توقفت الحرب واستمرت المأساة
توقفت حرب الإبادة ضد الفلسطينيين في غزة، المأساة تتجاوز الأرقام، فالضحايا بعشرات الآلاف والجرحى أضعافهم، وموت الأحياء أصعب من موت من فارق الحياة،
فمليونان من البشر في قطاع غزة تقطعت بهم سبل العيش والمسكن والتعليم والعلاج والطمأنينة والأمل، أصعب الموت هو موت الأحياء بفَقْد الأمل، بشر تهيم على وجوهها معدمة لا تملك ما تسد به رمقها إلا من المساعدات التي تأتي من الخارج.
توقفت الحرب لكنها لم تنته، الضامن الوحيد لوقفها هو الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترمب، ومن يعرف ترمب، يعرف تقلبات مزاجه وانحيازه لإسرائيل ولنتنياهو، وقد ثمنت "حماس" جهوده في وقف الإبادة.
توقفت الحرب بجهود ومفاوضات كان العرب هم الحاضن لها، اختفت إيران من مشهد وقف المجزرة، ولم يرد ذكرها في بيان "حماس" الذي أشادت فيه بإخوتها من العرب وشكرتهم وعلى رأسهم مصر التي استضافت المحادثات، وتحملت الإساءات، ورفضت التهجير، وقدمت المساعدات ومن ورائها الأردن ودول الخليج.
توقفت الحرب، وبقيت الأسئلة حائرة على الشفاه، ما الذي جرى؟ كيف تمت عملية السابع من أكتوبر (تشرين الأول)؟ من ربح ومن خسر؟ من ربح المعركة؟ ومن خسر الحرب؟
كيف تُرِك المدنيون الفلسطينيون دون ملاجئ بينما بنت "حماس" مدناً تحت الأرض؟
لم تلق إسرائيل قنبلة أو تطلق قذيفة على كل طفل أو ضحية من ضحايا غزة، القنابل والقذائف تطلق وتقتل بالشظايا والانفجارات العشرات، الشظايا تتطاير للأعلى وأفقياً، لا تصيب من هم تحت الأرض، لو أن هناك ملاجئ على عمق مترين لنجا كثير من الضحايا الذين كانوا عرضة لقنابل لا تفرق بين طفل وامرأة ومدني وشيخ.
توقفت الحرب وخسرت إسرائيل ما بنته الحركة الصهيونية على مدى 80 عاماً من الصورة الكاذبة في أذهان العالم: بلد ديمقراطي صغير مسالم ومحاط بوحوش من الفلسطينيين والعرب الذين يريدون تكرار الهولوكوست وقتل اليهود جميعاً.
انقلبت الصورة، وانقلب العالم، وبالذات العالم الغربي، على حكوماته التي تساند إسرائيل من دون قيد أو شرط، أقرت الدول الغربية بالدولة الفلسطينية، وعلى رأسهم بريطانيا التي نبعت منها فكرة دولة لليهود على أرض فلسطين، وجاء منها وعد بلفور.
وبقيت الأسئلة حائرة حول تحقيق قيام الدولة الفلسطينية! أين ستقام؟ هل ستقام على أرض غزة المدمرة التي لم تعد قابلة للسكنى؟ أم على الضفة الغربية التي نهشها المستوطنون وقضموا أراضيها وحاصروا أهاليها وقمعوهم وقتلوهم ولا يزالون؟.
هل يمكن حقاً أن يجبر المجتمع الدولي إسرائيل على التخلي عن أراضي الضفة وغزة للفلسطينيين لإقامة دولتهم؟ هل يجبر المجتمع الدولي إسرائيل على الانسحاب من القدس الشرقية لتتحول عاصمة للدولة الفلسطينية؟
أم يطرح المجتمع الدولي حلاً "تدويلياً" للقدس عاصمة للدولتين؟
كيف يمكن للعرب أن يستثمروا الحالة الدولية المتعاطفة مع الحق الفلسطيني؟
هل يقوم الموساد بتجنيد بعض "مجانيننا" (وما أكثرهم) لارتكاب عمليات إرهابية بمدن أوروبية غربية اجتاحتها تظاهرات الإدانة لإسرائيل وصرخات التعاطف مع أهالي غزة لينقلبوا على أعقابهم ويتلاشى تعاطفهم مع القضية الفلسطينية الإنسانية؟
أم أن الوعي العالمي الذي فرضته التكنولوجيا الحديثة سيجعل من ذلك ضرباً من الخيال؟.
ولكن قبل هذا وذاك، هل تُخْجل تضحيات ومآسي أهالي غزة السلطة الفلسطينية و"حماس" وبقية الفصائل الفلسطينية على توحيد الصف؟ أم يبقى الغباء والعنجهية والاسترزاق وحب المال والسلطة هم أسياد القرار الفلسطيني؟.
قائمة طويلة من الأسئلة الملحة والمنطقية، ولكن قبل الإجابة عنها، فإن الأكثر إلحاحاً صمود وقف الحرب، وتضميد الجراح، وإطعام الجوعى، وإيواء المشردين ومواساة المكلومين وتعزية الثكالى ومسح دموع اليتامى والأرامل والمنكوبين.
سعد بن طفلة العجمي
وزير الإعلام السابق في الكويت