اغتيال الحقيقة.. الاحتلال يواصل قتل الصحفيين في غزة
يستمر الاحتلال الإسرائيلي في استهداف الصحفيين الفلسطينيين في قطاع غزة، في سياسة ممنهجة تهدف إلى تغييب الصوت والرواية الفلسطينية.
وكان آخر ضحايا هذا الاستهداف المباشر 5 صحفيين استشهدوا جراء قصف إسرائيلي على مجمع ناصر الطبي في مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة، أحد آخر مراكز العمل الإنساني والإعلامي في القطاع.
وجاء القصف الإسرائيلي على مجمع ناصر رغم معرفة الاحتلال المسبقة بأنه يضم جرحى ونازحين وطواقم طبية وصحفية.
مع هذا القصف ارتفع عدد شهداء الصحافة في قطاع غزة منذ بداية الحرب الإسرائيلية، في أكتوبر 2023، إلى 246 صحفياً وصحفية، وفق بيانات المكتب الإعلامي الحكومي.
وفي تقرير أصدرته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، في يوليو الماضي، وُصفت غزة بأنها "أخطر مكان في العالم لممارسة العمل الصحفي"،
مشيرة إلى أن عدد الصحفيين الذين قُتلوا في القطاع منذ بدء الحرب يفوق حصيلة أي نزاع مسلح خلال العقود الأخيرة.
وأكد التقرير أن استهداف الصحفيين وعرقلة عملهم يشكل "تهديداً مباشراً لحق العالم في المعرفة"، داعياً إلى تحرك عاجل لضمان حمايتهم.
ويهدف الاستهداف الإسرائيلي للصحفيين إلى إسكات الرواية الفلسطينية، ومنع توثيق جرائم الحرب والانتهاكات بحق المدنيين، وإرباك التغطية الإعلامية من داخل القطاع المحاصر، خاصة بعد أن بات الصحفيون المحليون هم الناقل الوحيد للأحداث.
جريمة إبادة
رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني صلاح عبد العاطي أكد أن استهداف الصحفيين داخل مجمع ناصر الطبي غزة يأتي ضمن سياسة إسرائيلية ممنهجة في إطار الإبادة الجماعية والتجويع والتدمير المنهجي التي ينتهجه الاحتلال منذ بدء عدوانه.
وقال عبد العاطي : "باتت الصحفي الفلسطيني في غزة هدفاً مباشراً، في انتهاك صارخ لقواعد القانون الدولي الإنساني، واتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة التي تلزم الأطراف كافة باحترام وحماية المدنيين والعاملين في المجالين الطبي والإنساني والصحفيين".
وبين عبد العاطي أن استهداف الصحفيين الذين ينقلون الحقيقة، والأطباء والمسعفين الذين يؤدون واجبهم الإنساني، يشكل جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية تستوجب الملاحقة والمساءلة وعدم إفلات قادة الاحتلال من العقاب.
وشدد رئيس الهيئة الدولية على أن تعمد استهداف الصحفيين والطواقم الطبية والدفاع المدني يمثل جزءاً من سياسة ممنهجة لإبادة الفلسطينيين ولإسكات الحقيقة وإرهاب المدنيين، ويكشف الطبيعة الاستعمارية والعنصرية للاحتلال.
وفي تقرير حديث لها قالت لجنة حماية الصحفيين (CPJ)، إن عدد الصحفيين الفلسطينيين الذين استشهدوا في غزة "غير مسبوق في التاريخ الحديث"، مؤكدة أن الغالبية العظمى منهم كانوا يعملون لصالح وسائل إعلام محلية ويغطون الانتهاكات ضد المدنيين.
وأشارت اللجنة إلى أن "الرقم القياسي المرعب" يعكس سياسة متعمدة لإسكات الإعلام المستقل في القطاع.
وفي السياق نفسه لفت عبد العاطي إلى أن المطلوب من المحكمة الجنائية الدولية فتح تحقيق فوري وفعال في هذه الجريمة وسائر الجرائم المرتكبة بحق المدنيين في قطاع غزة، وتسريع إجراءات المحاسبة وإصدار أوامر القبض على مرتكبي الجرائم الدولية بحق المدنيين الفلسطينيين.
وذكر أن المجتمع الدولي والدول الأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقيات جنيف مطلوب منها أيضاً التحرك الجاد نحو فرض عقوبات رادعة على دولة الاحتلال ووقف تزويدها بالسلاح، بما يضمن وقف جرائمها الممنهجة وتوفير الحماية الدولية للفلسطينيين.
وجدّد عبد العاطي الدعوة لتشكيل تحالف دولي عاجل لتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، وإرسال فرق أممية وطبية وصحفية لمتابعة رصد الحقائق ونقلها للعالم، وضمان حماية المستشفيات والعاملين في المجال الإنساني وضمان وصول المساعدات.
وقال: "الاتحاد الدولي للصحفيين وباقي الاتحادات والنقابات الصحفية والطبية حول العالم يجب عليها التحرك العاجل والتضامن مع نظرائهم في غزة، والعمل على فرض العقوبات على دولة الاحتلال ومتابعة محاسبة قادتها أمام المحاكم الوطنية والدولية".
وأعتبر عبد العاطي أن صمت المجتمع الدولي واستمراره في إدارة الظهر لهذه الجرائم البشعة يشجع الاحتلال على المضي في مخططاته الإجرامية ويجعل الإنسانية جمعاء شريكاً في الجريمة، الأمر الذي يستدعي تحركاً فورياً قبل فوات الأوان.
وفي وقت سابق طالبت منظمة "مراسلون بلا حدود" و"هيومن رايتس ووتش"، في بيانات منفصلة، المحكمة الجنائية الدولية بفتح تحقيق مستقل وفوري في جرائم استهداف الصحفيين بغزة، معتبرتين أن قتل الصحفيين داخل مستشفيات أو أثناء تغطيتهم الإنسانية يرقى إلى "جريمة حرب متكاملة الأركان".
وأكدت المنظمتان أن استمرار الصمت الدولي على هذه الانتهاكات سيعني ترسيخ سياسة الإفلات من العقاب وتشجيع "إسرائيل" على المضي في انتهاكاتها.