التطاول الإسرائيلي على سورية.. استضعاف أم استدراج للحرب ؟

تخطت إسرائيل في سورية الخطوط الحمر وجاوزت كثيراً ما سمي بقواعد اللعبة وحدود المناورة.
الأستهدافات تركزت على مواقع الجيش العربي السوري ومنشاته، ثم على المرافئ، وبعدها بصلافة على مطار دمشق الدولي ومطار حلب وكلاهما مدنيان.
بداية يمكن الجزم بالقطع أن الأعتداءات تطال هيبة سورية، وسيادتها، وكرامتها الوطنية، التي طالما تغنت بها، وكانت أحد أهم مرتكزات دورها وثباتها، وصمودها الأسطوري ، وخوضها الحرب العالمية العظمى، التي تعرضت لها، وتنتصر فيها، لتسهم في تغير ما حولها في الأقليم والعالم. 
وسورية بقيمها والتزاماتها وبرغم ما دفعته من أثمان تنوء تحتها دول عظمى وأمبراطوريات كبرى، لم يفارقها التصميم على تحرير الجولان، التي تعتبرها وسطها وفلسطين جنوبها، كما كان يردد الرئيس الراحل حافظ الأسد في السر والعلن، ولم يكن يوماً هدف سورية الجولان بلا فلسطين.
الأعتداءات الإسرائيلية التي وصفت بتكتيك المعارك بين الحروب، بذريعة أستهداف الخبراء الإيرانيين، وفصائل المقاومة ، التي هبت لمناصرة سورية الدولة والشرعية، وبموجب تحقيق سيادتها فشلت ذريعاً ، وجاءت بعكس ما سعت اليه إسرائيل، فبات حزب الله يصنع المسيرات النوعية ويجعل الصواريخ كلها دقيقة.
فإسرائيل تكذب بسفور عندما تزعم إنها تستهدف مواقع، أو شحنات إيرانية، أومواقع لفصائل المقاومة، فقد اثبتت إيران والمقاومة انها ردت على استشهاد خبرائها ومجاهديها، ومازالت إسرائيل وجيشها تقف على رجل ونص، بانتظار رد حزب الله على استشهاد أحد مجاهديه السنة المنصرمة في محيط مطار دمشق.
اذن:
إسرائيل تعتدي عن سبق تصور وتصميم على سورية ومنشاتها المدنية والعسكرية، وتستهدف مرافئ ومطارات مدنية، وهذه تعني في ظروف عادية ، إعلان وكسر مرحلة اللا حرب واللا سلم ، منذ حرب تشرين وحرب الإستنزاف وجبل الشيخ.
لماذا تجرؤ إسرائيل على سورية بصلافة وتحد ؟  وهي أعجز من أن تتحرش بحزب الله وبغزة؟
ولماذا لم ترد سورية برغم وقائع وحقائق الواقع، وموازين القوة ، التي يقر بها غالبية الباحثين، والاستراتيجيين ، باختلالها لصالح محور المقاومة، وتقر به إسرائيل وقياداتها ومراكزها للخبرات والأبحاث.
والأمر يؤكده ويكرر تأكيده صاحب الوعد الصادق، وقائد الانتصاراتـ، السيد حسن نصرالله ، وقد قالها مرات وأعادها ويعيدها دوماً؛ المقاومة ومحورها جاهزون لجعل تحدي الحرب فرصة لتحرير القدس وسنصلي فيها.
وذات العناوين يثيرها يومياً ويصرح بها قادة إيران وضباطها وخبرائها، حتى انك تسأل نفسك،  ولماذا يتركون اسرائيل تبلطج وتعتدي؟ ومتى سيتحول وعدهم وكلامهم الى فعل ممارس؟
على ماذا تراهن إسرائيل؟
من غير المنطقي القول ان إسرائيل تستدرج حرباً مع سورية لاستعادة قوتها الردعية، بعد أن انهارت في لبنان، وغزة ، مع فصائل المقاومة، وفي جميع الحروب وفروعها.
وإسرائيل تعرف أن إيران والمقاومة التي هبت لنصرة سوريا وتحملت الاعباء والتضحيات الجسام بلا حساب، من غير المنطقي، وليس معقولاً،  أن تتخلى عن سورية في حالة الحربـ بل أعلنها السيد نصرالله، مراراً ، ان محور المقاومة، في الخندق الواحد، والحرب ستشمل مختلف المسارح والساحات والجبهات.
إذاً لم تك إسرائيل في وضع يجيز لها استدراج الحرب، التي تعرف نتائجها والتي بحسب وعد قادة المقاومة  ستنهي وجودها... اذن ماذا تفعل؟ 
تغامر تحت ضغط أزماتها الداخلية وصراعات قبائلها...؟؟  ربما ...!! لكنها تنتحر وتستعجل نهايتها.
