Logo

المجلس الانتقالي الجنوبي... مسارات التمدّد وتبدّل التحالفات وصولاً للتمرد

 أعاد تمرد المجلس الانتقالي الجنوبي على الشرعية اليمنية وسيطرته على محافظتي حضرموت والمهرة خلط الأوراق في اليمن، خصوصاً بعد تجاهله دعوات الانسحاب والتهدئة من جانب مجلس القيادة الرئاسي والسعودية على مدى نحو شهر كامل قبل أن تتسارع التطورات في الساعات الماضية مع استهداف التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن سفينتين تحملان أسلحة دخلتا ميناء المكلا دون الحصول على تصاريح،

 والذي أُتبع بإعلان رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي أنه يتعين على كل القوات الإماراتية ومنسوبيها الخروج من جميع الأراضي اليمنية في غضون 24 ساعة بالتزامن مع إعلان حالة الطوارئ وفرض حصار جوي وبحري وبري لمدة 72، 

وهو ما دعت الخارجية السعودية الإمارات للاستجابة له، مبدية في الوقت نفسه أسفها للخطوات التصعيدية التي قامت بها دولة الإمارات في المحافظات الشرقية من اليمن، محذّرة من أن أي تهديد لأمنها الوطني يُعد "خطاً أحمر" ستتعامل معه بكل الإجراءات اللازمة.

وشكل تمرد المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة عيدروس الزبيدي ذروة مساعيه للسيطرة على المحافظات الجنوبية والشرقية الثماني، وآخرها حضرموت والمهرة، 

بالتوازي مع تصاعد خطابه السياسي الداعي إلى الانفصال واستعادة "دولة الجنوب"، في إشارة إلى ما كان عليه الوضع قبل الوحدة عام 1990 والتي أعيد فرضها بالقوة بعد حرب 1994.

واستغل المجلس الانتقالي الجنوبي طيلة الفترة الماضية سياقاً داخلياً وإقليمياً معقّداً، تتداخل فيه اعتبارات الصراع اليمني المستمر منذ انقلاب الحوثيين على السلطة في 21 سبتمبر/أيلول 2014 وتداعياته، 

ومواقف أطراف إقليمية فاعلة في المشهد اليمني تعيد ترتيب أولوياتها (تحديداً السعودية)، لمحاولة فرض نفسه متحكماً وحيداً في هذه المناطق وأحد أبرز القوى العسكرية في اليمن، ما وضعه، وفق قراءته، على مقربة من هدفه المعلن بالانفصال وإعلان إقامة "دولة الجنوب العربي"، 

لكنه وفق مراقبين غرق في فائض القوة والدعم الذي ناله ، متجاهلاً  حقيقة وجود خطوط حمراء لن يسمح له بتجاوزها من قبل السعودية. 

كما أنّ جميع محاولات المجلس تصوير نفسه بأنه يمثل جميع الجنوبيين تصطدم بحقيقة انقسامات جنوبية لا تزال قائمة حول مستقبل الحكم، وشكل الدولة خصوصاً في حضرموت حيث مطلب "الحكم الذاتي".

وإذا كان مطلب الانفصال قديماً على الساحة اليمنية تحديداً، بعدما أدى تجاهل حراك المتقاعدين العسكريين (طردوا عقب حرب 1994) في عام 2007 وإحياء القضية الجنوبية إلى عودته، 

إلا أنه لم يشهد انتقالاً من كونه مجرد مطلب يظهر ويخبو على فترات متباعدة خلال حكم علي عبد الله صالح وتحوله إلى هدف يجري السعي إلى تحقيقه بوتيرة متسارعة إلّا قبل سنوات.

