Logo

صاحبة وعد بلفور.. ماذا يعني اعتراف بريطانيا بفلسطين؟

 يمثل تعهد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر باعتراف بلاده بالدولة الفلسطينية، تحولاً نوعياً في نهج الدولة صاحبة أول خطوة في تأسيس "إسرائيل" وجعلها دولة من العدم على أرض عربية مغتصبة.

يوم الثلاثاء (30 يوليو 2025)، وفي مؤتمر صحفي، حدد ستارمر اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر المقبل، موعداً للاعتراف بالدولة الفلسطينية.

ستارمر اشترط عدم حصول الاعتراف في حال اتخذت "إسرائيل" خطوات حقيقية للسماح بدخول المساعدات إلى قطاع غزة، والالتزام بحل الدولتين، ووقف ضم الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، وهو ما لاقى ترحيباً خليجياً.

وأكد ستارمر أن "الشعب الفلسطيني عاش معاناة فظيعة"، مشيراً إلى مشاهد الأطفال الجائعين في غزة، و"الرضع الذين لا يجدون غذاءً"، معتبراً أن المجتمع الدولي يشعر بالإهانة بسبب ما يتعرض له الفلسطينيون من "تعذيب وقتل ممنهج".

رئيس الوزراء البريطاني الذي أكد أن حكومته أعادت تمويل وكالة "الأونروا"، وتواصل العمل مع الشركاء لإيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة، لفت إلى أن القرار النهائي بشأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية سيُتخذ وفق تطورات الأوضاع على الأرض.

بدوره زاد وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي من تأكيد ما ذهب إليه رئيس حكومته بقوله: إن لندن "ستعترف بدولة فلسطين ما لم يحدث تقدم حقيقي نحو وقف إطلاق النار"، مبيناً أن "صور أطفال يُطلق عليهم النار أثناء بحثهم عن الغذاء تهز ضمير العالم".
 
الفضل لطوفان الأقصى

المحلل السياسي الفلسطيني علي بغدادي يقول إن حديث رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، أو دول أوروبية أخرى، عن دولة فلسطينية؛ سببه الأساسي طوفان الأقصى.

بغدادي يؤكد أنه لولا حصول طوفان الأقصى لما عاد بهذا الزخم الاهتمام بالحديث عن القضية الفلسطينية وإيجاد الحلّ لها، وعن القانون الدولي وحلّ الدولتين.

ويلفت بغدادي إلى أن "الحديث عن القضية الفلسطينية قبل طوفان الأقصى كان في طور النسيان. وكان الكلام باتجاه التطبيع وكأن أرض فلسطين بلا صاحب".

ويضيف: "هذا الاعتراف من جانب آخر يعود إلى تراجع مكانة إسرائيل في المجتمع الدولي بسبب الجرائم والإبادة الجماعية التي ترتكبها".

فكرة حل الدولتَين 

"حلّ الدولتين" وإعلان دولة فلسطينية مستقلة ومعترف بها دولياً ليس جديداً، إذ يعود ذلك إلى عام 1947، حيث نصت خطة التقسيم التي وضعتها الأمم المتحدة بعد انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين على تقسيم المنطقة إلى دولتَين يهودية وعربية.

وفي العام التالي 1948، حيث أعلنت "إسرائيل" قيام دولتها، اندلعت حرب مع جيرانها العرب، ولليوم لم تنفذ خطة التقسيم وإعلان دولة فلسطينية.

وشهد عام 1949 هدنة، وسيطر الأردن على الضفة الغربية والقدس الشرقية، فيما سيطرت مصر على غزة، ثم في حرب 1967 استولت "إسرائيل" على الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة.

وفقاً لذلك يسعى الفلسطينيون لإقامة دولة مستقلة مبنية على أساس حدود "إسرائيل" ما قبل عام 1967، وعلى هذا تأسست محادثات السلام منذ تسعينات القرن الماضي.
 
للفلسطينيين فيما يخص حلّ الدولتين رأي آخر، وفق ما يشير علي بغدادي، الذي يرى أن أي حلّ يجب أن يتناسب مع مطامح أصحاب الأرض الأصليين.

ومعبراً عن آراء بني جلده شدد بغدادي قائلاً: "قد نكون نحن الفلسطينيين غير راضين عن الحلول المطروحة مثل حلّ الدولتين ونزع سلاح المقاومة، لكن هذه الأمور مقترنة أيضاً بعدة شروط".

ولفت إلى أن هذه الشروط تشمل تفكيك المستوطنات في الضفة، والانسحاب الإسرائيلي من غزة والضفة، وقيام دولة فلسطينية كاملة السيادة، وإجراء انتخابات فلسطينية حرة ونزيهة".

وإذا ما تمت هذه الشروط -والحديث لبغدادي- فهذا يعدّ "إنجازاً كبيراً يحسب للمقاومة، وفي نفس الوقت يقضم من مكانة إسرائيل الدولية".   

اعتراف دولي متزايد 

الحرب التي تشنها "إسرائيل" على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023، وجراء ما شهدته من فظائع إنسانية بحق المدنيين الفلسطينيين، أرغمت دول عديدة على الانضمام للدول المعترفة بدولة فلسطين.

أحدث هذه الخطوات أعلنها، مساء الأربعاء (30 يوليو 2025)، كل من أستراليا وكندا وفنلندا ونيوزيلندا البرتغال وأندورا ومالطا وسان مارينو ولوكسمبورغ. 

لكن يبقى اسم بريطانيا، الدولة صاحبة الثقل الكبير في المشهد السياسي الدولي، الأكثر لفتاً للنظر، لا سيما أنها الداعمة والراعية لوجود كيان دخيل دعمت تأسيسه على الأرض العربية حمل اسم "دولة إسرائيل". 

ولا بد هنا من العودة إلى نوفمبر 1917، حين صدر وعد بلفور، الذي منحت بموجبه بريطانيا حقاً لليهود في تأسيس وطن لهم في فلسطين، بناءً على مقولة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض".

وكان هذا الوعد الخطوة الفعلية الأولى لإقامة كيان لليهود على أرض فلسطين. 

وهنا يُطرح تساؤلٌ مفاده: ماذا يمثل اعتراف بريطانيا؟  

حول ذلك يقول علي بغدادي: "هناك خصوصية لقيام بريطانيا بذلك، إذ إن ما نشهده اليوم في العالم نشوء ثورة شبابية حقيقية ضد الصهيونية. وبريطانيا ليست بمعزل عن ذلك".

وأضاف: "لكون بريطانيا هي صاحبة وعد بلفور، وراعية قيام دولة إسرائيل، يصبح لهذا الموضوع دلالة كبرى بأن من أقام إسرائيل قادر بالتأكيد على تقويضها".

بغدادي أعرب عن اعتقاده بأن اعتراف بريطانيا وغيرها من دول غربية بفلسطين هي "خطوة تأتي على طريق الألف ميل، وتعد إنجازاً يحسب للمقاومة الفلسطينية، وتدل على التراجع الإسرائيلي".

وشدد قائلاً: "رغم أننا بصفتنا مواطنين فلسطينيين لسنا راضين إجمالاً عن طرح حلّ الدولتين، فإننا نسير على طريق يزيدنا قوة ويضعف العدو".