هل الهدنة كافية للذهاب باليمن نحو سلام شامل؟

 السؤال الذي يطرح نفسه بعد قراءة مسار الأحداث الإقليمية والدولية ذات العلاقة بالحرب في اليمن خلال الأيام الأخيرة: هل ما يمكن تسميته بالإجماع الأوروبي الأمريكي الأممي على المضي نحو التسوية السياسية يؤكد أن العالم وصل إلى قناعة تامة باستبعاد الحل العسكري؟ وهل الهدنة حل كاف للذهاب لوقف شامل لإطلاق النار وعملية سلامة شاملة؟

قبل انهيار الهدنة في الثاني من تشرين الأول/اكتوبر لم تتوقف جهود المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، هانس غرندبرغ، في إجراء مشاورات (غير رسمية) في عدد من العواصم في المنطقة، وفي مقدمتها العاصمة العمانية مسقط، والتي يحاول من خلالها ايجاد منطقة مشتركة لطرفي النزاع، يمكن البناء عليها باتجاه تجديد الهدنة، التي يبدو معها المجتمع الدولي وكأنه بات أكثر يقينًا بأن الهدنة هي الوسيلة الوحيدة للمضي بالبلد إلى ايقاف شامل لإطلاق النار وفتح الطرقات الداخلية ورفع الحصار عن مطار صنعاء وميناء الحديدة وتنويع وجهات الطيران وضمان دخول سفن إمدادات الغذاء والنفط بسلاسة، بالإضافة إلى الوصول إلى حل (متفق عليه) بشأن مرتبات الموظفين والمتقاعدين في مناطق سيطرة جماعة الحوثيين؛ وهي النقطة التي أثارت خلافًا تعثر بسببه تجديد الهدنة؛ وهو ما أرجعه طرف الحكومة المعترف بها إلى اشتراط صرف مرتبات العسكريين «دون تمييز» هو ما رفضته الحكومة.

لماذا الهدنة؟ ولم يظهر العالم موقنا باستحالة الحسم العسكري؟

ربما تأكد للعالم في السنوات الماضية أن استمرار الحرب في اليمن، بات يتسبب، مع استمرار تراجع مؤشر الحسم، بتمددها وتطور أدواتها وتعقيد وضع البلد معها، بالإضافة إلى تهديد الإقليم وطرق الملاحة، وقبل ذلك تقسيم البلد مع استمرار تفريخ الميليشيات الأمر الذي دفع اللاعبين الدوليين إلى إعادة قراءة الرؤى والعوامل من جديد في علاقتهم بالحرب هناك، وهو ما أصبح معه الحسم العسكري مستحيلا؛ لعوامل كثيرة منها: 

بنية المجتمع الدينية وطبوغرافية المكان علاوة على تعقيدات خلفية المجتمع الاجتماعية والثقافية، علاوة أن الأزمة الإنسانية الأسوأ في التاريخ الحديث، مستمرة في التمدد والتصاعد هناك وصولاً إلى مؤشرات مأساوية وترشحها لأن تكون تهديدا قد يصبح معه الحرب وجهة لكثير من السكان في حال وصلت البلد إلى نقطة الانهيار الشامل؛ وهو قد يمثل مصدرا لاستدامة الحرب وتطورها وبالتالي استعصاء احتوائها، لدرجة بات تأثيرها مرشحًا للتمدد إقليميًا لاسيما مع التحول الخطير الذي شهدته عقب انهيار الهدنة وتحول هجمات جماعة الحوثيين بالطائرات المسيرة إلى موانئ نفطية في محافظتي حضرموت وشبوة /شرق. وكانت هجمات الطائرات المسيرة قد استهدفت قبل الهدنة مناطق حيوية في العمق السعودي.

حرب روسيا على أوكرانيا وتداعياتها العالمية ألقت بظلالها على الحرب في اليمن، وعزز ذلك من قناعة اللاعبين الدوليين بضرورة إيقاف هذه الحرب، خوفًا من تمدد تأثيرات الأزمة الروسية الأوروبية لتشمل طرفي الحرب في هذا البلد، لاسيما في حال استأنف الحوثيون هجماتهم بالمسيرات باتجاه العمق السعودي، وهو ما سيمثل تهديداً إضافيًا لإمدادات الوقود العالمية، في ظل ما يعانيه الأوروبيون من أزمة في الوقود.

لا يعني ذلك انتفاء فرضية أن هذه الحرب يمنية خالصة، بل هي إقليمية، ولها مصالح وعوامل دولية واضحة لا يمكن تجاوزها؛ لكن يبدو أن المجتمع الدولي وصل إلى مرحلة – حسب مراقبين- رأى فيها أن يتراجع خطوات (محدودة) للخلف، في محاولة لاحتواء الوضع الذي تمدد بمستويات لم تكن في الحسبان، بل كانوا يرون العامل الزمني أقصر مما ذهبت إليه الحرب، لاسيما وقد صارت الأزمة اليمنية ضمن ملفات التفاوض الأمريكي الإيراني وجزء من وسائل الضغط، علاوة على الأطماع بالموانئ والمواقع الاستراتيجية على طريق الملاحة الدولية داخل البلاد، والتي أصبح معه الواقع الداخلي أكثر احتقانا وتعقيدا ويصعب معه التنبؤ بمواقفه لاحقا.

عقب انهيار الهدنة أخذ الموقف الدولي المؤيد لتجديدها يتسع، وشمل دولاً مؤثرة كبريطانيا التي تمسك قلم اليمن في مجلس الأمن والولايات المتحدة، والمفاجئ في ذلك هو موقف المملكة العربية السعودية على الأقل المواقف الصادرة عن مؤسساتها الدبلوماسية، والتي تذهب باتجاه تجديد الهدنة وخفت معه لهجة التصعيد.

