Logo

المعادلة الإسرائيلية الأميركية تضع لبنان على منزلق خطر وطريق مسدود

الرأي الثالث

 مع مرور عام على اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل تواصل إسرائيل فرض معادلتها المدعومة أميركياً، 

فيما ذكّرت وسائل إعلام عبرية، اليوم الخميس، باقتراب انتهاء المهلة الممنوحة للبنان لنزع سلاح حزب الله، حتى نهاية ديسمبر/ كانون الأول المقبل. 

ولم تتوقف إسرائيل منذ إعلان الاتفاق في 27 نوفمبر 2024 يوماً عن خرقه وقصف مواقع لبنانية والتسبب بقتل مدنيين وعسكريين وعناصر من حزب الله، 

فضلاً عن الاقتحامات البرية للأراضي اللبنانية، بلغت نحو 1200 اقتحام بحسب تقارير عبرية صدرت في الأيام الأخيرة.

669 هجوما جويا على لبنان

وقال جيش الاحتلال في بيان، الخميس، إنه قتل أكثر من 370 شخصاً في لبنان ونفذ نحو 1200 عملية عسكرية وصفها بـ"مركّزة"، وادعى جيش الاحتلال أنه يعمل في لبنان "لمنع إعادة إعمار قدرات منظمة حزب الله الإرهابية". 

من جهته، قال مركز "علما" الإسرائيلي، في تقرير نشره الخميس، لدراسة تحديات الأمن في الجبهة الشمالية، إن جيش الاحتلال الإسرائيلي شن، منذ وقف إطلاق النار، مئات الهجمات على لبنان 

وبحسب بيانات "علما" نفّذ سلاح الجو الإسرائيلي 669 هجوماً جوياً في أنحاء لبنان خلال العام الماضي، أي ما يقارب غارتين يومياً، بينما كان عدد الأهداف التي أصيبت أكبر من ذلك. 

ونُفذت أغلبية الهجمات، وفقاً للمركز ذاته، في الفترة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، بمعدّل نحو 50 غارة شهرياً. 

ونُفّذت معظم الهجمات في جنوب لبنان، نحو نصفها جنوب نهر الليطاني، و38% منها في جنوب لبنان ولكن شمال الليطاني، وحوالي 13% في معقل آخر لحزب الله (وفق المزاعم الإسرائيلية) في البقاع، وأقل من 2% في العاصمة بيروت.

وفي منطقة خط التماس، تُعد قريتي عيترون (أكثر من 50 هجوماً) وعيتا الشعب (أكثر من 40 هجوماً) الأكثر تعرضاً للهجمات، وهما تقعان مقابل مستوطنتي أفيفيم وشتولا على التوالي. 

أما في شمال الليطاني، فإن منطقة النبطية هي الأكثر استهدافاً. ومنذ وقف إطلاق النار نُفذت حوالي 218 عملية اغتيال استهدفت عناصر من حزب الله نُشرت تفاصيلها، وبحسب الجيش الإسرائيلي، فإن العدد يتجاوز 300.

ويأتي العدوان الإسرائيلي المتواصل على لبنان بحجة منع حزب الله من إعادة بناء قوته، في ظل الصعوبات التي تواجه نزع سلاحه من الجيش اللبناني. 

وقال رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، في وقت سابق من هذا الأسبوع، إن "دولة إسرائيل لن تسمح لحزب الله بإعادة بناء قوته، ولن نسمح له بالعودة ليشكّل تهديداً على دولة إسرائيل. أتوقع من الحكومة اللبنانية أن تفي بالتزامها بتفكيك حزب الله من سلاحه".
 
مهلة ترامب للبنان

وفي السياق، نقلت صحيفة يسرائيل هيوم العبرية، الخميس، عن مسؤولين دبلوماسيين مطّلعين، لم تسمّهم، أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، حدّدت للحكومة اللبنانية تاريخ 31 ديسمبر من هذا العام، موعداً نهائياً لنزع سلاح حزب الله،

 وإذا لم تفعل ذلك ستُلقى عليها مسؤولية خرق الالتزام.

