الاستعداد للحرب في تايوان.. الصين أعلى كعباً من الولايات المتحدة

تحوّلت الحرب بين الصين والولايات المتحدة حول تايوان من سيناريو بعيد المنال إلى سيناريو مطروح، وفق صحيفة "فورين أفيرز"، وتساءلت: "لماذا لا تبذل الولايات المتحدة المزيد من الجهد للتحضير للحرب مع الصين؟".

و"الحقيقة المقلقة" حسب الصحيفة، هي أن الولايات المتحدة لا يبدو أنها تستعد بشكل كاف لمثل هذا الصراع على الرغم من الالتزام القوي، وخاصة من قبل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، بالجزيرة واستقلالها الذاتي. وبالنظر إلى تصريحاتها واستراتيجياتها العلنية، سيكون من المنطقي أن تتصرف الولايات المتحدة كما لو أنها على وشك حرب كبرى مع قوة عظمى مسلحة نووياً. ولكنّ التغييرات التي أجرتها حتى الآن تبدو غير متكافئة مع ما تمتلكه الصين من قدرات عسكرية.

من الإمكانية البعيدة إلى الحكمة التقليدية
حتى قبل بضع سنوات فقط، جادل كثيرون في مراكز القرار في واشنطن، إذا ما كانت الصين تشكل تهديداً هائلاً للولايات المتحدة أو لا، وإذا كان تهديدها لتايوان متواضعاً أو بعيداً نسبياً، ولا تزال بعض الأصوات متمسكة بتلك الآراء، لكن إدارة بايدن أوضحت غير مرة أنها لا تفعل ذلك. وعوضاً عن هذا الاتجاه، قدَّرت إدارة البيت الأبيض، أنّ الصين هي التحدي الأكثر أهمية في العالم للمصالح الأميركية. وأصبح كبار القادة العسكريين ومسؤولو الإدارة يؤكدون، على نحو متزايد، أن "جمهورية الصين الشعبية في خضم حشد عسكري تاريخي، يتضمن التوسع الكبير لقواتها النووية، والتقدم السريع في التقنيات العسكرية الحيوية التي تفوق في الجوانب الرئيسية الابتكار الأميركي، وبناء أكبر بحرية في العالم". وبشكل عام، أوضحت، التقييمات الرسمية وتقييمات الخبراء لعدة سنوات، أن الميزة العسكرية الأميركية تجاه الصين قد تآكلت بشكل كبير مقابل مواصلة مراكمة بكين قدراتها.

تحدّثت إدارة بايدن هذا العام بشكل صريح عن التهديد المتزايد "للغزو الصيني لتايوان"، لكن في العام الماضي، تفاجأ كثيرون عندما حذَّر الأدميرال فيليب ديفيدسون، قائد القيادة الأميركية لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، من أن الصين قد تكون قادرة على غزو تايوان بنجاح بحلول عام 2027.

ويبدو الآن أن تقييم ديفيدسون هو الموقف الرسمي للإدارة. كما قدَّمت مديرة الاستخبارات الوطنية أفريل هاينز في أيار/مايو، شهادتها عن وجود تهديد "حاد" بشن هجوم صيني على تايوان. وفي الوقت نفسه، صرَّح بيل بيرنز، مدير وكالة الاستخبارات المركزية، بأن الرئيس الصيني شي جين بينغ لن يستغني بأي حال من الأحوال عن هدفه المتمثل في الاستيلاء على تايوان. وفي تموز/يوليو، أكد بيرنز أن بكين مصممة على الاستيلاء على تايوان وأنها مستعدة لاستخدام العمل العسكري للقيام بذلك.

ورأى أن بكين ستستنتج من تجربة روسيا في أوكرانيا، من خلال العمل وفق مبدأ أن القوة الساحقة ستكون الطريقة الصحيحة لحسم قضية تايوان لصالحها. وعليه، أكد مسؤولو وزارة الدفاع الأميركي أن فرض أمر واقع من قبل الصين ضد تايوان يشكل خطراً حقيقياً وملحاً. وفي الوقت نفسه، هناك أسئلة جدية حول قدرة الولايات المتحدة بالفعل على الفوز في هذه الحرب. ولأن إدارة بايدن أشارت إلى أن الولايات المتحدة ستدافع عن تايوان، فإن المصداقية الأميركية في آسيا ستكون مرتبطة بمصير تايوان، خصوصاً أن الرئيس نفسه أشار في ما لا يقل عن ثلاث مناسبات منفصلة إلى أن الولايات المتحدة ستدافع عن تايوان.