 وشكلت مرحلة ما بعد الثورة اليمنية والانقلاب الذي شنّه الحوثيون بمساعدة الرئيس السابق علي عبد الله صالح (قبل مقتله على يد الجماعة) 

وما تبع ذلك من تدخل عربي بقيادة السعودية في اليمن، وتآكل الشرعية اليمنية، البيئة التي استثمرت فيها قيادات جنوبية بعينها انضوت لاحقاً ضمن المجلس الانتقالي الجنوبي مستغلة دورة جديدة من التحالفات التي عقدتها. 
 
وعمل المجلس الانتقالي الجنوبي على استغلال انضمامه إلى معسكر الشرعية لإضعافه على نحو متواصل، ثم اللعب على مختلف التناقضات منذ سنوات. 

وترافق ذلك مع تحوّلات رتّب لها على مستويات عسكرية واقتصادية وقبلية واجتماعية وغيرها، مستغلاً الفراغ العسكري الذي فشلت المكونات والأحزاب السياسية الجنوبية الأخرى في ملئه، 

كما لم يكن أي من ذلك ممكناً لولا الدعم الذي يحصل عليه ، والعلاقات التي يجاهر بأنه يسعى لنسجها مع إسرائيل، وكل ذلك حلّ محلّ العلاقة التي كانت تربط قيادات جنوبية منضوية في المجلس مباشرة أو عبر ممثلين عنها على مدى سنوات مع حزب الله وإيران، ومن خلفهما الحوثيون. 

بداية المسار العسكري

شكل العام 2017 النقلة الأهم في مخططات القيادات الجنوبية، إذ إبان التصعيد في ذلك العام بين الزبيدي والحكومة اليمنية، خصوصاً بعد أن أقال الرئيس اليمني في ذلك الحين عبد ربه منصور هادي الأول من منصبه محافظاً لعدن في 27 يوليو/ تموز 2017، صعّد "الحراك الجنوبي" من احتجاجه وجرى تأسيس ما سمّي بالمجلس الانتقالي الجنوبي.

 أدرك المجلس الانتقالي الجنوبي في ذلك العام أنه لن يتمكن من تحقيق أي من أهدافه طالما لم يكن لديه قوة وتشكيلات عسكرية خاصة به لتوسيع نفوذه وسيطرته. 

ويرى خصوم المجلس الانتقالي الجنوبي أن "محاربة الحوثيين" شكلت الغطاء الذي عمل تحت ظله على التوسّع العسكري بمعزل عن الجيش اليمني. 

وعمل "الانتقالي" تباعاً على تشكيل قوات وأجهزة عسكرية في عدن بداية، ثم توسع إلى جميع المناطق والمحافظات الجنوبية، وحظي بدعم سخي من دولة الإمارات، من حيث المعدات والأسلحة الحديثة، وعمل على تدريب وتأهيل قواته العسكرية. 

ثم انطلق لفرض سيطرته على عدد من الجبهات في مواجهة الحوثيين، قبل أن يوسع نفوذه ويبسط سيطرته من باب المندب غرباً حتى المهرة أقصى الشرق، في حدود سلطنة عُمان، ليسيطر بحسب تقديرات غير رسمية على نحو 55% من إجمالي مساحة الجنوب.
 
وبات المجلس الانتقالي الجنوبي وفق مصادر مقربة منه، يملك قوة عسكرية كبيرة يتجاوز عددها 120 ألف جندي، إلى جانب تشكيلات الأحزمة والدعم الأمني، وقوات النخبة الحضرمية وقوات دفاع شبوة، وقوات العاصفة والحماية الرئاسية، 

إضافة إلى قوات العمالقة الجنوبية التي أصبحت جزءاً من جيش "المجلس الانتقالي"، وهي التي تعد القوة الضاربة والأكثر انضباطاً، وتدريباً ونفوذاً، والأكثر تسليحاً، وتمثل رأس الحربة. 