هل تستوطي حيط سوريا وتحولها الى مكسر عصاها برهان انها على درجة من الضعف والانشغال بأزماتها وحروبها شرقا وشمالاً مع التركي والأمريكي والعصابات المسلحة وتالياً تمارس هواية تنفيس احتقاناتها وترهب سورية ومحور المقاومة؟! والقائلين بهذا يزعمون بوجود تفاهمات إسرائيلية روسية على تفكيك قوة إيران في سورية وتالياً في لبنان والعرب، والبعض يذهب أبعد بافتراض ان تفاهمات بين القيادة السورية والسعودية  برعاية امريكية وشراكة مصرية يجري بموجبها تأهيل سورية للتطبيع والتخلي عن قيمها وثوابتها بذريعة ما بلغته من انهاك ومن أزمات أقتصاديةـ إجتماعية حادة، وما يعانيه جيشها من انهاك وضعف.
هذه الافكار والاطروحات لا تستحق المناقشة والبحث، فلا الروسي مضطر أو صاحب مصلحة بالغدر بسوريا وحلفها والتخلي عن مصالحه في إيران ومعها، ولا إيران وسورية ومحور  المقاومة على تناقض وصراع قد يدفع بسوريا الى مثل هذه الخيارات، والأهم أن خيار التفريط والخيانة والتطبيع قد سقط وانكشف على عوراته وأزماته، ناهيك عن أن سورية قاتلت بوعي وببسالة وكانت قد رفضت عروض مجزية فكيف بها وهي وحلفها والمحور العالمي الصاعد بدفع من تضحياتها في حقبة الصعود على حساب تراجع وتأزم الغرب ومشاريعه والأزمات تضرب إسرائيل.
 التحرشات الإسرائيلية قد تكون لحسابات وأهمة أو لقراءات خاطئة لميزان القوى والتحولات، ومؤكد بدوافع الهروب من الأزمات الداخلية وبدوافع الأوهام بعودة العجوز الى التصابي.
قد لا يكون في حساب إسرائيل إنها ولا  أحد في الكون يمكنه منع تدهور الأمور وصولاً لاستدراج المواجهة التي وعد السيد نصرالله بتحويلها إلى تحدي تحرير القدس.
أما الاحتمال الأرجح، فيشر اليه ما تسرب منذ فترة ويجري تداوله على نطاق وأسع:  من أن محور المقاومة حزم أمره وأعد عدته ويستكملها ليبدا حرب تحرير فلسطين وتغيير خرائط المنطقة، والاقليم وتغيير جدول أعمال القوى العالمية وخططها ومسارات مستقبلها، والتسريبات تشير إلى أن موعد الحرب قد يكون في  تشرين، وأن التوقيت مرتبط بعدة أمور: بلوغ إيران درجة تصنيع القنبلة النووية، وأمتلاك سلاح الردع لمنع إسرائيل حتى من التلويح بها، والأمر الأخر استكمال الأستعدادات العملانية وتامين المسرح والذريعة واستغلال متقن لأزمات إسرائيل وحلفائها، وانشغالاتهم فإسرائيل تكون منشغلة بعاصفة الانتخابات. وأمريكا تكون غارقة بالانتخابات النصفية العاصفة وأوروبا تبدا بحصد نتائج خضوعها للإملاءات الأمريكية في الحرب الاوكرانية.
 والمرجح عند الخبراء بدء انهيار المنظومات المالية والاقتصادية للاقتصاد الأمريكي والـوروبي وتوابعهما.
من غير المستبعد ان ‘سرائيل  تيقنت من ان الأستعدادات جارية بوتائر متسارعة تحضيراً لحرب اقتلاعها، ويرجح هذا للاحتمال جواب الرئيس الأسد لزواره عندما سأله احدهم: متى سترد سورية عملياً؟ وتسقط مقولة الزمان والمكان المناسبين؟ قال؛  لماذا سورية معنية بالرد على الرد؟  فإسرائيل هي التي ترد وتحاول تعطيل وابطاء ما بلغته سورية وحلفها من تعاظم القوة كماً ونوعاً، ودعاة هذه التسريبات يشيرون إلى واقعة أن سورية لم تطلق عملية إعادة الأعمار برغم تحرير مناطق منذ ٢٠١٢ عن سبق تصور، يقول بان الدمار قد وقع وان لاخلاص لسورية والعرب والأقليم من الحروب والتخلف والتجزئة إلا بإنهاء ظاهرة إسرائيل وكسر أعمدة مشاريع الغرب وقوته لانهاك المنطقة والعالم وما دامت الحرب آتية فلما الإعمار، وهذه رؤيا تتطابق مع رؤية القيادة الإيرانية وعناوينها الكبيرة منذ إنتصار الثورة.  