وسبق أن أكدت الخارجية الأمريكية في بيان مستهل تشرين الثاني/نوفمبر أن «السبيل الوحيد لإنهاء ثماني سنوات من الحرب المدمرة هو من خلال وقف دائم لإطلاق النار وتسوية سياسية تسمح لليمنيين بتحديد مستقبل بلدهم».

كما جاء لقاء وزيري خارجية الولايات المتحدة، انتوني بلينكن، وسلطنة عمان، بدر البوسعيدي، في التاسع من الشهر الجاري، مؤكداً بوضوح استحالة الحسم العسكري في اليمن، معتبرين أن «الحل السياسي هو الذي يمكن أن يعالج الأزمة الإنسانية الأليمة في اليمن ويحقق مستقبلا أكثر استقرارًا وازدهارا». ودعا الجانبان إلى تمديد شامل للهدنة، وإطلاق عملية سياسية شاملة «تسمح لجميع اليمنيين بتقرير مستقبل بلادهم».

وهو ما سبق وأكدته تصريحات أوروبية ذهبت إلى اعتبار التسوية السياسية هي الحل الوحيد، مؤكدة دعم كافة الجهود التي تفضي إلى تجديد الهدنة. وفي هذا السياق أعلن، الخميس، عن توقيع اتفاق بين الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة دعمًا لجهود إنهاء الحرب والعمل باتجاه التسوية السياسية التفاوضية السلمية، التي تنهي الصراع المستعر في البلاد منذ أكثر من سبع سنوات.

وقالت بعثة الاتحاد لدى اليمن، في تغريدة على موقع التدوينات المصغر «تويتر» الخميس، إن رئيسها السفير غابرييل مونويرا فينيالس، وقع اتفاقية مع هانس غروندبرغ، المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن، دعماً لعمله من أجل ‎تحقيق السلام في البلاد. مؤكدة دعم كل الجهود من أجل الوصول إلى حلول تفاوضية للصراع وإحلال السلام في ‎اليمن.

علاوة على ذلك ثمة تفاوض تجاوز المبعوث الأممي إلى تسريبات تتحدث عن تفاوضات حوثية سعودية مباشرة، بشأن ترتيب ملفات تمثل عائقا باتجاه السلام. وما يمكن قراءته تحولا يعكس نوايا لإغلاق ملف الحرب في حال صدقت تلك التسريبات وما يسندها من ارادات.

ما يمكن أن نشهده في الأيام المقبلة – وفق توقعات متابعين للشأن السياسي اليمني- هو أن تتراجع حدة الخطاب بين طرفي النزاع كتمهيد لاعتراف كل منهما بالآخر وخطوة هي وحدها ستمثل حلا لإيقاف الحرب، لكن ذلك التوقع يبدو تحققه صعبا على الأقل في الفترة الراهنة في ظل ما ييدو كحالة عدم يقين أو غياب ثقة بين الأطراف، لاسيما في ظل تداخلات العامل الإقليمي وتمدده في الداخل من خلال الميليشيات التي بات بعضها يهدد بتقسيم البلاد من خلال مطالبات واشتراطات ما يُعرف بالمجلس الانتقالي الجنوبي (الانفصالي) المدعوم إماراتيا.

وفي الأخير، نعود للسؤال: هل الهدنة كافية للذهاب باليمن نحو السلام؟

بالنظر إلى ما حققته الهدنة في الشهور الستة التي شهدت توقيعا عليها وتجديدا لها حتى تعثر تجديدها في مستهل تشرين الأول/أكتوبر فإن النتائج كانت محدودة جداً، وبخاصة على صعيد عمليات الإغاثة والتخفيف من المعاناة الإنسانية مع احتياج أكثر من 27 مليون شخص للمساعدات.

بقدر ما كانت الهدنة نقطة تحول في الأزمة لم تكن حلا فاعلا لأزمة الناس في ظل بقاء المفاوضات في مستواها الضعيف جدا؛ وهو الضعف الذي تجلى في انهيار الهدنة، وهو ما ذهب معه البعض إلى القول إن الهدنة لا يمكن أن تضمن نهاية الحرب باعتبارها حلا مؤقتا لأزمة البلد.

لكن يذهب آخرون إلى أن الحل المؤقت هو الكفيل بالمضي بالحرب إلى مرحلة يمكن معها ايقافها؛ فإيقاف إطلاق النار خطوة لابد منها للمضي في اتفاق يمكن معه في كل مرحلة تجاوز مستويات معينة من الخلافات وصولاً إلى تسوية تفضي إلى حل نهائي وسلام مستدام، وهذا لن يتم إلا من خلال مصداقية إقليمية ودولية تدعم جهود تسوية بمشاركة المجتمع المدني اليمني، وتستهدف وحدة وسيادة واستقرار البلد، والتخفيف من المعاناة الإنسانية، وتسهم أيضا في تمويل متطلبات معالجة الواقع التمويلي بما فيها برامج جبر الضرر وإعادة الإعمار ومشاكل الخزينة العامة، وخاصة ما له علاقة بالدين الداخلي، وكل ما من شأنه إعادة الحياة لشرايين الاقتصاد باعتبار ذلك سبيلا لمعالجة واقع الأزمة الإنسانية.

زبدة القول: بدون إرادة سياسية إقليمية ودولية لإغلاق ملف الحرب وتفاعل يمني بكل قواه وأطيافه لحل أزمة البلد لا يمكن أن تكون الهدنة طريقًا يذهب بالبلاد نحو وقف شامل لإطلاق النار وعملية سلام شاملة.

قراءة : أحمد الأغبري