وتضمّ "القوات المسلحة الجنوبية" التابعة إلى "المجلس الانتقالي"، قوات برية، تملك معدات عسكرية متطورة، من آليات عسكرية ومعدات ثقيلة من مدرعات ومدافع وقاذفات صواريخ، ودبابات ومدافع ذاتية الحركة، إلى جانب صواريخ موجهة، وأنظمة اتصال متطورة، إلى جانب أنظمة إدارة عمليات متنقلة حديثة، كما تملك طائرات مسيّرة.

وتواجه قوات المجلس الانتقالي الجنوبي اتهامات عديدة بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان بما في ذلك التعذيب والاعتقال التعسفي في السجون والإخفاء القسري. 

وسبق أن وثقت تقارير منها لمنظمة هيومن رايتس ووتش، اعتقال المجلس "صحافيين وإعلاميين طوال فترة النزاع، وواصل قمع المساحة المدنية في الأراضي الخاضعة لسيطرته".

 وتعرض الكثير من الأشخاص للتعذيب والحبس الانفرادي في سجون تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي مثل سجن بئر أحمد وسجن وضاح في عدن والسجون السرية.

مسار سياسي دبلوماسي

في موازاة العمل على تأسيس "جيش" منفصل خلال ثماني سنوات، تمكّن المجلس الانتقالي الجنوبي من تعزيز وجوده السياسي الداخلي، ودخل في اتفاق مع الحكومة الشرعية وأصبح جزءاً منها،

 ثم ما لبث أن واصل توسيع نفوذه السياسي في الحكومة وعلى الساحة اليمنية، لكنّه مع كل أزمة اقتصادية أو اجتماعية ينأى بنفسه. 

ويتمثل المجلس الانتقالي الجنوبي في مجلس القيادة الرئاسي بثلاثة أعضاء من أصل ثمانية وهم الزبيدي، وفرج البحسني وعبد الرحمن المحرّمي، 

كما هناك ستة وزراء في الحكومة اليمنية محسوبون على "الانتقالي" يتوزعون في وزارات الكهرباء، والنقل، والخدمة المدنية والتأمينات، والثروة السمكية والزراعية، والأشغال العامة والطرق، والشؤون الاجتماعية والعمل.
 
وكل فترة يصدر الزبيدي قرارات بتعيينات لوكلاء في الوزارات وعدد من المؤسّسات في الجنوب، فيما يرفض "المجلس الانتقالي" الاعتراف بأنه شريك في إدارة الحكومة والمؤسّسات وبالتالي يتحمل مسؤولية في الأزمات. 

كذلك نسج الزبيدي تحالفات مع أطراف ومكونات جنوبية لتوسيع المشاركة جغرافياً وسياسياً. وسعى المجلس خلال السنوات الأخيرة، للخروج من دائرة الاتهامات الموجهة له في سنواته الأولى بأنه تأسس مناطقياً، ففتح قنوات تواصل مع قوى في جميع المحافظات الجنوبية، وعمل على تأسيس كيانات ونقابات في مختلف المحافظات الجنوبية.

وشكل "الانتقالي" لجنة للحوار الجنوبي، مهمتها توسيع تحالفاته جنوباً، من خلال لقاء الكثير من الأطراف والشخصيات الجنوبية، وحقق تقدماً في ذلك من خلال انضمام أغلب مكونات الحراك الجنوبي، 

إلى جانب المكونات ومنتمين لأحزاب سياسية، مثل المؤتمر بعد تشكيل فرع المؤتمر الشعبي العام الجنوبي، وكذلك الحزب الاشتراكي، وغيرهم إلى جانب القبائل والمكونات الدينية المعتدلة، بما فيها أجنحة من السلفيين، 

في محاولة لضمّ جميع المكونات والفئات والشرائح الفاعلة داخل المجتمع الجنوبي، ومن كل المحافظات، من خلال وجود تمثيل لهم في "المجلس الانتقالي". 

