Logo

تطور خلافات "الرئاسي اليمني" إلى أبواب القانون

 عقب تصاعد حدة الخلافات داخله، لجأ مجلس القيادة الرئاسي الائتلافي، وهو أعلى سلطة شرعية في اليمن، إلى تعيين فريق قانوني للفصل في الخلافات داخله ووقف حال التباين أو تأجيلها في الأقل.

وفي اجتماعه الاستثنائي الذي عقد أول من أمس الخميس في العاصمة السعودية الرياض عقب أشهر من الانقطاع جراء الخلافات داخله، أقرّ مجلس القيادة الرئاسي اليمني، برئاسة رشاد العليمي، "مراجعة شاملة للقرارات الصادرة عنه منذ تشكيله عام 2022، بما في ذلك التعيينات التي أصدرها عضو المجلس عيدروس الزبيدي خلال الشهر الجاري".

وفي هذا الشأن قرر "تكليف الفريق القانوني المساند بمراجعة جميع القرارات الصادرة للتأكد من توافقها مع الإطار القانوني على أن تُرفع النتائج والتوصيات خلال 90 يوماً"، 

كما كلف "ببدء مراجعة التعيينات الصادرة عن الزبيدي هذا الشهر ورفع التوصيات بصورة عاجلة" وفقاً لوكالة "سبأ" الرسمية.

كما نص البيان الرئاسي على أحقية الفريق القانوني في الاستعانة باللجنة العسكرية والأمنية عند مراجعة القرارات المتعلقة بالشأنين العسكري والأمني.

سباق التعيينات

وعقب حال من القطيعة التي منعت انعقاده خلال الأشهر الماضية، أظهرت القرارات التي اتخذها عضو مجلس القيادة رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عيدروس الزبيدي الخلافات من تحت طاولات المداراة إلى السطح المعلن وهو ما دفع الرئاسي للجوء لاستدعاء الفريق القانوني المساند للفصل في كافة القرارات التي صدرت عن الزبيدي ومن قبله الرئيس العليمي واتخاذ توصيات في شأنها

تقول بعض المعلومات المتداولة أنها بلغت نحو 500 قرار يتعلق معظمها بتعيينات عليا في الجهازين الإداري والعسكري للدولة وسط تباين حاد بين بقية الأعضاء الذين يرون أن لهم حق فرض نسب معينة موالية للخلفيات السياسية التي جاءوا منها وهو ما فاقم حدة التباين الرأسي في الجهاز الذي ينتظر منه اليمنيون تحسين ظروفهم الاقتصادية والإنسانية الصعبة واستعادة الدولة من قبضة الميليشيات الحوثية الموالية لإيران.

وكان الزبيدي، الذي يشغل أيضاً منصب "رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي" الذي يتبنى مشروع "استعادة الدولة الجنوبية" التي دخلت في وحدة مع الشمال عام 1990، قد أصدر الأسبوع الماضي 11 قراراً شمل تعيينات لعدد من أعضاء المجلس الانتقالي في وزارات حكومية وسلطات محلية، وهو ما اعتبره مراقبون "تجاوزاً لصلاحياته"، 

فيما برره مناصرو الانتقالي بأنه إجراء طبيعي يستجيب لمبدأ "الشراكة الجنوبية الغائبة" مما تسبب بأزمة سياسية زادت من حدة التباين بين مكونات المجلس في ظل أنباء تحدثت عن سعي الرياض كما جرت العادة إلى حل الأزمة من خلال استدعاء أعضاء المجلس للتهدئة والتشاور ووقف التصعيد.

ترقب مجتمعي

وكانت قرارات الزبيدي هي الأولى من نوعها على رغم خوضه جولات صراع سابقة مع مجلس القيادة والحكومة في فترات سابقة، وجاءت عقب ساعات من عودة العليمي ومعه عضوا المجلس سلطان العرادة وعبدالله العليمي، إلى مدينة عدن المعلنة عاصمة موقتة للبلاد (جنوب اليمن)، قادماً من العاصمة السعودية الرياض، أثارت مخاوف الشارع من عودة الصراع مع الحكومة عقب حال من الاستبشار المجتمعي بالتحسن الذي فرضته حكومة سالم بن بريك وإجراءات البنك المركزي وطرأ على قيمة الريال وانعكست إيجاباً على أسعار السلع الأساسية وسط آمال بإصلاحات أشمل.

ومجلس القيادة الرئاسي أعلى سلطة تنفيذية لإدارة البلاد، جرى تشكيله بالتوافق بين القوى السياسية اليمنية المناهضة للانقلاب الحوثي، وأُعلن عنه بقرار جمهوري من الرئيس السابق عبدربه منصور هادي في السابع من أبريل (نيسان) 2022، الذي تنازل بموجبه عن صلاحياته بوصفه رئيساً منتخباً وصلاحيات نائبه لمصلحة المجلس المكون من ثمانية أعضاء يمثلون طيف القوى السياسية والوطنية برئاسة الدكتور رشاد العليمي.
 
وتواصلت "اندبندنت عربية" مع عضوين من الفريق القانوني المختص بالفصل في خلافات المجلس الرئاسي ولكنهما اعتذرا عن التصريح، مؤكدين أن عملهم "سيمتد لـ90 يوماً يمنع خلالها التصريح الإعلامي".
 
