سقط حرف عبدالعزيز المقالح "غريقا في الدماء وأصبح الشعر بكاء"

يكفي أن نتحسَّسَ باب اليمن فنشم في الخشب المبلَّل بالمطر رائحة الدكتور عبدالعزيز المقالح ونصافحه في هرولة العابرين لصنعاء الأئمة والعصور. 
يكفي أن نمرَّ "بدكيكينات" سوق الملح فنرى الدكتور المقالح في وجوه الباعة ونقوش "الجنبيات" ووجوه الملوك المحفورة على العملات القديمة المخبوءة في "التجوريات". 
يكفي أن نطل على سد مأرب فنرى وجهه اليمني في زرقة الماء يفرق شعره ويشد ربطة العنق لتتأنق البدلة فالدكتور المقالح يحضر اجتماعا في المجمع العربي دمشق لحراسة لغة الضاد. 
يكفي أن نقف قبالة الأعمدة الرخامية لمعبد "بران" نتأمل عرش بلقيس وننتظر الشمس ، فيشرق وجْهُ عبدالعزيز المقالح وتُتِمّ ملكة سبأ صلاتها. 
وعلى كثرة زياراتي لليمن لم أقابل الدكتور عبدالعزيز المقالح وجها لوجه إلا في القصر الجمهوري ذات مأدبة أقامها العقيد علي عبدالله صالح لضيفه الخالد الذكر قابوس بن سعيد فكنتُ في طاولة بين جلاسها الشيخ عبدالمجيد الزنداني فيما كان المقالح على بعد طاولتين يوزع ضحكاته وقفشاته وقصائده. 
ولم يسمح المكان ولا الظرف ولا المناسبة لأن أقتحم المسافة المحسوبة بالأشبار  في قاعة المآدب بالقصر الجمهوري والمراقبه بعشرات العيون لأصافحه ، فاكتفيتُ بزيارة "بيت الحجر" في "وادي ظهر" فهو يشبهه في شموخه العابر لجبال اليمن إلى جبال بلاد العرب.  
واكتفيتُ برؤيته في القوافي اليمنية وتعريشات العنب و"مقايل القات". 
 وفي هيبة بيت الشيخ عبدالله الأحمر ونقوش الشال الكشميري لشيخ مشايخ حاشد وفضة خنجره. 
واكتفيتُ بالمرور أمام بوابة جامعة صنعاء فالدكتور المقالح هو الجامعة المتنقلة لصنعاء. 
ورغم أن الدكتور المقالح ليس بصنعاني الولادة والنشأة ، ولكنه أجملَ من سكبَ في مقاماتها الصنعانية شعره وصباباته وتباريحه وهواه. 
جاء إلى صنعاء الكروم ومدرجات الرمان من قرية "المقالح" بمحافظة اللواء الأخضر "أب" تسبقه الأمنيات في أن يرى عاصمة الأئمة صنعاء مختلفة عن بلدته المسكونة هوى "حميرياً" وصبغة "صِلَيْحِيَّة". 
ولم يجد المقالح فارقا يذكر فالشطر الشمالي لليمن الكبير يتكرر في مقايله وشايه ومقاماته وجباله واخضراره وبرودة شتاه. 
وسفحَ المقالح العمر في صنعاء فكان يتشكل كجبل يكبر ويتطاول.
ولما جاء "السبتمبريون" كانوا الأقرب إليه فقربه العقيد علي عبدالله صالح كمستشار له. 
وعايش المقالح الوحدة والانفصال وحروب فرض الوحدة. 
ورأى خصوم "السبتمبريين" يحرقون وجه العقيد فأوجعه الإثم الأكبر بحرقهم لليمن. 
وشهد المقالح سادية الذين يسملون عيني العقيد فكان سملهم لعيني اليمن هو أمّ الخطايا. 
وعايش حرب التحالف والحوثيين فأتعبه رصاص "الفتى النبيل" !!! الذي يجتث تَخْتَ مُلْكِ العرب.  ويكسر سيوف ذي يزن 
ويحرق شجر مأرب ، لتبور أض الجنتين على اليمين والشمال. 
ويطفئ مواقد "السلتة والبرم والمدفون". 
ويقطع وتر "القنبوس الصنعاني" لتتخثر المقامات وتنتحر المواويل. 
وبينما اليمن يتطاحن ترجَّل الشاعر واللغوي والأكاديمي والأديب اليمني الكبير الدكتور عبدالعزيز المقالح من صهوة  "زاد الراكب" في هذا اليوم الصنعاني الرمادي ، ودمعه المرّ يتيبس في عينيه لكيلا يبكي ولكيلا يكمل مع اليمن آخر الشوط:
"مات الشعر والكأسُ انكسر 
لم يعد في العصر للضمئآن ماء
 لم يعد في ليلنا الوحش سمر
 
والسماء 
ما عاد شيء في السماء 
يُلهمُ الشعر قلوب الشعراء
 أجدب الغيمُ 
على افاقنا جف المطر
 
في فيتنام جثث 
في بلادي جثث 
تمشي على هام جثث
 في عيون الناس 
في الشرق وفي الغرب جثث 
حدثُ يأكل أنباء حدث
 
سقط الحرف غريقا في الدماء
أصبح الشعر بكاء 
لم يعد ليل المغنين هُياما
وندامى

ان شربنا 
فدموعا مالحات في الجماجم
أو رقصنا 
فعلى أشلاء مقتول 
على آهات واجم
—————————
 حمود بن سالم السيابي 
مسقط في ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٢م.