بعض تلك المكونات هي الحزب الاشتراكي الجنوبي، وحزب رابطة أبناء الجنوب العربي، والتجمع الديمقراطي الجنوبي (تاج)، والمؤتمر الشعبي العام الجنوبي، وحزب جبهة التحرير، والمقاومة الجنوبية، والهيئة الشعبية الوطنية الجنوبية، ومؤتمر شبوة الشامل، ومجلس أبناء المهرة وسقطرى، والهيئة الشعبية الحضرمية، ومؤتمر عدن الجامع، وآخرها استقطاب قيادات حضرمية وقبلية أخرى.

واهتم "المجلس الانتقالي" أيضاً بالقبائل في مختلف المحافظات، لتعزيز قدراته وقواته، وأقام تحالفات مع أبرز تلك القبائل، مثل قبائل الضالع ويافع وردفان والصبيحة في لحج، ثم قبائل محافظات أبين وشبوة، وأبرزها قبيلة العوالق التي تعد أكبر قبيلة في جنوب اليمن، وتمتد على محافظتَي شبوة وأبين. 

ثم ما لبث أن دخلت قبائل بارزة في محافظات حضرموت والمهرة وسقطرى، بعد انخراط كثير من قيادات هذه المحافظات التاريخية والسياسية والقبلية والاقتصادية، في صفوف المجلس وتزايد شعبيته. 

وشكلت هذه القبائل نقطة التحول الرئيسية في تشكيل وتعزيز قوات "المجلس الانتقالي" الأمنية والعسكرية، كما أنها كانت الركيزة الأساسية في تغيير موازين القوة لصالحه في مختلف المواجهات، وتمكينه من توسيع سيطرته وبسط نفوذه، وسحب البساط من تحت خصومه، من خلال وعوده لهذه القبائل في المشاركة السياسية والحكم، وتقديم العديد من الإغراءات، بينها مكاسب اقتصادية، وزيادة النفوذ، مع استعادة الجنوبيين دولتَهم.

وحظيت محافظة حضرموت، باهتمام كبير من "الانتقالي" نظراً لأهميتها الاستراتيجية اقتصادياً (مركز رئيسي للثروات ورجال الأعمال المغتربين) وعسكرياً وسياسياً، وسط إدراك أنّه من دونها لا يمكن لأي مشروع "دولة" أن يبصر النور، ولا سيّما أنها على مدى عقود احتفظت لنفسها بكونها قادرة على إنجاح أو إفشال الكثير من المشاريع السياسية والعسكرية حتى. 

عمل "الانتقالي" على استقطاب قياداتها البارزة، في مقدمتها آخر رئيس لدولة جنوب اليمن قبل الوحدة ونائب الرئيس اليمني بعد الوحدة، علي سالم البيض، الذي يملك ثقلاً سياسياً وأتباعاً في حضرموت وأغلب مناطق الجنوب، فهو من قاد الجنوب مع الوحدة، 

وبعد أربع سنوات قاد فكرة فك الارتباط، ثم عاد إلى الساحة مع انطلاق الحراك الجنوبي، ليتزعم التظاهرات من الخارج، ويدعو لفك الارتباط واستعادة دولة الجنوب وإنهاء الوحدة مع الشمال. 

وهو اليوم ممثل في "المجلس الانتقالي" من خلال نجله عمرو البيض الذي اختاره الزبيدي ممثلاً خاصاً لرئيس "الانتقالي" للشؤون الخارجية.
 
إلى جانب البيض، برز اسم الرجل الأكثر نضالاً في الجنوب، وينتمي إلى حضرموت أيضاً، حسن باعوم، الزعيم الثوري الذي تعرض للاعتقال والتعذيب، وواصل نضاله ضد نظام الرئيس الراحل علي عبدالله صالح،ودعا إلى استقلال الجنوب، وهو يحظى بشعبية كبيرة ورمزية نضالية هامة. 
 
وحسن باعوم ممثل أيضاً عبر نجله فادي عضو هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي ورئيس المؤسّسة الجنوبية لمكافحة الفساد.
 
