دور التعليم في تعميق الأزمة اليمنية

إن الإطاحة بحكومة فاسدة ومستبدة لا يمكن أن تؤدي إلى مؤسسات حرة وبناء دولة نظام وقانون حتى يمر الشعب بفترة طويلة من التعليم، سواء تحت حكم جمهوري أو ملكي  او جمهوريات دستورية ناقصة وربما دكتاتوريات ايضاً.

ومشكلتنا الأساسية في اليمن هي مشكلة التعليم العام، الذي نعاني منه منذ عهد الإمامة البائد الذي كان يعتمد سياسة التجهيل التام وفرض الخرافة والجهل والتخلف. وبعد قيام ثورة 26 أيلول 1962 حاولت قيادة الثورة اليمنية أن ترتقي بالعملية التعليمية، لكنها ظلت تعتمد منهجية لم ترتق إلى حجم التغيير وطموح الشعب، الأمر الذي كرس من جديد سيطرة القوى التقليدية ومعها الدينية الاخوانية على زمام العملية التعليمية والقرار السياسي .

وحتى قيام الوحدة اليمنية في عام 1990 والتي وضع الشعب آماله فيها للإنتقال إلى مرحلة أكثر رقياً واستقراراً وبما يتواكب مع محيطه العربي والإقليمي والدولي، لم يحقق تلك الآمال التي تم وأدها سريعاً.

لتعود القوى المتنفذة بتحالفها مع القوى المتشددة الى السيطرة على الحكم وفرض هيمنتها وثقافتها المتشددة والمتخلفة من جديد، فذابت الأقلية المتنورة المتعلمة في الأغلبية المتصلبة، واتسمت المنهجية التعليمية بالطابع المتخلف الذي فرضته القوى التقليدية والمتشددة، الأمر الذي ذهب بالعملية السياسية التوافقية إلى حالة صراع مستمرة وذلك بعد محاولات كبيرة بذلتها القوى التقدمية للتغيير الذي أحدث تقدما بسيطا انتهى بإغلاق المعاهد  التي كانت تعتمد في منهجها على الفكر المتطرف الذي يصب في مصلحة فصيل معين.

لكن التعليم العام  لم يستطع التحرر من ذلك الفكر لكون القائمين عليه هم أنفسهم من انتقلوا من إدارة  المعاهد إلى إدارته ، ليستمر الصراع من جديد مخلفاً حالة من اللاإستقرار السياسي والفكري والصراع  المغلف بالجهل والفكر الجامد وحالة الانفصام بين القبيلة والدين والصدام مع القوى التقدمية التي تحمل الآمال في بناء الدولة المدنية ولكنها مقيدة من الداخل لعدم امتلاكها المشروع الوطني المتكامل و عوامل القوة المالية والجماهيرية ، لتجد نفسها في تحالف مع القوى التي كانت بالامس حليفاً استراتيجياً في السلطة والتي تحمل بالأساس فكراً ومشروعاً يتناقض تماماً مع فكرها ومشروعها.

ونظرا لحالة الثقافة المتراكمة بين الأجيال والتي تأثرت بالمناهج التعليمة التقليدية والمتشددة والمشبعة بالأفكار المتطرفة، الأمر الذي أثر على القوى التقليدية الممسكة بالسلطة لتنهار أمام تحالف المعارضة التي جمعت كل المتناقضات في 2011 وكانت عبارة عن قنبلة موقوتة فانهارت بعد مرور ثلاث سنوات أمام التحالف الجديد الذي خرج جزء منه من المعارضة للتحالف مع القوة التقليدية والدينية القديمة الجديدة (انصارالله).

 ليعود الصراع وحالة الانقسام واللاإستقرار من جديد، بل و يذهب إلى حالة التدويل، وتستمر معاناة اليمنيين، ويتفاقم وضع العملية التعليمية من سيء إلى أسوأ، ويحرم الأطفال من التعليم وتذهب أغلبيتهم إلى جبهات الصراع، والنتيحة جيل يفتقد لأبسط مقومات الحياة العلمية، جيل يحمل افكارا متناقضة تقوده إلى حالة انقسام وانفصام ما بين الواقع المعاش المتشبع بالأفكار المتشددة والمتصلبة التي تناقض بعضها البعض وبين المحيط العالمي المرتبط معه بالتكنولوجيا.

وها نحن اليوم أمام إشكالية كبيرة تهدد النسيج الإجتماعي وتقضي على ما تبقى من الأسس التعليمية ، فقد أصبح المجتمع اليمني منقسما على حاله من خلال تعليم منقسم تحكمه ايديولوجيات متناحرة وذات نتائج مدمرة، من خلال ما تقوم به من تغيير في المناهج إلى الأسوأ بدلا من التغيير إلى ما يتواكب مع متغيرات العصر واللحاق بالأمم.

ان اليمن يمر بحالة تدمير ممنهج للعملية التعليمية ، فقد صاحب هذه المتغيرات  قطع رواتب المعلمين والعبث بالمناهج ،لينعكس ذلك سلباً على التعليم ، زد على ذلك ايضا التركيز  على الدورات الصيفية التي تستهدف الجيل من خلال التعبئة العامة بأفكار أصولية  لا تخدم القضية الوطنية وإنما تزيد من حالة الجهل والانقسام والتطرف، وخصوصاً أن العملية التعليمية تخضع لوزارتين متناقضتين وحالة صراع سياسي قاتل.

ومع أن الاختلافات السياسية مهما كبرت واستفحلت لا بد ان تصل في الأخير  إلى التقارب والتصالح، فان من الصعب ان يتحقق انسجام التعليم والفكر مع المصالحة السياسية لأنه ، يحتاج إلى فترة طويلة ،و الى قرار سياسي شجاع بتجريد التعليم من كل الأفكار المتطرفة واعتماد منهج تربوي وعلمي يتواكب مع العالم الذي نحن جزء منه ،والالتحاق بالسباق العلمي نحو تكنولوجيا المعرفة . ولن يمكننا تجاوز واقعنا المتردي إلا من خلال التعليم القائم على الأسس الوطنية والمنهجية الحديثة والعصرية ، فمن المستحيل أن تُبنى دولة المؤسسات وتتعايش مع عالم القرن الواحد والعشرين بعقلية وفكر القرن السابع.

أ .  نايف القانص - سفير يمني