الحوثي يروج لجماعته شعبيا وسياسيا في ذكرى المولد النبوي
الرأي الثالث
كان الاحتفاء بالمناسبات الدينية في اليمن يأتي ويمضي بسجية هادئة قبل أن تسيطر جماعة الحوثي على العاصمة صنعاء والمحافظات المجاورة لها لتحيلها من مناسبة دينية طوعية إلى جباية تفرض قسراً على جيوب اليمنيين،
فضلاً عن نشاطها الاستعراضي والتعبوي بقواتها العسكرية وشعاراتها الطائفية.
ويوافق الخميس ذكرى ميلاد النبي محمد قبل أكثر من 14 قرناً وبدت الجماعة المدعومة من إيران بمظاهر فرح عبرت عنها بإطلاق كميات مهولة من الألعاب النارية في صنعاء والمحافظات الخاضعة لها وأجبرت السكان على التوافد إلى ساحات الاحتفاء.
وهي بذلك تريد إيصال رسائلها السياسية والتعبوية عبر خطابات طويلة عادة ما تكون مكررة المضمون لزعيمها عبدالملك الحوثي وقادة قواتها العسكرية مع ترديد الشعارات الطائفية الدخيلة المستمدة من إيران.
فرصة تعبئة لا تفوت
وشددت الجماعة الحوثية قبيل فعالية الخميس على "أهمية الحضور الجماهيري لقادتها والمشرفين التابعين لها في هذه المناسبة"، بحسب إعلامها، على رغم حال القلق الذي يعتريها في ظل التوتر مع حزب المؤتمر الذي أسسه الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، (جناح صنعاء المتحالف معها) والانكشاف الأمني عقب تنامي نوعية العمليات العسكرية الاسرائيلية ضدها وآخرها العملية التي أودت بحياة رئيس وزرائها و11 مسؤولاً آخر، مما يعادل ثلثي حكومتها غير المعترف بها دولياً.
ومع أن المتوقع إعلانها الحداد وتأجيل الفعاليات، فإن الجماعة قررت المضي في الاحتفال بالمناسبة، إذ تحرص وفقاً لمراقبين، على اتخاذ هذه المناسبة فرصة مركزية للتعبئة لمشروعها تقوم على فكرة ادعاء انتساب قادتها إلى نسل النبي محمد عبر أبناء الخليفة علي بن أبي طالب وإعلان "الولاية" له ولهذا تحيطه بهالة حاشدة من القداسة بالتأكيد الدائم على "اتباع حفيده عبدالملك الحوثي كامتداد لأحفاد الرسول"، وفق مبدأ "الولاية والاصطفاء" و"الحق الإلهي في الحكم".
الدفع للنبي بالقوة
ووفقاً لذلك، تجبر عموم المواطنين والتجار والباعة الجائلين ومالكي السيارات والمباني والمحال التجارية والمرافق الحكومية والخاصة والساحات والأندية والمدراس والمستشفيات والقاعات والواجهات العامة على رفع لافتات ضوئية وقماشية وطلاء أسوار المباني باللون الأخضر كرمز طائفي ديني وعبارات تحمل شعارات طائفية تؤيد قائد الجماعة،
فضلاً عن فرضها جبايات قسرية باهظة لتمويل هذه "المناسبة المقدسة" التي تحرص من خلال التحشيد الجماهيري الكبير والإلزامي لها على إرسال رسائل إعلامية تظهر "تماسك الجبهة الداخلية بين الشعب والقيادة" عبر ربط المشاركة والإنفاق في المناسبة بمدى صدق "محبة النبي باتباع أولياء الله"، في حين تتهم المعترضين بالعداء للدين كمبرر للقمع الذي تمارسه ضدهم يصل إلى القتل أحياناً.
ويتداول اليمنيون أرقاماً لمبالغ لا يعلمون دقتها عن خصخصة الحوثيين أموالاً لشراء الألعاب والأعيرة النارية وأطنان من الإطارات التالفة لإقامة احتفالات في العاصمة صنعاء وبقية المحافظات،
فضلاً عن المبالغ التي جمعوها من التجار والمؤسسات والشركات الأهلية والخاصة.
استغلال واستعراض للقوة
يقول عضو الفريق القانوني في مجلس القيادة الرئاسي ووزير الأوقاف اليمني السابق أحمد عطية إن ميليشيات الحوثي حولت مناسبة المولد النبوي من حدث ديني وروحي إلى أداة سياسية وعسكرية.
وأضاف أنه "بدلاً من أن يكون المولد ذكرى لتعظيم القيم النبوية من رحمة وعدل وتسامح، يستغل من قبل الجماعة كوسيلة للتحشيد والتعبئة واستعراض القوة في مشاهد جماهيرية مصطنعة تفرض بالقوة والإكراه على الموظفين والطلاب وأبناء القبائل".
ويرى أن هذا التوظيف المكثف يحمل رسائل عدة يسعى الحوثي إلى إيصالها وهي محاولة إظهار جماهيرية وهمية وتصوير نفسه على أنه قوة جماهيرية راسخة،
بينما الحقيقة أن معظم الحشود تجبر على الحضور، والتعبئة العسكرية بربط المناسبة بخطاب "الجهاد" والتحريض ضد الداخل والخارج لتغذية معاركه المستمرة،
وكذلك فرض "الهيمنة السياسية والمذهبية وتكريس زعامة سلالية تدّعي الحق الإلهي في الحكم باسم ’آل البيت‘ وابتزاز المجتمع بالجبايات وجمع الأموال والضرائب غير القانونية تحت شعار تمويل الاحتفال".