تبرز أيضاً شخصيات أخرى مثل زعيم حزب رابطة أبناء الجنوب عبد الرحمن الجفري، إلى جانب اللواء أحمد سعيد بن بريك، ورجل الدين الشيخ هاني بن بريك، وعضو مجلس القيادة الرئاسي فرج البحسني، وهو أيضاً نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، 

فضلاً عن رئيس الجمعية الوطنية الجنوبية علي الكثيري، وكل هؤلاء من أبناء حضرموت، ويتمتعون بنفوذ سياسي وعسكري وقبلي وديني في المحافظة، إلى جانب شعبية في مختلف المناطق من الجنوب. 

لكن كل ذلك لم يكن كافياً لـ"تسلّم" حضرموت للمجلس الانتقالي الجنوبي ولا سيّما في ظل تعدد الفاعلين في المحافظة، بما في ذلك السعودية. 

كما ضم "المجلس الانتقالي" العديد من القيادات السياسية والقبلية في شبوة، بما فيها الشيخ القبلي البارز محافظ شبوة الحالي عوض بن الوزير، أحد أكثر الشخصيات الشبوانية نفوذاً، ويتزعم أكبر قبيلة في الجنوب وهي العوالق، إلى جانب شخصيات قبلية وسياسية أخرى ذات نفوذ فيها. 

بالتوازي، فإنّ "المجلس الانتقالي" ضمّ في صفوفه نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، أبو زرعة المحرمي، وهو رجل دين سلفي، ويقود فصيلاً عسكرياً كبيراً، هو قوات العمالقة الجنوبية، 

كما أنه ينتمي إلى يافع ذات الثقل القبلي والعسكري، كما تعد يافع ذات ثقل اقتصادي كبير وتمتد جذورها إلى كل المناطق، وحتّى إلى دول الجوار. ويحظى المحرمي بنفوذ واسع فيها وفي الأوساط الدينية.

ومع ذلك فإنّ رئيس "المجلس الانتقالي" نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي عيدروس الزبيدي، هو اليوم صاحب النفوذ الأكبر في جنوب اليمن، وينتمي إلى محافظة الضالع، أحد المعاقل الرئيسية للمجلس، ويعد واحداً من أبرز الذين خرجوا ضد نظام علي عبدالله صالح بعد حرب 1994، وأسس لحركات مقاومة ضدّ ما يسميه "الاحتلال اليمني". 

وكان نظام صالح قد حكم على الزبيدي وشخصيات جنوبية أخرى بالإعدام. وأسّس الزبيدي مع بعض رفاقه بعد سنة 2000 ما يسمى اليوم بـ"المقاومة الجنوبية". 

وكانت "المقاومة" التي يقودها الزبيدي تقوم بهجمات وعمليات تستهدف قوات نظام صالح، ثم شاركت في مواجهة الحوثيين، وصولاً إلى مواجهة الشرعية.

القوى المعارضة

لكن المجلس الانتقالي الجنوبي، أثناء محاولته احتكار السلطة، واجه معارضة ورفضاً من ثلاثة مكونات جنوبية رئيسية، وهي خارج دائرة حواراته حتى الآن، هي مؤتمر حضرموت الجامع، الذي يتزعمه رئيس حلف قبائل حضرموت الشيخ عمرو بن حبريش، وهو مكون له قوة عسكرية، ويركز على حضرموت ويتبنّى مطلب الحكم الذاتي في حضرموت. 

كما يبرز مكون الائتلاف الوطني الجنوبي، وهو مكون تنخرط في صفوفه نخبة من الشخصيات الجنوبية، خصوصاً تلك التي كانت في الشرعية وجعلها "المجلس الانتقالي" هدفه بعد أن تصدت لمشروعه من البداية، وجرى إقصاء الجنوبيين من المناصب، التي كانوا يشغلونها، فضلاً عن بعض الشخصيات القبلية والتجارية وغيرهم. لكن الائتلاف لا يوجد له نشاط كبير على الأرض. 

