لماذا أقحمت دول الشرق الأوسط نفسها في التعددية القطبية؟

"خلافا لرغبة أمريكا، يختار حلفاؤها التعامل مع كل القوى وتجنب دعم طرف على طرف، وهو ما يستدعي استراتيجية أمريكية جديدة أكثر دقة ومواجهة شركاء قد لا يفعلون ما تريدهم منهم".. هكذا خلص تقرير لمجلة "فورين أفيرز"، الذي شدد على أهمية تركيز الولايات المتحدة على مواجهة الصين وروسيا.

ولفت التقرير إلى أهمية تبني أمريكا نهجا أكثر رشاقة وموضوعات محددة في النظام الدولي وتعظيم تأثيرها في عالم متعدد الأقطاب.

وانتقد التقرير الرؤية الثنائية التي تتعامل فيها الإدارة الأمريكية مع شركائها وحلفائها، ورؤيتها في الاستراتيجية الوطنية لعام 2022 من أن الصراع في العالم هو بين الديمقراطية والاستبداد، والميل بناء على هذا للنظر إلى قرارات شركائها على أنها امتحان ولاء لأمريكا.

وتابع التقرير: "المشكلة أن هذه الرؤية لا تشترك بها الدول الحليفة للولايات المتحدة، فالتحالف مع الصين وروسيا وحتى الولايات المتحدة هو خيار، فموسكو وبكين هما وكلاء لا حلفاء".

وأضاف: "في الوقت نفسه تشهد فيه السياسة الخارجية الأمريكية تحولات دافقة في أولوياتها، بشكل يترك الحلفاء بتطمينات ضئيلة حول القضية التي تدعمها واشنطن اليوم ستكون محل اهتمامها غدا وأن دعمها في مجال معين سيؤدي لمعاملة بالمثل في قضية أخرى".

وزاد التقرير: "تتعامل معظم الدول مع التنافس بين القوى العظمى وليس التهديد من طرف واحد كتحد كبير للمصالح القومية"، ضاربا مثالا بالسعودية التي "تتعامل مع  الصين كشريك اقتصادي، وتتعامل مع الولايات المتحدة كحليف أمني".

وخلص إلى أن "الاختيار بين علاقة وأخرى أو تخفيف أخرى سيكون مكلفا، وعليه تحاول السعودية الحفاظ على العلاقة مع الطرفين".

ومن هنا، والحديث للتقرير، تحاول السعودية وبقية حلفاء أمريكا في المنطقة تبني نهج في علاقاتها مع القوى العظمى.

ففي الشرق الأوسط وحده، البحرين والكويت والسعودية وقطر والإمارات هي دول شريكة أو قد تصبح شريكة في منظمة شنجهاي للتعاون التي عادة ما توصف بطريقة مبالغ فيها كبديل عن الناتو.

كما عبرت السعودية ومصر عن رغبة بالانضمام إلى بريكس والتي تضم الصين والبرازيل والهند وروسيا وجنوب أفريقيا، وعبرت تركيا الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط المتحالفة رسميا مع الولايات المتحدة عن رغبة بالانضمام كذلك.

ونقل تقرير "فورين أفيرز"، عن بعض الباحثين مثل "بول باوست" من جامعة شيكاجو، قولهم إن بريكس ومنظمة شنجهاي هي نظام دولي بديل، ومع أن الدول التي تحاول الانضمام إليهما لا تريد الابتعاد عن مجموعة الـ7 والناتو والأمم المتحدة.

"لكن محاولة بناء علاقة مع عالم تتنافس فيه القوى ومن خلال وضع قدم مع الولايات المتحدة وأخرى مع تحالفات متعددة تقودها الصين وروسيا"، حسب "باوست".

ومن خلال تبني هذا النهج تريد دول مثل تركيا والسعودية تقليل الضغوط وزيادة المنافع وسط التنافس بين الدول الكبرى، بحيث لا تجد نفسها أمام مطالب من الصين لدعم سياساتها في هونج كونج وتايوان أو دعم سياسات واشنطن المطالبة بتجنب الاستثمار في شركة هواوي.

وحتى إسرائيل التي تعتبر من أهم حلفاء أمريكا، شاهدت كيف أصبحت علاقاتها مع الصين وروسيا بالنسبة لواشنطن أهم من إيران والفلسطينيين وأصبحت مجالا للاحتكاك.

وعلق التقرير على ذلك بالقول: "رؤية دولة من هذه الدول كشريك مع قوة عظمى يجعلها هدفا للإقناع لا العقوبات".

وضرب التقرير مثالا بتركيا التي خسرت شراكاتها بمقاتلة "إف-35" عندما اشترت النظام الصاروخي الروسي "إس-400"، وكذا الإمارات التي توقفت فيها صفقة "إف-35" مع أمريكا بسبب ترددها بوقف علاقتها الأمنية والتكنولوجية مع الصين.

وتابع التقرير: "ربما حاولت أمريكا فرض شروط على شركائها بالمنطقة بشأن علاقاتها مع الصين وروسيا، لكن هذا لن يكون عمليا، ذلك أن مجمل العلاقات مع هذه الدولتين لا تمثل تهديدا على واشنطن لأنها تجارية".

ووزاد: "بدلا من البحث عن نهج يشبه الفصل أثناء الحرب الباردة، فعلى صناع السياسة الأمريكيين البحث عن طرق لزيادة الفرص للشركاء المحتملين وجعل التحالفات مهمة للشركاء بطريقة لا تجعلهم يبحثون عن بدائل".

واستطرد التقرير: "على الولايات المتحدة التركيز على تحالفات أصغر والعمل مع الشركاء القائمين لترسيخ القيم المشتركة مثل الخصوصية الرقمية وتصدير التكنولوجيا وزيادة الحوافز للشركاء غير الحلفاء، والامتثال بما تفضله واشنطن".

ولفت التقرير إلى أنه "من المتوقع أن يستجيب الشركاء لمطالب أمريكا رفض تعاون مع الصين أو روسيا إن كانت المطالب تعكس المصلحة المشتركة وتقدم منافع بدلا من كونها أوامر".

وبحسب التقرير: "فشلت واشنطن في فهم أن الرياض ترفض التدخل في سياساتها النفطية، وهو ما قاد إلى قرار (أوبك+)، وعليها أن تتجنب النرجسية في التعامل مع شركائها والتهديد بتداعيات لتكتشف أنها لا تستطيع القيام بها".

وختم بالقول: "يجب أن يكون تركيز الولايات المتحدة على مواجهة الصين وروسيا، والاعتراف أن التقدم في الموضوعات الأخرى سيكون بطيئا".