لم تقتصر هذه التصريحات على المستوى السياسي، بل وصلت إلى الجانب العسكري، حيث حددت استراتيجية الدفاع الوطني للإدارة لعام 2022 الصين باعتبارها الأولوية القصوى لوزارة الدفاع. وأكد "البنتاغون" التزامه بالقدرة على إنكار قدرة الصين على شن مثل هذا الهجوم بنجاح. وفي الوقت نفسه، أكد كبار المسؤولين، بمن فيهم كاثلين هيكس، نائبة وزير الدفاع، والجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة، أن استراتيجية الإنكار هي أفضل طريقة للتعامل مع التهديد الذي تشكله الصين على تايوان.

لكن هنا تكمن المشكلة، حسب الصحيفة، إذ لا يبدو أن خطط إدارة بايدن للتعامل مع الأزمة، تتطابق مع خطاب إنكار "الغزو الصيني لتايوان". ويبدو أن الفجوة كبيرة بين الكلمات والأفعال، وهذا ما يظهر من خلال دراسة أربع نقاط: إنفاق المزيد على الدفاع، تحويل الجيش الأميركي ليكون أكثر ملاءمة لمواجهة الصين، استخدام القوة بطرق أكثر تركيزاً على التهديد الذي تشكله بكين، وأخيراً جعل حلفاء الولايات المتحدة يساهمون أكثر، بشكل مباشر أو غير مباشر.

إنفاق المزيد
إنفاق المزيد على الدفاع من شأنه أن يمنح الجيش الأميركي المزيد من الموارد للتصدي للتهديد الصيني، لكن يجب الالتفات الى أن اقتصاد الصين "يقزم" اقتصاد "ألمانيا النازية" أو "امبراطورية اليابان". كما يجب أخذ العلم بأن الصين زادت الإنفاق الدفاعي عاماً تلو آخر، بنسبة 6 إلى 10% على مدى ربع قرن. وقد حافظت بكين على هذه الزيادات في الإنفاق، حتى في ظل تباطؤ النمو الوطني في السنوات الأخيرة. وتبلغ النفقات الدفاعية لبكين الآن ما لا يقل عن ثلث ميزانية الدفاع الأميركية. وفوق ذلك، تتمتع الصين بمزايا عدة، منها اللحاق بالركب التكنولوجي، وانخفاض تكاليف الموظفين، وتركيز الاهتمام على تايوان وغرب المحيط الهادئ، وهو الأمر الذي من شأنه أن يقلل من ميزة الولايات المتحدة المتمثلة في الإنفاق الدفاعي الأعلى، إسمياً على الأقل.

وعلى الرغم من القوة العسكرية المتنامية للصين، إلا أن طلب ميزانية الدفاع لإدارة بايدن للسنة المالية 2023 تم تحديده دون معدل التضخم. في الواقع، اقترحت إدارة البيت الأبيض تقليص ميزانية الدفاع، على الرغم من أن "الكونغرس" عززها لعام 2022، ويبدو من المرجح أن يفعل ذلك مرةً أخرى لعام 2023. وبالتالي، لا يبدو أن تحديد الأولويات هذا يحدث. في ضوء ذلك، يمكن الاستنتاج أن الإدارة الأميركية لم تأخذ بشكل رئيسي، خيار إنفاق المزيد على الدفاع لمعالجة التهديد الصيني.

تضاؤل قدارت الجيش
يعاني الجيش الأميركي من عدم تمويل "البنتاغون" ما يتطلبه تطوير امكاناته اللازمة. على سبيل المثال، انتقد "الكونغرس"، في العام الماضي، وزارة الدفاع لمحاولتها استخدام الأموال من مبادرة ردع المحيط الهادئ (PDI)، القائمة على تحسين قدرة الولايات المتحدة للدفاع عن تايوان، لتمويل البرامج التي لم تكن حتى على قائمة المتطلبات المهمة. وفي الوقت الذي أوضحت فيه الحرب الروسية في أوكرانيا أن الذخائر الحيوية ضرورية، إلا أن "البنتاغون" لا يزال يكابد على مستوى امتلاك الذخائر الرئيسية بمستويات غير كافية. مثلاً، تفتقر مخازن القوات البحرية والجوية الأميركية إلى صواريخ مضادة للسفن بعيدة المدى. كما أن القوات البحرية لا تملك تمويل شراء صواريخ "SM-6" أو ألغام البحرية، حسب الصحيفة.

وفوق ذلك، أكد رئيس العمليات البحرية الأميركي، مايكل جيلداي، أن قواته خفضت القدرة الضاربة لديها من خلال تجريد نفسها من الطرادات والمدمرات والغواصات، على الرغم من عدم امتلاكها أي قدرة معقولة على استبدالها لسنوات مقبلة.

