي من إعادة رسم حدود الدول نظراً لعدم اليقين لما قد يحصل بعدها. التبدل يمكن أن يكون في الخرائط السياسية، غير أنه من المؤكد أن هناك تبدلاً في الخرائط الجيوسياسية وهذا هو الأهم. في الخريطة الجيوسياسية، ثمة انحسار قوى إقليمية مثل إيران، وتقدّم قوى إقليمية جديدة مثل تركيا وإسرائيل وإلى حد كبير المملكة العربية السعودية، وستكون لتلك القوى البارزة مناطق نفوذ سياسي وعسكري واقتصادي. لن يقتصر الأمر فقط على النفوذ الاقتصادي أو الثقافي. إنما سيكون نفوذاً عسكرياً. وبالتالي، هناك إعادة تكوين الكيانات التي كانت تشكّلت على أساس مفهوم الدولة الوطنية ما بعد الاستعمار، وهو مفهوم يعاني أزمة مشروعية، ونعايش انهياره سواء في العراق أو سوريا، وهو شبه مشلول في لبنان. ما بعد اتفاقية سايكس – بيكو، جاءت الدولة المركزية التي حكمها حيناً الحزب الواحد وأحياناً العائلة الواحدة والفصيل الواحد. اليوم قد تذهب الأمور في اتجاه آخر، اتجاه أكثر قرباً من اللامركزية، رغم أن العراق الفيدرالي الذي نشأ بعد حرب الخليج الثانية يعيش أزمة. والسؤال المطروح ما بعد أحداث السويداء، وما سبقها في الساحل السوري وما ينتظر مسألة الأكراد هو: كيف سيستطيع الشرع الحكم بدولة مركزية من السويداء إلى إدلب؟ فالتحدي الأساسي أمامه اليوم هو الحفاظ على وحدة سوريا، وذلك يبدو مستحيلاً بالاستناد إلى النموذج القديم.
خط النار والوقت الزمني
رسم «الشرق الأوسط الجديد» بدأ من خط النار: غزة، لبنان، سوريا، اليمن، العراق، إيران. يقول المحلل السياسي الأردني عادل محمود الذي يعتبر أنه لا توجد تسويات سياسية على هذا الخط، حالياً، سوى ما تمَّ في سوريا ولبنان، وهناك تتمة لبقية المشروع يتمثل بإنهاء «الميليشيات الإيرانية» والسلاح بيد «حماس» وصولاً إلى الضفة الغربية، والفصائل العراقية واليمنية. لقد سبق وطُرح الخيار السلمي الدبلوماسي وفشل مع «حزب الله» كنموذج. والآن يُطبّق مع الفصائل العراقية في الغرف المغلقة، لكن لم يتم التفاهم على إلقاء السلاح، كما حصل مع «حزب العمال الكردستاني»، وكما انتهت أدوار أحزاب سياسية، بما فيها الإخوان المسلمون في الشرق الأوسط.
ماذا عن الوقت الزمني؟ يرى عادل محمود أن الصراعات بدأت في غزة وستنتهي في غزة لغاية إتمام مشاريع «الشرق الأوسط الجديد»، لكن الأهم هو أن مساحة إسرائيل توسَّعت، وتتطلب التتمة شرعنة هذه المساحة الجديدة. وفي هذا السياق، تبدو الخطة الدولية ناجحة، إنما المفاجآت أمر ممكن، فأحياناً تتعثر الخطط، لكنها حتى الآن تمضي على قدم وساق. وستلي ارتدادات التغييرات في خط النار، ذلك أن الهدف الاستراتيجي هو الاستيلاء على الثروات في غزة، والغاز في جنوب لبنان، إضافة إلى توزيع الثروات في الشرق الأوسط، أي الثروات في الدول الآمنة، بحيث سيتم النظر فيها لإعادة ما يسمى الجدولة بدءاً من الممرات المائية إلى ثروات الغاز والنفط، وتوزيعها حسب مقياس الخطة الدولية، وهؤلاء كلهم شركاء، ولكن أمريكا وإسرائيل هما في الواجهة، وهناك قوة دفع من الدول المؤثرة في المجتمع الدولي لإتمام التغييرات في الشرق الأوسط.
