Logo

نهاية الحرب وخطة "حماس" ومشروع إيران

 خطة الرئيس دونالد ترمب سحبت أقوى ورقة من يد "حماس" وكسرت أقسى قيد في يد إسرائيل: الرهائن.

 وبعد عامين على أكبر عملية مقاومة زلزلت الكيان الصهيوني، ومن أطول حرب في تاريخ إسرائيل، جاءت النهايات معاكسة للبدايات، فما راهن عليه يحيى السنوار ومحمد ضيف في "طوفان الأقصى" هو انهيار سدود الأنظمة، أمام "طوفان" عربي وإسلامي يتدفق ويحرر فلسطين من الاحتلال، وما راهن عليه بنيامين نتنياهو هو حرب إبادة تدمر القطاع وتقضي على "حماس" وتقود إلى ضم الضفة الغربية.

لكن ما حدث ليس الطوفان المطلوب، مجرد تحريك محسوب لأذرع إيران في "محور المقاومة" الذي تقوده عبر "إسناد" لغزة أعلنه "حزب الله" في لبنان، وإطلاق بضعة صواريخ من "الحشد الشعبي" في العراق على أهداف أميركية في سوريا، ودفع الحوثيين في صنعاء إلى إطلاق صواريخ وتهديد الملاحة في البحر الأحمر.

وما قام به نتنياهو من توحش في حرب غزة ولبنان وقصف صنعاء والحديدة بدعم أميركي كامل ومشاركة أميركية في قصف إيران، فتح الطريق أمامه نحو أهداف أكبر، ولا سيما بعد انهيار نظام الأسد وخسارة طهران الجسر السوري وتوجيه ضربات قاسية إلى "حزب الله وحماس" هي "تغيير الشرق الأوسط"،

 لكن ملك التغيير هو ترمب، واللعبة ليست فقط حول أذرع "الأخطبوط" بل أيضاً حول رأس الأخطبوط في طهران.
 
ذلك أن الخطة التي وضعها الرئيس الأميركي وحصد الموافقة عليها من القيادات العربية والإسلامية و"حماس" وحكومة نتنياهو والقيادات الأوروبية ومباركة موسكو وبكين تحقق عملياً ثلاثة أهداف: 

وقف حرب الإبادة في غزة، ونهاية خطة "حماس" لتحرير فلسطين عسكرياً انطلاقاً من غزة التي تحكمها منذ الانقلاب عام 2006 على السلطة الوطنية الفلسطينية، 

ونهاية المشروع الإقليمي الإيراني الذي يحتاج إلى الإمساك بورقة القضية الفلسطينية وتحريك الفصائل الأيديولوجية المذهبية المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني،

 فلا "حماس" قاتلت بشجاعة في غزة من أجل غزة وحدها، ولا نتنياهو توحش في غزة وحدها ومعها الضفة الغربية ولبنان وصولاً إلى طهران،

 وهدد مع ترمب بضرب 70 فصيلاً مسلحاً في العراق من أجل العودة إلى ما كان قبل عملية السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

صحيح أن "حماس" التي كانت تفاوض على الاحتفاظ بسلاحها والانسحاب الإسرائيلي الكامل من القطاع تحت النار، تفاوض اليوم تحت وقف النار، 

لكن الهامش ضيق أمام المفاوض من الحركة، فلا مجال للاحتفاظ بالسلاح ولا حتى للمشاركة في حكم غزة، وإن كانت "حماس" باقية سياسياً وشعبياً لأنها فكرة، ولا أحد يستطيع القضاء على فكرة. 

مفهوم أن إيران تعلن أنها اليوم أقوى، و"حزب الله" يتمسك بالسلاح ويسعى إلى زيادته والتلويح باستخدامه في وقت ما، لكن خسارة غزة والجنوب اللبناني وسوريا، واستمرار معاهدة السلام بين إسرائيل وكل من مصر والأردن وبقاء السلطة و"اتفاق أوسلو" تغلق كل الأراضي المجاورة لفلسطين أمام أية مقاومة.