 ويتقاطع ذلك مع تقرير سابق نشرته وكالة رويترز، في أغسطس/ آب الماضي، حول تقديم الولايات المتحدة إلى لبنان، خطة سياسية - أمنية واسعة هدفها التوصّل إلى نزع سلاح حزب الله بشكل كامل مع نهاية عام 2025.

إلى ذلك، نقلت الصحيفة العبرية ذاتها في تقرير آخر، أمس الأربعاء، تعليق مسؤول في إدارة ترامب، سُئل عن الخطوط الحمراء في ما يتعلق بالهجمات ضد كبار مسؤولي حزب الله بمن فيهم الأمين العام نعيم قاسم، قال فيه: "إنه رئيس منظمة إرهابية مُعلنة، أليس كذلك؟". 

وبحسب الصحيفة، "فإن المعنى واضح، وبكلمات أخرى، الولايات المتحدة تمنح إسرائيل هامشاً واسعاً جداً لمهاجمة القيادات، بما في ذلك الرجل رقم واحد في التنظيم".

وكتب محلل الشؤون الأميركية في يسرائيل هيوم، أرئيل كهانا، أن "اليوم، بعد عام على الاتفاق مع حزب الله، أصبح واضحاً أن وقف إطلاق النار صُمم منذ البداية كخطوة أحادية الجانب. أي أن حزب الله ممنوع من إطلاق حتى رصاصة واحدة.

 أما إسرائيل، فمسموح لها وفقاً لشروط الاتفاق إحباط أي تهديد يجري بناؤه". 

ومن جهته، كتب المحلل العسكري والأمني، يوآف ليمور، في الصحيفة ذاتها: "رسمياً، انتهت الحرب في لبنان قبل عام. عملياً، لم تتوقف ولو ليوم واحد، وليس فقط لأن الجيش الإسرائيلي ما زال يسيطر على خمس نقاط في الأراضي اللبنانية".

ولفت ليمور إلى أن الدعم الأميركي الذي تحظى به إسرائيل في المرحلة الحالية، بما فيها دعم خطوات هجومية مثل اغتيال طبطبائي، قد يتوقّف كما توقف في غزة ويقيّد كثيراً الجيش الإسرائيلي. 

لكنه خلص إلى أنه "رغم أن شيئاً لم يُحسم في لبنان، فإن المعركة التي أُديرت حتى الآن كانت ناجحة وأضعفت بشكل كبير العدو الأقوى الذي بُني على حدود إسرائيل. 

ومع ذلك، سيكون خطأ النظر إليها من منظور عسكري فقط. هذه الإنجازات جاءت بثمن مدني باهظ جداً من خلال إخلاء طويل الأمد على الحدود الشمالية، حيث غادر مواطنون، وانهارت أعمال تجارية، وتضررت الزراعة".
 
فرض السلام بالقوة

وفي مقال في صحيفة هآرتس العبرية، الخميس، اعتبرت الصحافية والكاتبة ليزا روزوبسكي، أن الولايات المتحدة تتبنى نهج إسرائيل في لبنان، بأن السلام يمكن فرضه بالقوة. 

وأقل ما يُقال، برأي الكاتبة، إنه "في الأشهر الأخيرة لم تكن السياسة والتصريحات العلنية لمسؤولين أميركيين بشأن العلاقات بين لبنان وإسرائيل، وبشأن التزامات كل طرف، متسقة". 

واعتبرت روزوبسكي أن "نهج واشنطن تجاه شؤون لبنان مرّ بعدة تغييرات في الأشهر الأخيرة كما يبدو. 

وحسب المعلومات المتوفّرة، فإن الإدارة الأميركية تتبنى في الوقت الحالي نهج رئيس الوزراء (الإسرائيلي) نتنياهو، الذي يرى أنه يمكن فرض السلام على لبنان بالقوة. 