ووفقاً لعطية يحرص الحوثي على إرسال رسائل إلى الخارج بمحاولة "إظهار قاعدة جماهيرية عريضة تسانده، في مواجهة أية ضغوط أو مفاوضات سياسية، بينما الجميع يتحين الفرص للانقضاض عليه".
ويخلص إلى أن "استغلال الحوثيين للمولد النبوي بهذه الصورة يكشف بوضوح عن طبيعة مشروعهم القائم على تسييس الدين وتجيير الشعائر لخدمة أجندتهم الخاصة، بعيداً من روح المناسبة وجوهرها".
الفرح مأساة لليمنيين
وعلى رغم تفشي الفقر والجوع اللذين يكابدهما ملايين اليمنيين تبعاً لنتائج الحرب التي أشعلتها جماعة الحوثي بانقلابها عام 2014، مع رفضها دفع رواتب الموظفين،
فإنها تجمع مئات ملايين الريالات باسم الاحتفاء بالمولد وتتهم باتخاذ الفعالية فرصة للنهب وابتزاز التجار والمواطنين لرفد خزائنها.
وبحسب سكان محليين في صنعاء، سبق وطالبت القيادات الحوثية بكشوفات طالبات المدارس اللواتي يتغيبن عن اليوم المخصص للاحتفاء بالمولد أو الرافضات للمشاركة في إحياء الفعاليات.
وكانت الحكومة الشرعية اتهمت الحوثيين باستغلال المناسبات الدينية "لنهب أموال اليمنيين وتكريس الأفكار المتطرفة"، بحسب تصريح سابق لوزير الإعلام اليمني معمر الإرياني
الذي قال إن الأعياد والمناسبات الدينية باتت مواسم تديرها الميليشيات لممارسة الجباية غير القانونية وابتزاز اليمنيين بالانتقال من منزل إلى منزل لنهب مدخراتهم، بعدما نهبت رواتبهم وسبل عيشهم وصادرت حتى المساعدات الغذائية المقدمة لهم.
ردود فعل سلبية
ومنذ انقلابها على سلطة الحكومة الشرعية، وثقت مواقع التواصل عدداً من حالات الاعتداء بالضرب أو القتل على كل من يرفض دفع الأموال ورفع الزينة والإنارة وتلوين منزله باللون الأخضر،
كما هي حال الشاب عبدالباري الكرمدي الذي قتل بنيران بندقية قيادي حوثي أمام منزله في حي شميلة (شمال غربي صنعاء) بعدما اعترض على تلوين منزله ودفع مبلغ مالي،
في حين يعيش وأسرته بلا مرتبات ترفض الجماعة دفعها منذ ثمانية أعوام، ووثّق رواد مواقع التواصل عدداً من الحالات المشابهة أو حالات الاعتداء.
ووسط معاناة اليمنيين، أطلق ناشطون يمنيون حملة إلكترونية واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي، نشروا خلالها ما وصفوه بـ"استغلال الحوثي لمناسبة المولد النبوي الشريف لفرض جبايات مالية على التجار، في ظل ظروف معيشية بالغة الصعوبة يعيشها اليمنيون".
وأشاروا إلى أن الجماعة تنفق مليارات الريالات على فعالياتها ومشاريعها الطائفية، بينما يرزح المواطنون تحت وطأة الحرمان وانهيار الخدمات.
وضمن منشور له على منصة "فيسبوك"، قال الكاتب عمر العسالي "في وقت تنفق ميليشيات الحوثي مليارات الريالات على مظاهر ’الاحتفال بالمولد النبوي‘، تغرق المدن بالألعاب النارية والزينات، بطون الناس خاوية وأطفال اليمن ينامون على الجوع".
وتساءل "أي اقتداء برسول الله هذا؟ رسول الرحمة الذي جاء ليطعم الجائع ويكفل اليتيم ويعطف على الضعفاء، لا ليحول ذكرى مولده إلى وسيلة للابتزاز والنهب، وإلى سوق سوداء باسم الدين".
وأضاف "يا شعبنا، لا تنخدعوا بمظاهر الزينة الكاذبة، فهذه ليست أنوار المولد، بل دخان جوعكم المحترق في سماء المدن. الرسول لن يرضى عمن يسرقكم باسمه، ولن يرضى عمن يترككم جياعاً ليتزين هو بالملايين".
وقال عبدالله شروح "هذا احتفال بعبدالملك لا بمحمد"، مضيفاً أن "العنوان هو المولد النبوي والصورة والحضور لعبدالملك، فعالية مشوهة تقدّم أبا لهب نبياً، وتقول للشعب اليمني أنت عمار بن ياسر،
وقد خلقت لأداء مهمة مقدسة وحيدة، مقاتلة الفئة الباغية، وهي كل من يرفض هذا الإسقاط الغبي من العالمين".
توفيق الشنواح
صحافي يمني