والحديث عن مقاومة لتحرير فلسطين من العراق واليمن هو فصل في مسرحية عبثية، وسحب سلاح "حزب الله" وسلاح المخيمات الفلسطينية صار "قراراً" في مجلس الوزراء وله خطة أعدها الجيش، 

ولا مهرب من التطبيق بالضغط الأميركي والأوروبي والعربي لئلا يندفع نتنياهو بعد استراحة المحارب في غزة إلى "إكمال المهمة في الشمال" ومن ثم إكمال تدمير لبنان وسلاح "حزب الله"، ومن فصول مسرح العبث أن تعمل "حماس" للاحتفاظ بأسلحتها في لبنان والمخيمات، وسط تجريدها من السلاح في القطاع.

ولا جدال في كون "حماس" ربحت حرب الصورة مع إسرائيل المتوحشة التي بات يضيق بها حتى أصدقاؤها في أوروبا بعد الفظائع التي ترتكبها قتلاً وتجويعاً وتهجيراً إلى لا مكان خارج القصف بما في ذلك المستشفيات والمدارس،

 ولا جدال أيضاً في الإجماع العالمي على الدعوة الملحة إلى وقف حرب الإبادة في غزة، لكن من الصعب تصور البعض من الذين طالبوا بوقف الحرب يبدو سعيداً بما يحدث بعد نهاية الحرب، إن كان في إطار غزة والضفة الغربية أو في الإطار الإقليمي الأوسع، 

والبعض يسأل: ماذا سيفعل الحوثيون بعد الدور الذي أعطي لهم بحراً وجواً، فأجادوه وارتاحوا إليه، بصرف النظر عن تحديات الفقر والحرب في اليمن؟

المؤكد هو تعاظم الدور الأميركي في الشرق الأوسط، بحيث بدت أميركا كأنها القوة العظمى الوحيدة القادرة على التأثير في مسار المنطقة، 

فكل الذين هاجموا أميركا الداعمة لإسرائيل والشريكة لها في الحرب والمصرة على مدها بالسلاح المتفوق الذي بلغت قيمته 21.6 مليار دولار خلال عامي حرب غزة حسب معهد كوينسي في واشنطن، يثنون اليوم على ترمب ويطلبون منه ضمانات، وفي طليعتهم قادة "حماس"، 

وليس أهم من إنهاء الحرب سوى سلام ما بعدها، فالاقتصادي الكبير جون مارينارد كينز انتقد معاهدة فرساي بعد الحرب العالمية الأولى وقال إنها لن تصمد "لأن الشرطين السابقين للسلام هما الاستقرار الاقتصادي الدولي والعدالة"، ولن ينجح سلام ترمب من دون أن ترافقه التنمية والعدالة.

ولا استقرار في الشرق الأوسط من دون دولة فلسطينية على أساس "حل الدولتين"، وهذا يحتاج إلى ضغط كبير على أميركا التي تبدو كأنها "أدركت الحاجة إلى استراتيجية جديدة في الشرق الأوسط مرتبطة بالحقائق التي تجاهلتها قبل السابع من أكتوبر"، كما قال ولي نصر وماريا فانتامي في مقال عنوانه "إعادة صنع الشرق الأوسط".

ما طالب به صاحبا المقال هو ثلاثة أمور أساسية: 

1- "معاهدة دفاعية مع السعودية التي يكبر دورها في المنطقة وخارجها".

 2- "عمل جدي بعد وقف النار في غزة لتسوية سياسية وقيام دولة فلسطينية لأن أكبر خطأ أميركي كان التصور أن واشنطن قادرة على تجاهل قضية فلسطين". 

3- "ترتيب إقليمي في المنطقة يسمح لأميركا بالتركيز على آسيا وأوروبا"، أي مواجهة الصين وروسيا.

والمفاوضات سريعة، لكن المسار ليس قصيراً، ولا أحد يجرؤ على عرقلة خطة ترمب إن لم يكن واثقاً من أن العرقلة مطلوبة لتبرير حرب واسعة تمهد للسلام، أو راغباً في تكرار المغامرات التي قادت إلى الهزائم.

رفيق خوري
 كاتب ليناني