يضاف إلى هذين المكونين، أعضاء حزب الإصلاح من الجنوبيين، الذين لم يقترب "الانتقالي" منهم في حواراته، إذ يعتبر المجلس أن هذا الحزب عدوه الرئيسي، بحكم العداء الذي تكّنه الإمارات لهذا الحزب أيضاً.

ويقول مصدر في قيادة الائتلاف الوطني الجنوبي،  إنّ "المجلس الانتقالي" يعيد تكرار تجربة نظام الحزب الاشتراكي قبل الوحدة اليمنية، عبر فرض الصوت والفكر الواحد، ويقدّم نفسه سلطةً مركزية وخارج حسابات الديمقراطية والمشاركة السياسية، لذلك بعض الأطراف أبلغته أنه لا يمثل كل الطيف الجنوبي. 

ويعتبر مراقبون أن "المجلس الانتقالي" يعيد تكرار الخطأ السابق من جديد، إذا فكر بالاستمرار في خطوة نظام ما قبل الوحدة من خلال الحزب الواحد، ويعيد صناعة الدكتاتورية والاستبداد، الذي كان سائداً في دولة الجنوب الأولى، وهي المخاوف التي تدفع إلى وجود قوى معارضة له ولمشروعه، حتى إنْ جمعتهم القضية الجنوبية واستعادة دولة الجنوب.

بناء المجلس الانتقالي الجنوبي مؤسّسات موازية

ولدى المجلس العديد من الهيئات والمؤسسات والدوائر في كل المجالات، وتخضع كلها لمحاصصة جنوبية، وتضمّ شخصيات جنوبية مؤثرة، من كل محافظات ومناطق الجنوب، 

علماً أن "الانتقالي" وسّع هيئاته أكثر من مرة لإشراك ممثلين للمكونات والأحزاب الجنوبية التي انضمت إليه. وأهم هذه الهيئات هي الهيئة العليا للمجلس الانتقالي الجنوبي، وهي الهيئة المركزية الأعلى سلطة، 

وتضمّ ممثلاً لكل محافظة ولكل مكون سياسي، ولها مجالس تنفيذية في كل محافظة ومديرية في كل مناطق الجنوب، كما أن للهيئة دوائر مركزية.

وإلى جانب ذلك هناك الجمعية الوطنية، وهي بمثابة مجلس النواب، وتضم ممثلاً لكل مديرية من مديريات محافظات الجنوب الثماني. وإلى جانبها يوجد مجلس المستشارين، 

فضلاً عن المجلس الوطني، ويضم ممثلين من كل محافظات جنوب اليمن، ويهدف من خلاله إلى تحقيق الوحدة الوطنية الجنوبية وصولاً إلى انفصال الجنوب، وتعزيز العلاقات والتعاون الإقليمي والدولي، فضلاً عن تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للجنوبيين.

التحالفات الخارجية

تشكل الإمارات حالياً الداعم الأول والأهم للمجلس الانتقالي الجنوبي، ولطالما كانت مقراً لقياداته في السنوات الأخيرة. ولم يصدر أي انتقاد من الإمارات لتحركات المجلس الأخيرة في حضرموت والمهرة،

 وقال مسؤول إماراتي لوكالة رويترز أخيراً إنّ موقف بلاده من اليمن "يتماشى مع موقف المملكة العربية السعودية في دعم العملية السياسية" القائمة على المبادرات الخليجية وقرارات الأمم المتحدة، 
 
ويحاول المجلس منذ مدة تصوير نفسه شريكاً في مكافحة الإرهاب وقطع خطوط إمداد الحوثيين وحفظ الملاحة في البحر الأحمر، عارضاً تعزيز الشراكة مع الولايات المتحدة. 

مع العلم أن الزبيدي نفسه، مثل عدد آخر من قياديي الحراك الجنوبي، لم يمانعوا في التحالف مع إيران وحزب الله على مدى سنوات. 

