كيف نحمي الأطفال واليافعين من الجرائم الإلكترونية؟
مع ازدياد إقبال الأطفال والمراهقين على استخدام التكنولوجيا الرقمية في مجتمعاتنا، كثر الحديث عن الحوادث الرقمية والجرائم الإلكترونية التي تستهدف هذه الفئات،
وهي تشمل التهديدات، ونشر محتوى غير لائق، والاحتيال المالي، والتحرش والعنف الإلكتروني.
ويتعرض الأطفال أكثر من غيرهم لهذه الحوادث بسبب قلة وعيهم بمخاطر العالم الرقمي والإنترنت.
وكثر الحديث مؤخرا عن البرامج والألعاب الضارة التي تستهدف الأطفال بما دفع عددا من الدول لمنعها.
مخاطر عديدة
أشارت الأمم المتحدة في تقرير لها بأن 77 في المئة من المراهقين يستخدمون الإنترنت خلال الأعوام الأخيرة.
وبالرغم من أن ذلك يحمل إيجابيات عديدة للأطفال والمراهقين من بينها التعلم، والتفاعل الاجتماعي، واللعب، والاطلاع على ثقافات أخرى ومصادر متنوعة للمعلومات،
إلا أن هناك مخاطر عديدة مثل التعرض للتنمر الإلكتروني وغيره من أشكال العنف. وكذلك تزداد امكانية تعرض الأطفال واليافعين لخطاب الكراهية والمحتوى الذي يحض على الإساءة والعنف وهذا دفع البعض إلى الانتحار.
وتؤكد تقارير الأمم المتحدة بأنه بات من السهل وصول المجرمين إلى الأطفال والمراهقين الذين يقعون ضحايا الاستغلال الجنسي.
وحسب آخر البيانات الأممية الصادرة فقد أفاد حوالي 80 في المئة من الأطفال في 25 دولة بأنهم يشعرون بخطر التعرض للاعتداء الجنسي أو الاستغلال عبر الإنترنت.
كما ان الاستخدام المفرط للأطفال والمراهقين للإنترنت يؤثر حتما على نموهم النفسي والبدني ويعرضهم لعديد الأمراض مثل طيف التوحد والإدمان الإلكتروني وغيرها من الأمراض والمشاكل النفسية المرتبطة باستخدام الإنترنت بصفة خاصة.
وعملت اليونيسف من خلال عديد البرامج مثل مبادرة «كايندلي» إلى مواجهة «التنمر الإلكتروني» وكذلك منع الاستغلال الجنسي للأطفال عبر الإنترنت والتصدي له على مختلف المستويات المحلية والدولية.
دور المدرسة والأسر والتثقيف
سامية عموري المختصة في الإعلام التربوي قالت إنه «في عصر الرقمنة وسيطرة الإنترنت في كل مجالات الحياة اليومية فإن تأثير العالم الافتراضي يكاد يسيطر على كل بيت.
فكل ما يجول بالعالم يصل عبر شبكات التواصل الاجتماعي والتطبيقات على اختلاف أنواعها وخطورتها».
وتضيف: «هناك خطر داهم على الأسر والمجتمعات وخاصة الفئة العمرية ما قبل سن الرشد.
من هذا المنطلق يبدو أن الموضوع يزداد خطورة من يوم إلى آخر بتسارع الابتكارات في هذا المجال.
فنحن قادمون على فترة رقمية جديدة وهي فترة الذكاء الاصطناعي. ما يهمنا اليوم هو الوسط المدرسي وكيف يمكن أن نتعامل إيجابيا مع هذا المعطى الجديد».
وقالت إن في كل الأوساط المدرسية هناك نوعية جديدة من المشكلات التي تسبب بها الإنترنت أو الجهاز الإلكتروني الذكي.
وتتابع: «للأسف نحن نتناول هذا الموضوع في شكل صيحات فزع، ولكن المؤسسة المسؤولة عن التلاميذ وهي وزارة التربية أو وزارة الإشراف والحكومة،
لم تفكر بعد في إدراج مادة أساسية وهي التثقيف الإلكتروني أو التربية على وسائل الإعلام في المناهج الدراسية في تونس».
وتضيف: «لو أن هذه المادة تدرج في المدارس فهي تفتح النقاش مع حملات توعوية ومعها يتم سنّ قوانين خاصة باستعمال الإنترنت داخل الفضاء المدرسي».
ودعت إلى أخذ الأمور بجدية من كافة الأطراف، من الإعلام والوزارات المختصة والدولة حتى تدرج التربية على وسائل الإعلام والاتصال كمادة أساسية تهم كافة الفئات العمرية.
والهدف منها أساسا حماية الطفل والمراهق من خطر الإنترنت والاستعمال الإيجابي للمحتويات الإلكترونية والسيطرة بالتالي على هذا الخطر ليستفيد التلميذ ويتعاطى إيجابيا مع هذا العالم الرقمي.
