اختتام مهرجان الأردن المسرحي.. سطوة النص وإشكاليات التلقي
أفضى مهرجان الأردن المسرحي في اختتام دورته الثلاثين، أول أمس الجمعة، في عمّان، إلى رؤى عدة راوحت بين الإشادة بقدرات الممثلين الشباب وبعض العناصر الفنية التي ضمّتها عروضهم،
والتراجع في تقنيات التأليف المسرحي والتمثيل وحصر التأليف والرؤية الإخراجية لدى المخرج في بعض الأعمال، إلى جانب غياب التأليف الموسيقي الخاص بالعروض.
فضاء الضوء والحركة والمشهد
قدم مخرجون وفنانون من الكويت والسعودية والمغرب وتونس والعراق وسلطنة عُمان أعمالهم، إلى جانب أربع مسرحيات من الأردن، عكست تنوعاً في القضايا والمواضيع المطروحة التي يجسدها المسرح بوصفه منصة للمجتمع والحياة، وسط تفاوت المستوى الفني للعروض المقدمة.
مسرحية "خلفك منعطف تاريخي"، التي حازت جائزة لجنة التحكيم الخاصة، وربما تشكّل التجربة الاحترافية الأولى للمخرجة الأردنية رشا المليفي، ناقشت العلاقة بين السياسي والديني والاجتماعي، بهدف إثارة الأسئلة لدى الجمهور لترافقه إلى خارج المسرح،
كما أوضحت المليفي خلال الندوة التقييمية للمسرحية. لكن عناصر الديكور والإضاءة لم توظف بما فيه الكفاية بما يخدم العرض،
مقابل سطوة للنص والحوارات على باقي عناصر العمل من تمثيل وسينوغرافيا، وإن كانت المسرحية نالت استحساناً في فكرتها، لكن تنفيذها اعتمد على إبراز موضوعها بلغة بلاغية ربما تكون ثقيلة على الخشبة.
أما مسرحية "إكستازيا" من المغرب، التي حازت جائزة أفضل تأليف موسيقي لياسر الترجماني، إضافة إلى جائزة أفضل عمل مسرحي متكامل، فتناقش مؤسسة الزواج موضوعاً لاختبار البحث عن الحب والسعادة، وهو ما حظي باهتمام الجمهور من زاوية نقدية،
إذ أثار العرض نوعاً من الجدل حول فكرته وتنفيذه بحضور مخرجه ياسين أحجام.
ورغم الاتفاق على جمالية النص والسينوغرافيا والموسيقى خلال الندوة التعقيبية، اتجهت آراء الجمهور نحو عدد من التأويلات الميثولوجية والتاريخية والفلسفية التي استهجنها المخرج، بوصفها حمولة زائدة على العرض الذي وصفه أنه "جمالي وبسيط وغير متكلف".
ومع تلاقي رؤيتي المخرجين لهاتين المسرحيتين؛ "خلفك منعطف تاريخي" و"إكستازيا"، وتركيزهما على أن الجانب الجمالي يشكل أساساً للعرض وعناصره، وأن التفكير في عمليهما يجب أن يكون من هذا المنطلق،
فإن ذلك يعني إغلاق بوابة التأويل أمام الجمهور، وتوجيه الذائقة بصورة تتعارض مع روح المسرح.
فمثلاً، استندت مسرحية إكستازيا بشكل كبير إلى لوحات تشكيلية فنية عُرِضَت في خلفية الديكور، ولم يبد أنّها أدت دوراً فارقاً في التناغم مع الحوار والموسيقى، والموضوع الذي تضمن التركيز على موت الزوج ومن ثم الزوجة ببطء بعد فشلهما في العثور على السعادة،
ورفضهما الاستمرار في تزييف حبهما لبعضهما وحبهما للحياة، وهو محور درامي لا يتفق مع إبقاء اللوحات الفنية المليئة بالحياة والفعل الإبداعي والجمالي طوال مدة العرض تقريباً.
