إطلالة على مشاهد وأدبيات العدوان على سورية.. اين أخطأنا .. وأين اصبنا.

مع تسارع الحركة السياسية والدبلوماسية من والى دمشق، والتي تؤكد حدوث انزياحات كبيرة في توازنات القوى والقوة في المنطقة والعالم لصالح سورية والمنظومة التي تتموضع فيها، والتي رأيناها بكل وضوح في مشهد قمة جدة، والظروف الإقليمية والدولية التي أدت اليها.. مع هذه التطورات يحلو لنا العودة إلى الوراء، أو إلى ارشيفنا، لنرى كيف تعاملنا مع الأحداث، وأين أخطأنا، وأين كانت قراءتنا صحيحة، وأيضا كيف كانت قراءة وبوصلة الاخرين.
في هذه العودة أستطيع الجزم بأننا كنا في الاتجاه الصحيح، وأن مراهنتنا على سورية وطاقاتها الكامنة، وقواها الحية، وفي المقدمة جيشها ونخبها الواعية، كانت في مكانها الصحيح، رغم مرور أوقات كانت صعبة جدا، كنا فيها على حافة الانهيار، وعلى حد السكين، لكننا رغم ذلك لم نضيع البوصلة ولم يخب رهاننا.
أكثر ما حاولت رصده في هذه العودة، هو مواقف أطراف وأدوات تحالف العدوان، وقراءة كيف تعاملوا مع الأحداث، وماذا قالوا، وعلى ماذا راهنوا، وكيف كانت النتيجة.
في هذه العودة وجدت أشياء فيها من الطرافة والسوريالية الشيء الكثير، ومن المهم ذكر بعضها، لكي نجيب على التساؤل الذي طرحته حول قراءة الأحداث واتجاه البوصلة، سواء لنا أو لمن هم في الطرف الآخر.
من أكثر المواقف التي لفتت نظري وتوقفت عندها، هي حجم الخيبات الكثيرة والمريرة التي حلت بحلف العدوان وأدواته، الذين توهموا وراهنوا على أوهامهم بأن سورية ستسقط في براثن مشروع الشرق الأوسط الجديد، والعصابات الإرهابية، في فترة لن تتجاوز الشهرين أو الثلاثة، ومع هذه الأوهام والمراهنات، وجدنا الكثير ممن كان إيمانهم بسورية هشا، فكانوا قصيري النظر وأضاعوا البوصلة وتساقطوا على الطريق، ووصل الأمر ببعضهم حد التورم بأوهامه.
ومع انقضاء كل موعد كانوا يمددونه لعدة أشهر، وهكذا حتى مضى أكثر من اثني عشر عاما، انتهت بما نحن فيها الآن، والتي تؤكد سقوط مواعيدهم، وتوقعاتهم، وتكسر أحلامهم بسقوط دمشق.
الغريب (والمفرح أيضاً) أن هذه الضحالة في التفكير، والتشويش في الرؤية، والعجز عن فهم أسرار سورية، والطاقات الكامنة عند شعبها، لم تتوقف عند من كان إيمانه بسورية ضعيفاً وهشا،ً وإنما طالت حتى الطبقة السياسية الحاكمة في أمريكا وأوروبا، وأجهزة استخبارتها، ومنظري مراكز الأبحاث، ووسائل إعلامهم.
أكثر هذه الخيبات مرارة، عندما حدد وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي - ومعهم الامريكي طبعا - سبعة مواعيد (انظروا لسحر الرقم سبعة) للاحتفال بسقوط دمشق، ارتباطا بالمواعيد التي توقعوها لسقوطها، وذهبت كل هذه المواعيد والأحلام أدراج الرياح، حتى امتنعو بعد ذلك عن تحديد أي موعد لهذا الحفل "الوهم" وأكثر من ذلك أصبحنا نحن من ينتظر سقوطهم. 
أما أكثر الخيبات طرافة، فكانت توقعات ومواعيد وأحلام المتعارضين السوريين هنا وهناك.