وشددت محدثتنا على أهمية تنمية حس النقد لدى الطفل فتكون لديه القدرة على تحليل ما يسمع ويشاهد ليفهم هذه الظواهر التي أصبحت مرضية في المجتمع.
ومن ناحية أخرى شدّدت على عدم اغفال دور الأسرة والأولياء للوصول إلى هكذا منزلة أو مستوى لأن الخطر يداهم أيضا البيوت ويساهم في التفكك الأسري وفق قولها.
أنواع الحوادث الإلكترونية
الخبير في السلامة الرقمية الصحافي وليد البطراوي قال إن «الجرائم الإلكترونية ضد الأطفال تشمل التحرش ومحاولات استدراج الأطفال جنسياً عبر الإنترنت.
إضافة إلى تحريض الأطفال على انتهاج سلوكيات خطرة من خلال بعض الألعاب الضارة التي تم منعها في عدد من الدول. إضافة إلى الاحتيال الإلكتروني، أو التنمر والتهديد والسب.
وكذلك دفع الأطفال إلى استخدام تطبيقات ضارة من أجل سرقة البيانات الخاصة».
التثقيف الإلكتروني في المدارس
وشدّد محدثنا على أهمية إدراج مادة التثقيف الإعلامي في المدارس. وأضاف: «يجب أولا أن يعي الأهل أهمية مكافحة الحوادث الإلكترونية وبالتالي توعية الأطفال والمراهقين على ذلك».
وقال إن التربية على السلامة الرقمية تكون بالرقابة على كيفية استهلاك الأطفال لوسائل التسلية والألعاب والتواصل الاجتماعي ومراقبتها وضبطها إضافة إلى توعية الأطفال بضرورة الإبلاغ عن التنمر والتحرش الإلكتروني».
وأما فيما يتعلق بالسلامة الرقمية يوضح محدثنا أنها تهدف إلى حماية أجهزة الكمبيوتر والهواتف المحمولة والمعلومات على كل الأجهزة من الجهات الخبيثة التي تريد الوصول إليها بشكل غير مصرح به لتتسبب في الضرر.
وقال إن كل الفئات تكون مستهدفة. ويضيف البطراوي: «طبعا الأمن الرقمي يسعى إلى الحفاظ على المعلومات وخصوصيتها وأمنها».
وفيما يتعلق بالأطفال واليافعين يتابع بالقول: «السلامة الرقمية يجب أن تكون مضاعفة لدى هذه الفئات التي لم تصل لسن النضج وليس لديها الوعي المطلوب لتوقي مخاطر الإنترنت.
ومن السهل تعرض الأطفال لاختراقات لحواسبهم أو التصيد والابتزاز».
وقال: «نجد العديد من القضايا التي تتعلق بمعرفة الهندسة الاجتماعية لهذه الفئات ودراستها وبالتالي استهداف الأطفال والمراهقين من خلال الإطلاع على سلوكياتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي».
رفع الوعي والرقابة الأبوية
أكد محدثنا على ضرورة مراقبة الأنشطة التي يقوم بها الأطفال على الإنترنت، والتحدث معهم حول مخاطر الإنترنت. وقال إن الوقاية تكون بالتوعية أولا.
فيجب ان يعي الأطفال والمراهقون خطورة مشاركة بياناتهم الخاصة مع الغرباء خاصة بيانات المنزل والمدرسة وغيرها.
وقال: «من بين الإجراءات التي تقي الأسر من مخاطر الإنترنت ضد أبنائها نجد تنزيل تطبيقات ملائمة لأعمار الأطفال والمراهقين وتكون آمنة ولا تعرضهم لأي خطر كان».
وأكد على ضرورة توعية الأطفال باستخدام كلمات مرور صعبة لكي لا يصل المخترقون لحساباتهم الشخصية بسهولة.
وأضاف أن توعية الأطفال بعدم فتح البرامج المشبوهة من الأهمية بمكان للتقليل من الأضرار التي يمكن أن تصيب هذه الفئات من الإنترنت.
مواجهة الحوادث
أما عن الحلول لمواجهة هذه الحوادث التي يقع ضحيتها الأطفال يجيب البطراوي: «لمواجهة الحوادث هناك عدة طرق وأهم ذلك أن نتخذ خطوات استباقية تأتي أولا بالوعي،
أي بأن نعي بوجود مثل هذه الخطورة وأن نخبر شركة الاتصالات والشرطة أو الجهات المختصة في حال وقوع احتراق لبيانات أبنائنا وأيضا علينا أن نقيم المخاطر».
ويضيف أنه عند تقييم المخاطر نتخذ إجراءات من أجل تقليلها وربما لا يمكن منعها بشكل مطلق ولكن علينا أن نقللها من خلال توفر بعض المهارات والوعي.
وقال: «مهم جدا أن ننتبه إلى أن معظم التهديدات أو الانتهاكات أو التحرشات الرقمية للأطفال والمراهقين يكون لها تأثير أخطر مما نتصور على نفسية الأطفال والمراهقين».