أما عرض "خلفك منعطف تاريخي"، فإن انحيازه إلى اللغة على حساب باقي العناصر المسرحية مثلاً، جعله ينحو إلى توجيه الجمهور، رغم نفي المخرجة لهذا الرأي النقدي، وتركيزها على أن العمل مجرد "مقترح جمالي".
صدى الجوائز يعلو على الانتقادات
ربما نجحت تجربة الندوات التقييمية في إشراك مخرجي المسرحيات والنقاد والجمهور في مجال واحد أسهم في تعزيز التفاعل وإضفاء نوع من الشفافية،
مثلما حصل خلال ندوة العمل المسرحي "ضوء" من السعودية، الذي تناول رحلة البحث عن الذات، وصراع الممثل الرئيس في مواجهة القيود الشخصية والاجتماعية التي تعيق رحلته وتحيطه بالظلام الدامس، الذي يجسد إرادته المسلوبة في تحديد هويته وتحقيق ذاته.
ولقد ناقش النقاد عدم التوازن بين الفكرة والتنفيذ في المسرحية، إذ لاحظ بعضهم أن حركة الشخصيتين الرئيسيتين على الخشبة لم تكشف بما يكفي عن صراعها وتخبطها في الظلام خلال رحلتها للوصول إلى الضوء،
بل بالتناقض مع هذه الفكرة، كانت الشخصية قادرة على الحركة واستكشاف طريقها والتفاعل مع الشخصيات الأخرى بسهولة مبالِغَة.
في المقابل، نجحت مسرحية "عطيل وبعد" من تونس في تحقيق اهتمام كبير، وحاز عنها مهذب الرميلي جائزة أفضل ممثل، فيما حازت فاتن الشوايبي جائزة أحسن ممثلة، مناصفةً مع نادية بن عبيد عن مسرحية "أسطورة شجرة اللبان".
ونالت كذلك جائزة التأليف المسرحي، التي ذهبت للمؤلف بوكثير دومة.
أعاد العرض التونسي قراءة مسرحية شكسبير وتسليط الضوء على موضوع انهيار الثقة في العلاقات الإنسانية، بوصفه بداية لوقوع البشر فريسة الشك والوهم، والنظر إلى الآخر باعتباره عدواً لا بد من تدميره،
ومن ثم الانطلاق عبر هذا الموضوع إلى محاسبة الآخر الغربي، المستعمر وصاحب النظرة المتفوقة، ومحاكمته أخلاقياً، عبر تحويل شخصية عطيل إلى شهريار، وشخصية دزدمونة إلى شهرزاد.
وكانت مسرحية "اليوم الآخر" من العراق، حازت جائزة السينوغرافيا للفنان علي السوداني، مناصفة مع الفنان عبد الحي السغروشني عن مسرحية "إكستازيا"، فيما نال المخرج فهد الأحمد من الكويت جائزة أفضل مخرج عن مسرحية "مخلب القرد".
تزاحم النظرية والتطبيق
ضم المهرجان فعاليات متنوعة أخرى، منها ندوة فكرية ناقشت التعبير الحركي في العرض المسرحي، وأكثر من ورشة مسرحية متخصصة،
إضافة إلى حضور عدد من المسرحيين والنقاد العرب، الذين نشطوا خلال الندوات التقييمية التي تبعت العروض. لكن يبدو أن المهمة النقدية للمهرجان كانت هامشية بعض الشيء، ولم تؤخذ بعين الاعتبار، كما تشير إليه نتائج لجنة التحكيم.
وتميزت نسخة هذا العام ببث المسرحيات والندوات مباشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي من خلال منصة "فيسبوك" في مبادرة تهدف إلى إتاحة العروض لأكبر عدد من الجمهور محلياً وعربياً،
وعلى وقع الإضاءة والتمثيل على خشبة المسرح، ناقش المشاركون العرب عبر الندوات واللقاءات مواضيع مثل تحرير المسرح العربي من الطابع الأكاديمي، والحلول المحتملة لمواجهة تراجع الإقبال على مشاهدة المسرحيات،
إلى جانب قضايا تتعلق بأهمية المسرح في عالمنا المعاصر.
عاصف الخالدي
عمّان