اعتراف متأخر من الغنوشي بأنه المشكلة وأن الحل في خروجه من المشهد

وصفت أوساط سياسية تونسية حديث رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي عن استعداده للتخلي عن رئاسة الحركة إذا كان ذلك سيسهم في حل الأزمة بأنه اعتراف متأخر بأنه سبب المشكلة السياسية في تونس منذ ترشحه لرئاسة البرلمان في 2019، وأن خروجه من المشهد السياسي سيكون بداية الحل.

وقالت الأوساط السياسية التونسية إن الغنوشي يريد لفت الأنظار إليه في هذه الفترة التي تم نسيانه فيها بعد أن تغيرت الأوضاع كليا بنجاح الاستفتاء على الدستور وحصول الرئيس قيس سعيد على شرعية شعبية جديدة في مسعاه لطي صفحة المرحلة السابقة التي قادت تونس إلى الفوضى ومنعتها من البحث عن حلول لأزمتها الاقتصادية والاجتماعية.

وأضافت هذه الأوساط أن عرض الاستقالة من النهضة دون إعلان ذلك بصفة رسمية يظل مناورة لجلب الانتباه وإعادة مناقشة مسائل صارت من الماضي، معتبرة أن استقالة الغنوشي حاليا لم تعد تعني سوى النهضة والغنوشي والمحيطين به، وأن تونس بدأت تسير في طريق أخرى لا تأثير فيها للغنوشي كما كان يحصل في السنوات العشر الماضية، حيث كان يتحكم في تشكيل الحكومات واختيار الوزراء ويضع تونس ضمن الحلف الإقليمي الذي يخدم مصالحه الشخصية ومصالح حركته ويسيء إلى تونس.

وترى الأوساط ذاتها أن الغنوشي يوجه بعرض الاستقالة من النهضة رسائل إلى الخارج للإيحاء بأنه مازال لديه هامش من المناورة، وهو يتحرك كتفاعل مع ما يسمعه من تصريحات خارجية بشأن تونس، وآخرها تصريحات وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن الذي وجه رسائل إلى من أسماهم بـ”أصدقاء أميركا في تونس” وتعهد بدعمهم، وهي تصريحات لم تعد تؤثر على الوضع في تونس، بل هي أقرب إلى تسجيل الحضور.

وبشأن الانتقادات التي طالته بسبب استمراره في رئاسة حركته واشتراط بعض القوى انسحابه، أجاب الغنوشي في مقابلة مع الأناضول بأن “الأحزاب كيانات لها ماكينتها ومؤسساتها هي التي تحدد سياساتها وقياداتها”.

وأضاف “رئاسة الحركة ورئاسة المجلس أو أي رئاسة أخرى هي أمر هين وقليل أمام مصلحة تونس، ولذلك لو تقدم لنا أي طرف بتسوية للمشكلة التونسية تتطلب هذه التضحية منا فهذا أمر يسير، ولكن أن نبادر نحن بالتنازل عن موقعنا فلمصلحة من ولرغبة من؟”.

وقال مراقبون تونسيون إن الغنوشي يقاوم فكرة اختفائه من المشهد بفعل الأمر الواقع، وإنه يستفيد من علاقاته للظهور في وسائل إعلام خارجية كي يدلي بتصريحات توحي بأنه قادر على المناورة وأنه يمتلك مبادرات، لكن الحقيقة أن الأمر قد حسم، ولم تعد استقالته من النهضة مهمة لأي جهة سياسية داخلية، حتى داخل النهضة لم يعد الأمر مهما بعد خروجها من السلطة.

وأشار المراقبون إلى أن الغنوشي رفض في مرات سابقة دعوات من أطراف سياسية تنادي باستقالته من رئاسة البرلمان ومن رئاسة النهضة، وكان هدفها تنقية الأجواء المتوترة بنزع أحد فتائل هذا التوتر الناتج عن وجود الغنوشي المرفوض على نطاق واسع داخل البلاد، من قوى دستورية ويسارية ومجتمع مدني وحقوقي، وحتى من داخل النهضة.

وكان قياديون سابقون في النهضة قد حثوا الغنوشي على الاستقالة وفتح الطريق أمام جيل جديد من القيادة يكون قريبا من الناس، وفي سياق تجديد القيادة كما تقتضيه الديمقراطية التي يتبناها الغنوشي ويدافع عنها في تصريحاته، لكنه رفض خاصة في ظل اتهامه بتعمد تأجيل مؤتمر الحركة خوفا من صعود قيادة جديدة مناوئة له، ما اضطر العشرات من الوجوه الفاعلة في النهضة إلى الاستقالة وبحث تشكيل حزب جديد.

ويعتقد المستقيلون من الحركة أن الغنوشي مثل عقبة أمام الخروج من الأزمة منذ ترشحه للبرلمان بعد انتخابات 2019، ليس فقط في العلاقة مع الرئيس سعيد، وإنما أيضا مع حلفاء تقليديين للحركة يرون بقاءه إذكاء للخلافات، وهو الموقف نفسه الذي بات سائدا لدى أغلب أنصار الحركة وجزء كبير من قياداتها العليا والوسطى.

وبعد إجراءات 25 يوليو 2021 أصدرت حركة النهضة بيانا أوحت فيه بأنها فهمت الرسالة الشعبية، وأنها مستعدة للتفاعل معها، وأنها ستكون “مرنة في البحث عن أفضل الصيغ لإدارة البرلمان وضبط أولوياته وتحسين أدائه، حتى يستأنف أدواره قريبا ويسهم في إعداد البلاد لانتخابات مبكرة”، وهو ما اعتبره نشطاء سياسيون ومراقبون تمهيدا لإقالة الغنوشي إذا حصلت الحركة على ما تريده من وراء ذلك.

وأكد عبداللطيف المكي، القيادي البارز في شق المعارضين للغنوشي، في لقاء تلفزيوني أن “رئيس البرلمان مستعد للتنازل عن رئاسة البرلمان في حال وجود حل جماعي لعقدة المسار الديمقراطي”.

وكان عدد من القياديين البارزين في الحركة قد حثوا على اتخاذ خطوات عاجلة لتغيير صورة الحركة بين أنصارها ولدى التونسيين بعدما ارتبط اسمها بالفشل الحكومي واتهامات لها بتوفير غطاء للفساد. ومن بين هذه الخطوات إحداث تغييرات في القيادة، ولا يقتصر الأمر على استقالة الغنوشي، إنما يشمل أيضا إقالة المكتب التنفيذي ودفع أسماء صارت مكروهة شعبيا إلى التراجع عن تصدّر الواجهة مثل رئيس مجلس الشورى عبدالكريم الهاروني.

ودعت مجموعة من شباب الحركة، من بينهم نواب في البرلمان وأعضاء في المكتب التنفيذي وأعضاء في مجلس الشورى وأعضاء في مكاتب مركزية ومحلية وأعضاء في مجالس بلدية، الغنوشي إلى “تحمّل المسؤولية كاملة بخصوص التقصير في تحقيق مطالب الشعب وتفهّم حالة الاحتقان والغليان”.