الافراج عن معتقلي الرأي هو انتصار للعقل والحكمة وللوطن
مسار الاعلام والثقافة
تيار التوافق الوطني
يأتي خروج البروفيسور حمود العودي والمهندس عبدالرحمن العلفي من معتقل الامن والمخابرات في صنعاء ليؤكد مجدداً أن اليمن ما يزال قادراً على الإنصات لصوت العقل مهما تعاظمت الأزمات.
فالإفراج عن رجالٍ قضوا سنوات في خدمة المجتمع والدفاع عن السلم الأهلي ليس مجرد حدثٍ عابر، بل خطوة تحمل دلالات عميقة على إمكانية استعادة الوطن لوجهه المدني والإنساني.
إن الدور الذي قام به العقلاء والوجاهات الوطنية في التوصل إلى هذا الإفراج يعكس إدراكاً متنامياً بأن اعتقال العقول لا يبني دولة، وأن إقصاء الحريصين على المصلحة العامة لا يصنع أمناً ولا استقراراً.
فرح اليمنيين اليوم لا يكتمل إلا بخروج بقية الرموز الأكاديمية والمدنية التي ما زالت رهن الاعتقال حتى هذه اللحظة، رغم ما قدمته من جهود وطنية مشهودة،
ومواقف شجاعة دافعت فيها عن حق الشعب في السلام، وعن أهمية الدولة الجامعة التي تصون الحقوق وتحمي الجميع.
هؤلاء لم يكونوا يوماً خصوماً للوطن، بل عوناً له، وصوتاً للحكمة في زمنٍ غلب عليه الصراخ والسلاح.
الإفراج عنهم واجب وطني وأخلاقي، وليس منّة من أحد، لأن عطاءهم كان دائماً للوطن وحده، ولأن حضورهم مهم في إعادة ترميم الثقة بين المجتمع ومؤسساته.
وما تزال السجون – في صنعاء وغيرها – تضم الكثير ممن يشبهون البروفيسور العودي والمستشار عبدالرحمن العلفي في إخلاصهم ونبل رسالتهم، وهو ما يجعل الحاجة إلى تغليب لغة العقل والحكمة أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.
فاستعداء المختلف، أو تخوينه، لم يجلب لليمن إلا مزيداً من الانقسام، بينما الانفتاح على الجميع باعتبارهم أبناء وطن واحد هو السبيل الوحيد لاستعادة السلم الأهلي المفقود.
إن أي خطوة للإفراج عن معتقلي الرأي تمثل انتصاراً للوطن قبل أن تكون انتصاراً لأشخاص بعينهم.
إنها لحظة يتقدم فيها الوعي على الصراع، وتعلو فيها الحكمة على الغلبة، ويمد فيها المجتمع يدَه ليبدأ مسار تضميد الجراح وإعادة بناء النسيج الوطني والاجتماعي الممزق.
واليمن، الذي أنهكته الحروب والخصومات، يستحق أن يستعيد أفضل أبنائه إلى صفوفه، لا أن يبقيهم خلف القضبان.
والطريق نحو مستقبل أكثر عدلاً وسلاماً يبدأ من هنا: إطلاق سراح كل المخفيين والمعتقلين من نشطاء المجتمع المدني، وطيّ صفحة الاعتقال خارج القانون، واحترام الحق في التعبير والاختلاف.
فالوطن لا يُبنى إلا بحرية أبنائه، ولا ينهض إلا حين تُفتح الأبواب أمام العقول لا حين تُغلق عليها.
د. عمر العودي