فمثلاً على فرزات، الذي زاره الرئيس بشار الأسد في بيته يوماً، وبعد هذه الزيارة منع فرزات أحد من الجلوس على الكرسي الذي جلس عليه الرئيس الأسد، لأنه لا يريد لأحد أن يجلس على ذلك الكرسي بعده، وتم الصمت عليه لمخالفته قانون المطبوعات، في موضوع توزيع صحيفته "الدومري" التي انحدرت حتى أصبحت مجرد صحيفة صفراء، وفقدت مصداقيتها، لكنه كان من أول من وقف في صفوف تحالف العدوان، وخرج علينا منتصف عام 2014 بحملة (ضبو الشناتي) حيث دعا فيها المعارضين لضب الشناتي تمهيداً للعودة الوشيكة الى دمشق، على وقع توهماته بسقوطها، على يد الناتو والعصابات الإرهابية.
ورغم أن من المفترض بشخص مثل علي فرزات، أن يكون تفكيره وطنيا، لكنه دعا الموالين لضب شناتيهم أيضاً، تمهيداً للهروب، لأن النظام سيسقط قبل نهاية العام 2014.
أما ميشيل كيلو، الذي كنت اتمنى ان يطول به العمر لرؤية مشاهد قمة جدة، فقد حدد الموعد تلو الموعد، لعودته مظفراً رافعاً راية جبهة النصرة (الحبابين الطيبين) وكان إحداها في بدايات عام 2014 لكنه كان في "ذكائه" مثل على فرزات.
ومن أكثر المتعارضين طرافة (والأصح حماقة) كان هيثم المالح، الذي اعتبر أن الرئيس حافظ الاسد سرق مكانه في الرئاسة، وشكل خلال العدوان عدة حكومات بنفسه، على أساس أنه الرئيس المقبل، وقدم اقتراحات بكيفية خروج الرئيس بشار الأسد من الحكم ومن سورية.
وحتى لا يفوتنا هذا المشهد الكوميدي، نشير إلى المتعارض حسن عبد العظيم، الذي زاد على حماقة الاخرين، بأنه بقي يتحدث عن الجيش الحر، حتى لم يبق أحد غيره يتلفظ بهذه التسمية، وبعدها اختفى صوته نهائيا.
أما إحدى "المشقوقات" والتي لن اسميها حتى لا أعطيها أي قيمة فقد كتبت مرة (عام 2014) بأنها لم تكن تحب لقب السيدة الأولى، لكنها بدأت تفكر فيه، وأصبح يعجبها. 
أما المشاهد الأكثر طرافة، فكانت إطلالات الشيخ عدنان العرعور، الذي دعا للطرق على الطناجر لإسقاط النظام، والأطرف أن هناك ممن يفترض فيهم أن يكونوا من نخبة المجتمع، شاركوا في هذه الحملة، وكانت النتيجة انهم خسروا طناجرهم.
كثيرة هي المواقف التي يمكن تذكرها، لكنني ساكتفي بهذه المشاهد، واعتقد انها كافية، لتؤكد تكسر وتبدد وانهيار أحلام وأوهام حلف العدوان، برؤوسه وأدواته، بسقوط دمشق، مع نصيحة للجميع (متعارضين وموالاة) (رجعوا الشناتي) لأن كل طرف سيبقى في مكانه، وبالتأكيد هذا التوصيف لا أقصد به كل من اضطرته الظروف للهجرة، لأن بعضهم كان مضطراً، وبعضهم كان محقاً، وبعضهم لانه يحب سورية، وانما قصدت فقط من وضع نفسه أداة لتحالف العدوان ضد بلده.. وأستطيع القول، بأن سورية لن تكون إلا للسورين فقط، مع التأكيد على أن (السورية) هي انتماء، لمجموعة من القيم الوطنية والاخلاقية، ولم تكن يوما مجرد هوية أو جواز سفر.
وحتى لا يتهمنا أحد بأننا ننظر بعين واحدة، أقول إننا في المرحلة التي تأكدنا فيها بأن سورية نجت من هذا العدوان الشرس، توقعنا وحلمنا بأن سورية ستتعافى بسرعة، وسنقرأ الدروس جيدا، لكن أحلامنا هنا بهتت حتى تكاد تنطفئ، مع تغول الفساد، وسوء الإدارة المرعب، والذي يكاد يلغي كل ما تم إنجازه بتضحيات الشعب السوري، وصموده وصبره... لكنه سيبقى عندنا أمل لأننا لم ولن نفقد الأمل بسورية وشعبها.

قراءة : أ. أحمد رفعت يوسف - كاتب وإعلامي سوري