سوريا... حزن بحجم اليقين
حزن شديد يخيّم على الشارع السوري، منذ إعلان نبأ استشهاد الأمين العام لـ«حزب الله»، السيد حسن نصر الله، إثر غارة إسرائيلية عنيفة تسببت بدمار واسع في الضاحية الجنوبية لبيروت.
وملأت صور الحداد السوداء الصفحات السورية على مواقع التواصل الاجتماعي، مقرونة إمّا بآيات قرآنية أو بتعليقات غاضبة وأخرى تدعو إلى الثبات.
والواقع أن ثمة أسباباً عديدة للحزن الشديد، الذي بدأ مع اشتداد العدوان الإسرائيلي على لبنان، والضاحية الجنوبية تحديداً، قبل أيام، وازداد مع كل عملية اغتيال إسرائيلية لقيادي في الحزب، ليصل إلى ذروته مع إعلان نبأ استشهاد الأمين.
فالرجل، بالإضافة إلى حضوره الطاغي في الشارع السوري، منذ حرب تموز 2006 وحتى الآن، أصبح بالنسبة لكثير من السوريين منبراً للبشائر، وأحد أعمدة الحصن المنيع في وجه عدو «يبذل كل ما في وسعه لإبادتنا»، وفق تعليق أحد الناشطين عبر موقع «فيسبوك».
وفي الساعات الأولى لإعلان «حزب الله» نبأ استشهاد أمينه العام، كان الحزن سيد الموقف، إذ اعترت صدمة كبيرة الناس، تبعتها حالة إنكار ثم تقبل.
واستذكر الجميع وقفة نصر الله الشهيرة أمام جثمان نجله الأكبر هادي، الذي استشهد عام 1997، حين قال السيّد: «أشكر الله على عظيم نعمه أن تطلع ونظر نظرة كريمة إلى عائلتي فاختار منها شهيداً وقبلني وعائلتي أعضاء في الجمع المبارك المقدس لعوائل الشهداء».
ويعبّر عن ذلك سوري آخر بقوله: «والد الشهيد، وصديق الشهداء وقائدهم، أضحى اليوم شهيداً».
أما على الصعيد الرسمي، فتمّ إعلان الحداد لمدة ثلاثة أيام، وتنكيس الأعلام «في جميع أنحاء الجمهورية العربية السورية وفي جميع السفارات والهيئات الدبلوماسية في الخارج طيلة هذه المدة»، حسبما أعلنت رئاسة مجلس الوزراء، التي قالت: «تشارك الجمهورية العربية السورية الشعب اللبناني الشقيق أحزانه بمصابه الجلل وتعلن الحداد الرسمي العام لمدة ثلاثة أيام».
ومن جهتها، أصدرت وزارة الخارجية السورية بياناً دانت فيه «بأشد العبارات العدوان الإجرامي الإسرائيلي».
وقالت: «فقد لبنان الشقيق اليوم سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، إثر عدوان إسرائيلي غاشم وجبان استهدف منطقة سكنية في الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت بأطنان من القنابل المدمرة، مما أدى إلى استشهاده إلى جانب عدد كبير من المدنيين الأبرياء».
وتابعت أن «الكيان الصهيوني يؤكد من خلال هذا العدوان الدنيء – مرة أخرى – على سمات الغدر والجبن والإرهاب التي نشأ عليها، وانتفاء أي قيم أخلاقية لديه، وهمجية واستهتار بكل المعايير والقوانين الدولية»،
لافتة إلى أنه «باستشهاد الأمين العام لحزب الله، خسر كل المناضلين من أجل تحرير الأرض، وصون السيادة والاستقلال وحمايتهما، علماً من أعلامهم، وقدوة لهم في النضال ضد المعتدين ومقاومة المحتلين.
لقد التحق السيد نصر الله، من خلال إسناده لقضية الشعب الفلسطيني، برفاقه الشهداء الذين سبقوه وسجلوا على مدى سنوات انتصارات وصفحات مشرقة في تاريخ هذه الأمة، واضعين تحرير القدس من أيدي المغتصبين نصب أعينهم».
و
دانت الخارجية السورية، في بيانها، بـ«أشد العبارات هذا الفعل الإجرامي الإسرائيلي»، معربةً عن «تعازيها للبنان الشقيق، ولكل الأحرار حول العالم باستشهاد قائد المقاومة الوطنية اللبنانية»، ومحمّلة «كيان الاحتلال المسؤولية الكاملة عن عواقبه الجسيمة».
ولفتت إلى أنه «على الرغم من مشاعر الأسى والحزن التي أشاعها نبأ استشهاد السيد نصر الله لدى الأحرار في كل مكان، ولدى الشعب السوري الذي لم ينس يوماً مواقفه الداعمة، فإن مسيرته البطولية ستبقى منارة للأجيال القادمة لمواصلة نضالها من أجل تحرير جميع الأراضي العربية المحتلة، وضمان محاسبة إسرائيل عن أفعالها المشينة».
كذلك، أعلنت وزارتا الثقافة والسياحة وقف أنشطتهما.
بموازاة ذلك، تتابع سوريا استقبال الوافدين من لبنان (من لبنانيين وسوريين) عبر مختلف المعابر الرسمية بين البلدين، ليصل عددهم، وفق آخر تقديرات مفوضية اللاجئين في الأمم المتحدة، إلى نحو 50 ألف شخص، 42 ألفاً منهم دخلوا سوريا عبر معبر جديدة يابوس، أكثر من ثلثيهم من السوريين، وبعضهم تم نقله بشكل مبدئي إلى مراكز إيواء مؤقتة في محافظات دمشق وريف دمشق وحمص.
وجاء هذا ضمن تسهيلات كبيرة أعلنت عنها الحكومة السورية، في وقت وجهت فيه نقابة الأطباء في سوريا نداء للمشاركة في حملة تطوعية، في ظل وصول مصابين بين الوافدين تقوم وزارة الصحة و«الهلال الأحمر» السوريان بنقلهم إلى المستشفيات لتلقي العلاج، وسط استمرار الدعوات إلى تنظيم حملات للتبرع بالدم.
وفي وقت ظهرت فيه بعض الأصوات المهلّلة لاستشهاد نصر الله، في بعض مناطق سيطرة الفصائل شمالي سوريا، بما فيها «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة سباقاً – فرع تنظيم القاعدة في سوريا) التي تسيطر على إدلب ومناطق في ريف حلب، قلل كثير من السوريين من أهميتها، مستذكرين سماعها عند كل عدوان إسرائيلي على سوريا، وهي حالة أفرزتها الحرب المستمرة في البلاد منذ عام 2011، والتي غُذيت عبر منابر إعلامية عديدة، ما زالت تمارس نشاطها، بأبعاد طائفية وسياسية.
لن يظهر السيد حسن نصر الله في خطاب جديد. لن يظهر «الأمين» مرة أخرى مبشراً بعملية نوعية مثل: «انظروا إليها إنها تحترق»، ليبقى آخر ما قاله محفوراً في الأذهان، ويتم تداوله في الشارع السوري وعلى مواقع التواصل الاجتماعي على نطاق واسع: «بالنسبة للحساب العسير فالخبر هو في ما سترونه لا في ما ستسمعون»، الأمر الذي يرسم بمجمله مشهداً عبّر عنه أحد الناشطين السوريين بالقول «هو حزن بحجم اليقين».
علاء حلبي