"تشاركية لفترة انتقالية"

وعلى رغم التكهنات التي طرأت خلال الفترة الماضية عن تعديلات تطاول قوام المجلس وتعيد تشكيل تركيبته السياسية، فإن البيان الصادر عن اجتماع المجلس "أكد وحدة أعضائه وتماسكهم والالتزام بمبدأ الشراكة والقيادة الجماعية وفقاً لقرار نقل السلطة والأنظمة المنظمة لعمله".

من وجهة نظر الانتقالي فمجلس القيادة الرئاسي ما هو إلا "تجربة انتقالية بنيت على قاعدة المناصفة بين الجنوب والشمال على أن تدار وفقاً لمبدأ الشراكة التوافقي"، ويتهم الانتقالي العليمي بالانفراد واتخاذ القرارات طيلة الأربعة أعوام الماضية التي يرون أنها جاءت على حساب الانتقالي.
 
الفردية

ولعل التصريحات الصادرة عن عدد من أعضاء المجلس في الفترة الماضية وعلى غير العادة، توضح مستوى الخلاف منها ما قاله عضوا المجلس عبدالرحمن المحرمي، وفرج البحسني، اللذان ألمحا إلى إخفاق المجلس خلال الفترة السابقة التي وصفوها بمرحلة "غلب عليها اتخاذ القرارات الفردية" ووصل الأمر بالبحسني إلى اتهام "قوى خفية وفق مصالحها" بالتحكم بعمل المجلس، داعياً التحالف المساند للحكومة الشرعية إلى تشخيص شجاع يعيد تصحيح المسار، وإقرار لائحة واضحة تلزم الجميع بتوزيع المهمات والصلاحيات فلا يعقل أن تدار المحافظات المحررة من مركز معزول عن واقعها".

وأضاف في منشور على "إكس" إن المجلس ومنذ تأسيسه كان بحاجة عاجلة إلى إقرار لائحة عمل تنظم مهماته وصلاحياته، غير أن ما برز هو "تهرب واضح من إشراك الأعضاء كافة، هذا ما أدى إلى تسويف ومماطلة لازما عمل المجلس طوال الأعوام الماضية، وخلّفا فراغاً أدارته قوى خفية وفق مصالحها".

وفي تصريح له عبر تغريدة في منصة "إكس" فاجأ عضو المجلس عبدالرحمن المحرمي الجميع بحديثه كونه ظل ينأى بنفسه عن الإعلام، مؤكداً أن "عدم الالتزام بالتفويض الصادر في قرار نقل السلطة الذي منح مجلس القيادة الرئاسي بكامل أعضائه الثمانية جميع صلاحيات رئيس الجمهورية وفق مبدأ المسؤولية الجماعية قد يعوق التقدم السياسي ويؤثر سلباً في العملية الانتقالية وتحقيق الاستقرار في البلاد".

وأضاف أن هذه الممارسات من شأنها أن تؤدي إلى تدهور الثقة بين أعضاء المجلس، وهو ما يعرقل جهود توحيد الصفوف وبناء مؤسسات وطنية فاعلة، فضلاً عن تأثيرها السلبي في آمال الشعب في مستقبل مستقر ومزدهر.

وأكد المحرمي أن الالتزام الصارم ببنود التفويض ومبدأ المسؤولية الجماعية في اتخاذ القرار يعد ضرورة قصوى لضمان سير العملية السياسية بسلاسة وأمان، وتحقيق تطلعات اليمنيين في الأمن والاستقرار.

تحذير دولي

وفيما يبدو أن دخان الرئاسي اليمني بلغ مدى دفع المجتمع الدولي أيضاً للتحذير من نيران الخلاف، حيث أبلغت الولايات المتحدة الأميركية، رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي "التزامها القوي بدعم المجلس ووحدته" خلال لقاء جمع العليمي بالقائم بأعمال السفير الأميركي لدى اليمن "جوناثان بيتشا"، جدد "بيتشا" التزام بلاده القوي بدعم مجلس القيادة الرئاسي ووحدته، ومواصلة جهوده المقدرة مع المجتمع الدولي من أجل تحقيق السلام، وإنهاء المعاناة الإنسانية التي صنعتها جماعة الحوثي المصنفة دولياً في قوائم الإرهاب.

والإثنين الماضي، حذرت السفيرة البريطانية لدى اليمن، عبده شريف، من أن أي انقسام في قيادة الشرعية اليمنية "لا يخدم سوى الحوثيين" الذين قالت إنهم "لا يضعون مصلحة اليمن أولاً"، وأكدت خلال حوار أجرته معها صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية أن الوحدة السياسية والانسجام يظلان عنصرين حاسمين في أداء مجلس القيادة الرئاسي والحكومة اليمنية المعترف بها و"ضرورة لا غنى عنها".

وفي تعليقها على القرارات الأخيرة التي أصدرها عضو مجلس القيادة الرئاسي، رئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي، قالت شريف "أعتقد أن الأمر يعتمد بدرجة كبيرة على كيفية استجابة المجلس الرئاسي كله ومن وجهة نظرنا، أية خطوة تضعف وحدة القيادة أو تفتتها تصبُّ في مصلحة من يعمل ضد استقرار اليمن ووحدته".

توفيق الشنواح 
صحافي يمني