في اعتقاد المحلل السياسي الأردني، ان من نهايات إتمام مشروع خط النار، هو الوصول إلى إيران جديدة وعراق جديد ويمن جديد، وإلى السلام الإبراهيمي، والسلام الاقتصادي في المنطقة. وستكون هناك أيضاً تغييرات على شكل النظم والعائلات الحاكمة في الشرق الأوسط، لتواكب العقود المقبلة. ولكن لا يمكن ترتيب الشرق الأوسط من دون ترتيب القضية الفلسطينية، إنما لن يكون هناك «حل الدولتين»، فالإدارة الأمريكية لا تذكر ذلك. وعلى أرض الواقع سيتم نسف «اتفاقات أوسلو» حتّى تظهر في الأفق اتفاقات سلام جديدة في المنطقة، بمعنى أن فلسطين الجديدة مرتبطة أيضاً بترتيب الأردن. فهناك تجزئة للقضية الفلسطينية. على أن إغلاق ملف الصراع الفلسطيني يبقى الأهم إذا تمَّ الوصول إليه، كما حصل مع التغييرات في سوريا، التي هي مركز انعكاس على الشرق الأوسط. وهنا يبدو السيناريو الأقرب هو الكونفدرالية ما بين الأردن وفلسطين، لذلك تسعى الدول المعنية للوصول إلى مسمى دولة فلسطين لكن ليس «حل الدولتين»، بمعنى أن هناك سيناريو تهجير قائماً في الضفة وغزة، ولا يمكن الاستغناء عنه، ولا يمكن النجاح إلا بموضوع التهجير. وحتى مسميات منظمة التحرير الفلسطينية لا تصلح للزمن الجديد. كل هذه الحركات التي أدَّت دورها، إن كانت إيران والميليشيات في المنطقة، الحركات القومية والإسلامية، في المقابل يوازيها بروز مشروع الأقليات في المنطقة للعقود المقبلة بدءاً من سوريا، كنموذج الأكراد والدروز، وصولاً إلى كردستان التي أُرجّح أن يتم إعلان استقلالها، لأن هناك ورقة استفتاء من قبل كردستان عام 2017 أثناء حكم ترامب، والآن أعتقد أن ترامب سيمنحهم الاستقلال. لكن داخل سوريا ستكون هناك مكونات ببروز الأقليات بحكم اللامركزية. لا يوجد في المشروع الأمريكي في داخل سوريا شيء اسمه دويلات أو تقسيم سوريا، لكن تقسيم المقسم داخل سوريا، حتّى رياح التغيير سيكون لها وجود في لبنان، فليس فقط نزع سلاح «حزب الله»، إنما مشروع عودة لبنان إلى الحضن العربي.
إسرائيل الموسعة وممر داوود
في نهاية المطاف، تبقى الخريطة الأهم في قراءة محمود، هي توسعة مساحة إسرائيل بتجليات ممر داوود الذي يبدأ من الجولان ويمر «الكوريدور» باتجاه السويداء إلى شرق الفرات وصولاً إلى كردستان وربما شمال الخليج، بمعنى أن التغيير في إيران ستكون له انعكاسات على الممرات المائية. وسيصبح جنوب الصين تحت النفوذ الأمريكي الجديد، وستكون إيران تابعة رسمياً لأمريكا، فما يتم حالياً هو إنهاء مشروع سايكس – بيكو وبداية مشروع ترتيب المنطقة برعاية أمريكية خالصة، فإذا كان سايكس – بيكو بين بريطانيا وفرنسا، فهذه المشاريع الآن انتهت لمئة عام جديدة. وسيمضون بالخطة، والتي هي تكتيك عالي المستوى، ولكن ما هي المدة الزمنية؟ أعتقد أنه لا يوجد ترف الوقت من الولايات المتحدة الأمريكية لتتمة هذه المشاريع، لأنه ما أن ينتهي العام حتّى تبدأ مشاريع إعادة الإعمار، وأن تعود الأمور إلى الدولة الوطنية في كل من لبنان وسوريا والعراق واليمن، ولن يكون هناك شيء اسمه «ثنائية السلاح» في هذه الدول.
إنه الشرق الأوسط الذي يتشكّل بانتظار النهائيات، وتحديد أحجام اللاعبين وحدود الدول وطبيعة الكيانات الناشئة لقرن من الزمن.
رلى موفّق