كذلك، أشار الخبير الاستراتيجي الدفاعي أندرو كريبينفيتش إلى أن القوة المشتركة لا تملك مفهوماً عملياتياً مناسباً لمواجهة ما تملكه الصين من قدارت عملياتية ضخمة. وفي حزيران/يونيو، كتب ديفيد أوشمانيك، النائب السابق لمساعد وزير الدفاع: "لا القوة اليوم ولا القوة التي ستوجد في عام 2027، لديها القدرات التي يتطلبها مفهوم مواجهة بلد لحجم الصين.

تشتت القوات الأميركية حول العالم
نقاط ضعف أخرى برزت في الفترة الأخيرة لدى الجيش الأميركي، وأهمها، حسب الصحيفة، أن قواته العسكرية مشتتة بعيداً عن منطقة المحيطين الهندي والهادئ. مثلاً، زادت الإدارة القوات الأميركية في أوروبا من 60,000 في عام 2021 إلى أكثر من 100,000 الآن، وهو ما يصب في مصلحة الصين، إذا ما حصل معركة مباشرة بينهما. وعلاوةً على ذلك، ووفقاً للجنرال كريستوفر كافولي، قائد القيادة الأوروبية للولايات المتحدة، من المرجح أن تظل هذه المستويات على الأقل حتى وقف الحرب الروسية في أوكرانيا. وبالنظر إلى أن الإدارة قد حكمت سابقاً بأنه من المرجح أن تطول الحرب هناك، فإن هذا قد يعني بقاء القوات "إلى أجل غير مسمى".

حلفاء واشنطن لا يساندونها
تحتاج الولايات المتحدة الأميركية إلى مساندة حلفاءها حول العالم سواء في آسيا، أو في مسارح أخرى مثل أوروبا والشرق الأوسط، من أجل تركيز قدراتها أمام الصين، لكن هو ما لم تحصل عليه. بدايةً، لم يقم الحلفاء الأوروبيين بدور أكبر في الدفاع التقليدي عن حلف شمال الأطلسي. كما أنهم لم يرفعوا مستوى الإنفاق الدفاعي المتوقع لديهم، على الرغم من السعي لرفع الناتج المحلي الإجمالي لكل بلد، من 2% إلى نسب أعلى، وهذا ما لم يحصل، بل ظلَّ طموحاً أميركياً لم يتحقق. ومن خلال عدم تولي الحلفاء مسؤولية أكبر في أوروبا والشرق الأوسط، حسب تعبير الـ"فورين أفيرز"، فإن "البنتاغون" لا يزال بعيد كل البعد عما يتطلع إليه في شرق آسيا.

الكتابة على الحائط
من خلال هذه المعايير، يمكن أن يظهر بشكل واضح، عدم تطابق جوهري بين الأهداف المعلنة للإدارة وتقييم التهديد للتصدي له. وحتى الآن لا يزال غير معلوم، ما إذا كانت الصين ستهاجم تايوان في هذا العقد، ولكن من المرجح أن بكين ستضرب بقوة إذا خلصت إلى أنها ستنجح في عمليتها. وتشير عوامل مهمة إلى أنها قد تخلص إلى أن هذا العقد قد يكون العقد الأكثر ملاءمة لتحقيق هذا الهدف. وعليه، بتركيز الولايات المتحدة على المستقبل البعيد فقط، فإنها ستقاسي إذا ما حصل أمر ما بالمدى المنظور.

استراتيجية الدفاع ليست مسألة قصيرة الأجل، خصوصاً أن القرارات المتخذة الآن غالباً ما تستغرق سنوات، إن لم يكن عقوداً، حتى تؤتي ثمارها. وبناءً على ذلك، إذا لم تتحضر الولايات المتحدة الآن، فإن النتيجة في المدى القريب أو البعيد لن تكون لصالحها.

"خلال الحرب الباردة، قدمت واشنطن تفسيرات علنية مفصلة وصارمة للغاية لاستراتيجياتها لردع ما أسمته "العدوان السوفياتي"، وفق الصحيفة. اليوم، بات الإعلام الأميركي يلح على الإدارة الحالية أن تتعامل مثل سابقاتها، بوضوح وجدية مع شعبها، وإلا يتعين على الأميركيين، حسب الصحيفة، أن يسألوا أنفسهم: "هل هذه هي الطريقة التي ينبغي أن تتصرف بها حكومتهم إذا ما كان هناك بالفعل حرباً كبرى مع قوة عظمى تلوح في الأفق؟ بالتأكيد لا".