Logo

حين تنتصر الحرب بلا رصاصة: اليمن نموذجًا

 في اليمن اليوم، لا تدور الحرب بالضرورة على خطوط الجبهة، ولا تُقاس بالانفجارات ولا بمدى دمار المباني. الحرب هنا أكثر هدوءًا لكنها أكثر فتكًا، تُخاض في العقول قبل الأراضي، وفي النفوس قبل الخرائط.

 ليست الدبابات ولا الطائرات هي الأسلحة الرئيسة، بل سياسات موجهة، قرارات متعمدة، وكلمة تُحاك لتقتل الأمل قبل أن تقتل الناس.

أول الرماة في هذه المعركة هم المسؤولون الذين يجلسون على مكاتب الدولة، يحملون الألقاب الرسمية ويبتسمون أمام الكاميرات، بينما يوقعون القرارات التي تُجهز على حياة المواطنين اليومية. 

ليس السرقة المالية وحدها ما يشكل الخطر، بل سرقة الثقة وإقناع الناس أن الفساد هو نظام طبيعي، وأن النزاهة مجرد خرافة. في هذه الحرب، يصبح المسؤول الفاسد أكثر خطورة من ألف بندقية، لأنه يقتل الروح قبل الجسد.

ثم يأتي خطاب التفرقة، الذي يُغلف الدين والشعارات الوطنية بلبوس التعبئة، فيحول المجتمع إلى خندقين متقابلين، والأخوة إلى خصوم، والوطن إلى ساحة صراع رمزي، بينما الواقع الاقتصادي والمعيشي ينهار بصمت.

 الشباب بلا عمل، الرواتب تتلاشى قبل أن تصل، الأسر تصارع من أجل البقاء في طوابير الخبز والوقود. يصبح المواطن مجرد رقم في معادلة حياة لا معنى لها.

وفي هذه البيئة، العدالة نفسها تنهار. القضاة الذين يفترض أن يكونوا خط الدفاع الأخير عن الحق، ينحون أمام القوة بدل القانون، لتسقط الثقة الأخيرة في المؤسسات، ويصبح الصمت هو الخيار الأسهل، والخضوع هو القانون غير المكتوب.

المفارقة الأكبر هي أن هذه الحرب الصامتة ليست صنيعة طرف واحد. خصوم اليوم في الساحة العامة، غالبًا ما يجدون أنفسهم يتفقون في الخفاء على إبقاء المواطن اليمني تحت حد الحاجة. 

الجائع لا يفكر، واليائس لا يثور، والمنهك لا يحاسب. المواطن هنا يصبح الميدان والغنيمة في آن واحد.

الحرب بلا رصاصة، في جوهرها، هي حرب على العقل والخيال والفرص. الكلمة الحرة تُجرم، الكفاءة تُعاقب، والإبداع يُقمع. الاستسلام يصبح اختيارًا داخليًا، والهزيمة تتحول إلى ثقافة يومية، بينما تتقدم المؤسسات الرسمية وكأنها جزء من اللعبة نفسها.

اليمن اليوم اختبار صامت للإرادة الإنسانية: هل سيظل الشعب خاضعًا لهذا الواقع، أم سيجد في صمته قوة للإيقاظ؟

 التاريخ، كما قال هيكل، لا يرحم من يخون لحظته، لكن الواقع أيضًا يعطي دائمًا فرصة لمن يختار الوقوف. 

الوقوف ليس بالضرورة مواجهة بالسلاح، بل استعادة الوعي، الدفاع عن الكرامة، وإحياء الأمل في زمن تتلاشى فيه كل رموز الأمن والأمان.

اليمن أكبر من كل هذه السياسات، وأعمق من أن يُكسر. الحرب بلا رصاصة قد تبدو منتصرة اليوم، لكنها لا يمكنها أن تغلق الطريق أمام إرادة شعب يعرف قيمة الحياة والحرية، ويبحث دائمًا عن فرصة جديدة ليقول لا للهزيمة، نعم للأمل، والأهم: نعم للمستقبل.

---

هذه النسخة تحتفظ بالتحليل العميق للواقع اليمني، لكنها بأسلوب جيمس فاولي: مباشر، واقعي، يعتمد على سرد الأحداث اليومية والحقائق الاقتصادية والسياسية، مع لغة سلسة تصل إلى القارئ العام دون فقدان العمق.

أ. نجم الدين الرفاعي

كاتب وباحث يمني