ورغم الفهم بأن التصعيد الحالي قد يتفاقم بدرجة عالية ويصبح خطيراً، فإن الولايات المتحدة ترى أيضاً سيناريو متفائلاً، يفيد بأن الهجمات قد تضع الرئيس اللبناني جوزاف عون أمام خيار: 

إما الحرب أو الدخول في مفاوضات سياسية مع إسرائيل، وإقامة تطبيع والانضمام إلى اتفاقيات أبراهام لا أقل". 

وذكرت الكاتبة أن المسؤولين في تل أبيب "يشاركون في هذا التقدير. الانسحاب من النقاط الخمس ليس مطروحاً على الإطلاق بالنسبة لإسرائيل في الوقت الحالي، وبالتأكيد ليس قبل أن يُظهر الجيش اللبناني نتائج. 

في هذه الصورة الثنائية للعالم هناك أيضاً بعض الأسئلة غير المحسومة. أولاً، هل يستطيع عون والجيش اللبناني أن يتحركا بمزيد من الحزم ضد حزب الله من دون أن يخاطرا مجدداً بحرب أهلية؟

 ثانياً، هل يمكنه أن يسمح لنفسه بالجلوس إلى طاولة المفاوضات مع إسرائيل، الدولة التي العداء لها في لبنان يتجاوز جميع القطاعات؟".

"طريق مسدود"

"في نهاية المطاف، كل شيء يعود إلى طريق مسدود" كما تنقل روزوبسكي عن إيتان يشاي، رئيس برنامج الشرق الأوسط في معهد ميتفيم. 

وأوضح يشاي ملخصاً الوضع بأن "إسرائيل تقول: انزعوا سلاح حزب الله ثم سننسحب. حكومة لبنان تقول: انسحبوا ثم يمكننا تفكيك سلاح حزب الله. حزب الله يقول: لن نتخلى عن سلاحنا أبداً،

 لكن إذا أردتم فتح حوار ما والتوصّل إلى تسوية، أولاً على إسرائيل أن تنسحب. أما الأميركيون والمجتمع الدولي فيقولون للبنان: أولاً انزعوا سلاح حزب الله ثم سنعطيكم المال".

وقبل يومين، كتب معلق شؤون الشرق الأوسط في هآرتس، تسفي بارئيل، أن اغتيال طبطبائي "يعيد إسرائيل إلى حالة من التأهب والتوتر المعروفة بشأن ردّ التنظيم المتوقّع"، 

ويرى الكاتب أن "قتل الرجل الثاني من حيث الأهمية الهرمية العسكرية للتنظيم، وفهم أن حياة الأمين العام نعيم قاسم ليست مضمونة، يفرضان على التنظيم وعلى لبنان بأكمله إعادة تقييم الموقف..

 ومن هنا يتضح أن الاغتيال سعى إلى فرض معادلة جديدة، تهدف إلى مواجهة الحكومة اللبنانية مع حزب الله بطريقة لا تسمح لها بمجال مناورة ومرونة تجاهه".
 
غير أن "خريطة الطريق" هذه، على حد وصف الكاتب، "قد لا تؤدي بالضرورة إلى النتيجة المرجوة. 

كما أنه ليس معروفاً ما إذا كان هذا الاعتبار هو الذي كان أمام إسرائيل، أم أنها فقط أرادت استغلال فرصة استخبارية وعملياتية سانحة، لتصفية حساب مع مسؤول آخر في التنظيم. 

وكما في عمليات مذهلة أخرى بقيت بعدها مع تخميناتها بشأن نتائجها، فإن السؤال يبقى أيضاً هذه المرة: هل ستدفع العملية فعلاً إلى تقدّم في مسار نزع سلاح حزب الله جنوباً وشمالاً من الليطاني؛ 

أم أن العملية ستمنحه في الواقع ورقة مساومة مهمة أمام حكومة لبنان، مفادها أنه وحده قادر على مواجهة التهديد الإسرائيلي، وأن نزع سلاحه يعني المساس بالأمن القومي للبنان".

نايف زيداني
صحافي فلسطيني