 كما يتعزز هذا الاحتمال في مسارات الضغوط الحادة التي مارسها بوتين وتمارسها إيران بصفتيهما ضامنآ اتفاقات استانا لإلزام تركيا بسحب قواعدها من الأراضي السورية وتصفية المجموعات الإرهابية، وما شرط تركيا بالمقابل بضبط حزب العمال الكردي ، وحل مشكلة اللاجئين إلا تأكيداً لتفاهمات إيرانية روسية تتقاطع مع مصالح وحاجات تركيا ورئيسها أردوغان الساعي بكل الوسائل والطرق لتامين بقائه وحزبه في السلطة التي يتهدده السقوط تحت ضغوط الأزمات الاقتصادية والإجتماعية ، وتصاعد أزمة اللاجئين السوريين في تركيا وبات حل أزمتهم شرطاً  لاحتفاظ أردوغان وحزبه بالسلطة في إنتخابات ٢٠٢٣ م . بينما الشروط السورية معروفة ومكررة ومعنى ان يسعى أردوغان لمصالحة سورية وتلبية شروطها أنه نفض يده من الأمريكي وأنه حاضر لتيسير الأعمال العسكرية التي تستهدف قواعد الاحتلال الأمريكي التي تصاعدت أخيراً بمبررات الرد على الاعتداءات الإسرائيلية ذاتها.
 أضافة الى أن تلبية أحد شروط تركيا بتقييد حزب لعمال الكردستاني يستوجب اسقاط قصد وتوجيه ضربات مؤلمة للقواعد الأمريكية لدفعها للانسحاب والتخلي عن حلفائها وتركهم في العراء كما فعلت في افغانستان وغيرها.
هكذا يمكن فهم الصبر السوري. ويمكن تفسير الجرأة الإسرائيلية، وتصاعد أعتداءاتها وأستهدف المرافئ المدنية.
فغاية إسرائيل تأخير الاستعدادات للحرب أو استعجالها قبل أوانها، أو استدراج أمريكا وحلفها للانخراط بها قبل ان يغرقوا بانشغالاتهم وأولوياتهم،  وبين الأهداف الضغط على سورية لمحاولة احتوائها بالتشارك مع حلفاء إسرائيل وأمريكا لفك العلاقة مع المقاومات وإيران، بالرهان على عنف وتفاقم الأزمة الاقتصادية الإجتماعية في سورية التي يتسبب بها الحصار وسياسات خاطئة، وتلكؤ السعودية والإمارات ومصر عن الانفتاح على سورية وتأجيل دعوتها لقمة الجزائر لتطبيع العلاقات وعودتها الى مجاريها.
هل ستنجح اسرائيل وحلفها باستخدام الجزة والعصا في وجه سورية لفك العلاقة مع إيران والمقاومات؟
الجواب؛ بالتأكيد والثابت انه حلم إبليس بالجنة فقد سبق السيف العذل.
هل يستدرج محور المقاومة للحرب قبل أتمام التجهيز وتوفير الظروف والشروط والأزمنه المناسبة؟
ليس مستبعداً فان تطاولت إسرائيل أكثر ومست بالخطوط الحمر لا شيء يمنع من اندلاع الحرب، وقد يستعجلها شرارة من الضفة وفلسطين ال٤٨ التي تتصاعد مقاومتها المسلحة وتنذر بانفجار كبير، يرتهب الإسرائيليون لمجرد تخيله.
وقد تستدرج الحرب وتستعجلها شرارة الترسيم والمماطلة الأمريكية الإسرائيلية والمناورات التي يمارسها هوكشتاين، فقد التزم السيد حسن نصرالله شخصياً بإنجاز الأنتصار، والتحرير الثالث، باستعادة السيادة ، وحماية القرار الحر، والشروع باستثمار الثروات ، وتحرير البحر ، أسوة بالأرض أستعداداً لحماية الجو ، ولو تطلب الأمر الحرب، وحدد للمفاوض الأمريكي  وللإسرائيلي ٤ أسابيع مرت بكاملها وبات الزمن يحسب بالساعات وليس بالأيام والأسابيع.
أحداث عاصفة وتطورات نوعية تعدنا بها الأيام القادمة ، ومسارحها وساحاتها مفتوحة، وفي كل الجغرافية ، فالباطل استنفذ قدراته، ودوله بلغت ذروة الازمات والعجز، وإسرائيل التي ترتهب من أصبع السيد حسن نصرالله، وتحتسب لانفجار غزة وتتحسب لانتفاضة عارمة ومسلحة في الضفة وفلسطين ال٤٨، تقامر بمستقبلها وبقائها عندما تغامر وتكسر قواعد اللعبة والخطوط الحمر في سورية .
فللصبر حدود وسوريا ومحورها في حالة جهوزية ويستكمل الجهد  تحضيراً للحرب التي ستنقل محور المقاومة من حقبة الدفاعية إلى استراتيجيات الهجوم.

قراءة : ميخائيل عوض - خبير وكاتب سياسي