وكان لعدد من قادة الحراك الجنوبي مكاتب في بيروت، والتي تحولت على مدى سنوات إلى محطة لاستضافة هؤلاء القادة والمؤتمرات التي كانت تعقد للحراك، 

كما أنها كانت المحطة التي يصل إليها يمنيون من الحراك ومن قوى سياسية وحزبية أخرى قبل انتقالهم في زيارات إلى طهران قبل أن تتراجع العلاقة مع هذا المحور عقب انقلاب الحوثيين وما فرضه من تحولات.

وفي عام 2017، اتهم مصدر حكومي مسؤول في تصريح نقلته وكالة الأنباء اليمنية الرسمية بنسختها التابعة للشرعية، الزبيدي بأنه مرتبط بإيران، وأنه من خرّيجي "الضاحية الجنوبية"، في اتهام ضمني بالعلاقة مع حزب الله.
 
وفي موازاة ذلك، برز ما نقلته وكالة أسوشييتد برس أخيراً عن هيئة البث الإسرائيلية الرسمية "كان" من أن المجلس الانتقالي الجنوبي يسعى إلى الحصول على دعم إسرائيلي. 

وقالت "كان" في تقرير لها إنّ ذلك يخدم مصالح مشتركة تشمل حماية طرق الملاحة الدولية في خليج عدن ومضيق باب المندب، والتصدي لتهريب السلاح الإيراني إلى جماعة الحوثي، إضافة إلى مواجهة التنظيمات المرتبطة بالإخوان المسلمين. 

ونقلت "كان" عن مصدر دبلوماسي في الإدارة الجنوبية قوله إنّ دعم إسرائيل لإقامة دولة جنوب اليمن وعاصمتها عدن من شأنه تعزيز القدرات العسكرية والأمنية والاقتصادية للكيان المنشود، مؤكداً وجود "أعداء مشتركين" للطرفَين. 

وفي السياق ذاته، أفادت تقارير بأن ممثلين عن "المجلس الانتقالي" أجروا اتصالات مع مسؤولين إسرائيليين، في إطار مساعٍ لكسب دعم إقليمي ودولي، بما في ذلك دعم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مع تعهد بالاعتراف بإسرائيل في حال تحقيق الاستقلال.

وكان المتحدث الرسمي باسم المجلس الانتقالي الجنوبي أنور التميمي قال أخيراً  إنّ "مبدأ التواصل مع إسرائيل غير مرفوض بالنسبة لنا، لكن نحن جزء من منطقة الجزيرة والخليج، ولن نكون إلّا ضمن التوجه السياسي والأمني لقادة المنطقة وشعوبها" 

مضيفاً: "حالياً لا يوجد تواصل (مع إسرائيل) بالمعنى الذي أثير أخيراً في بعض الصحف".

بناء مركز "المجلس الانتقالي" الاقتصادي

تغرق مناطق جنوب اليمن، كما غالبية اليمن، في أزمات اقتصادية ومعيشية واجتماعية متفاقمة منذ سنوات، رغم ما يردّده البعض من أنّ "الانتقالي" يملك "قوة رأس المال الجنوبي المنتشر داخل اليمن، وحتى في بعض دول الخليج وباقي دول العالم، من المغتربين المؤمنين بالجنوب وقضيته، والذين ساهموا كثيراً في تزايد قوة المجلس، عبر ضخّ أموال ودعم تشكيل القوات العسكرية، 

فضلاً عن تسليحها منذ البدايات"، إلى جانب دعم الكثير من الخطوات الاقتصادية.  غير أنّ مراقبين يشيرون إلى أنّ هذا الرهان قد يواجه تحديات خصوصاً أنّ "رأس المال" الموجود في السعودية، قد يعيد ترتيب أولوياته في حال تفاقم الصدام بين المجلس والرياض. 

أسعد سليمان