اغتيال نشطاء الإغاثة في غزة: استمرار لجرائم الاحتلال والتجاهل الدولي
الرأي الثالث - وكالات
أسبوعان فقط فصلا بين الذكرى السنوية لقتل قوات الاحتلال الإسرائيلي الأميركية الشابة راشيل كوري (16 مارس/آذار 2003)؛ واغتيال نشطاء الإغاثة في منظمة ورلد سنترال كيتشن (المطبخ المركزي العالمي)، فجر اليوم، في دير البلح وسط قطاع غزة.
ضحايا هذه الغارة الجوية الأخيرة ينتمون إلى جنسيات غربية مختلفة، بما في ذلك أسترالية وبولندية وبريطانية، بالإضافة إلى إيرلندي وكندي وآخر أميركي. جنسيات سبق للاحتلال أن استهدفها سابقاً بالقتل.
سلطات الاحتلال الإسرائيلي ما زالت ترسل رسائلها الدموية، دون الاكتراث بجنسيات المستهدفين ومهنهم.
فالتكرار المستمر لمثل هذه الجرائم على مدى عقود لا يرتبط بأكاذيب "الأخطاء"، بل بعنجهية في نقل الرسائل، وفي تحميل الضحايا مسؤولية قتلهم واستهدافهم، وذلك تحت غطاء الإفلات المتكرر من العقاب.
مشكلة الضحايا الغربيين، التي استمرت لأكثر من 20 عاماً، بما في ذلك استهداف مواطنين أميركيين وغربيين وقتلهم وإصابتهم في مناطق فلسطينية محتلة أخرى غير غزة، تؤكد حالة التواطؤ التي تمارسها سياسات بعض دولهم، مع استثناءات كما في الحالة الأيرلندية، ما أدى إلى جرأة صهيونية غير مكترثة سوى بتمييع الجرائم تحت مظلة الحماية الأميركية.
يرتكب الساسة الأميركيون خطأ فادحاً بتغطية إرهاب الدولة الإسرائيلية باستهداف المتضامنين الدوليين، كما حدث في جريمة قتل الناشطة الأميركية راشيل كوري في 16 مارس/آذار 2003. فقتلها ومحاولات الاحتلال لتبرير جريمته بأنها "أدخلت نفسها في حالة خطيرة" تكشف عن الطبيعة الدموية لسياسات القمع التي يمارسها الاحتلال.
جريمة قتل راشيل كوري، كما جرت مع العديد من النشطاء الدوليين، جاءت بسبب محاولتها مساعدة الفلسطينيين في مواجهة آلة التدمير في رفح، عندما كان الاحتلال يستعد لتدمير منزل أسرة فلسطينية.
لقد كانت هذه الجريمة محاولة من الاحتلال لمنع نقل الحقيقة إلى مجتمعات المتضامنين الدوليين. ولقد كانت راشيل ترتدي لباساً برتقالياً في ذلك اليوم، رمزاً للتضامن مع الفلسطينيين واحتجاجاً على هدم المنزل.
ولم تكن جنسيتها من بلد حليف للاحتلال عائقاً، بل عمل الاحتلال بكل جبروت، وقام بتصفيتها دهساً، دون أن يرتفع جفن الجنود أو ينطبق على هذا العمل المرتكب باسم "القضاء الإسرائيلي" أي نوع من العدالة خلال السنوات اللاحقة.
على الرغم من التضامن الدولي مع قضية راشيل كوري، لم تحظَ عائلتها بالدعم الكافي كما يحظى به مواطنون آخرون في الولايات المتحدة عندما يواجهون الموت في بلدان أخرى.
وقد استمرّت التغطية على الجريمة حتى من السلطة القضائية، فقد صرح قاضي المحكمة المركزية في حيفا، بعد تسع سنوات من وفاتها، بأن الجيش الإسرائيلي حاول إنذار راشيل وزميلاتها المتضامنات الأجنبيات وحاول إبعادهن من موقع هدم المنزل، محملاً إياها المسؤولية وفق هذا المنظور.
سخرية قيمة الضحايا واستهتار الاحتلال الإسرائيلي بحياة النشطاء الدوليين ليست جديدة، ولقد عانى الفلسطينيون هذا النوع من الاستعلاء منذ عقود، بداية من مذابح النكبة في عام 1948.
على الرغم من هذا الاستهتار، لم تظهر الإدارات الأميركية المتعاقبة أي تصرف يذكر لمعاقبة الاحتلال الإسرائيلي على جرائمه، بغض النظر عن جنسيات الضحايا أو أعراقهم.
وعلى الرغم من التأثير الذي كان سيكون لو كانت راشيل قتلت بأيادٍ أخرى غير أيادي الاحتلال الإسرائيلي، فإن واشنطن لم تمارس ضغطاً كافياً لتحقيق العدالة.
وكانت النتيجة أن قام القاضي عوديد جرشون ببصق آخر في وجه العدالة وأميركا، بتحميل راشيل كوري مسؤولية مقتلها، وبتحقيق سطحي مكون من 162 صفحة.
وبعد مرور 21 سنة على وفاة راشيل كوري، ما زالت أسرتها ومعارفها يعانون بالقدر نفسه الذي يعانيه الكثير من الضحايا الفلسطينيين والنشطاء الدوليين الآخرين، من غياب العدالة والاستمرار في سياسات الاحتلال التي تهدف إلى الترهيب والقمع.
قتل المتضامنين البريطانيين جيمس ميللر وتوم هرندل هو استمرار لعقيدة القمع والاحتلال التي تمارسها دولة الاحتلال في فلسطين.
بعد شهرين فقط من قتل راشيل كوري، اغتيل الصحافي البريطاني والمتضامن جيمس هنري ميللر في غزة في الثاني من مايو/أيار 2003، أثناء تصويره لفيلم وثائقي لمصلحة الهيئة الإذاعية البريطانية.
وفي رفح، بعد أقل من عام على قتل ميللر، قام الاحتلال باستهداف المتضامن البريطاني توم هرندل وقتله بطلقة في رأسه يوم 15 يناير/كانون الثاني 2004، وهو يحاول حماية طفلة فلسطينية من إطلاق النار عليها.
عانت أسرةُ توم هرندل والمتضامنون الآخرون السيناريو القاسي نفسه الذي عانته أسرة راشيل كوري. لم تتخذ السلطات البريطانية الإجراءات اللازمة لمحاسبة قتلة ابنهم، ولم تؤدِّ الجهود الدبلوماسية إلى نتائج ملموسة في مواجهة دولة الاحتلال.
وثقت والدة توم هرندل تجربته وسيرته في كتاب بعنوان "تحدي النجوم: الحياة والموت المأساوي لتوم هرندل" الذي نُشر عام 2007، مما يبرز معاناة الأسرة والمتضامنين الدوليين مع غياب العدالة والتحقيق الفعلي في جرائم الاحتلال.
يُعتبر الهجوم الدامي على سفينة كسر الحصار "مرمرة" في 31 مايو/أيار 2010 مثالاً حياً على استمرار وحشية الاحتلال ودمويته.
تعرض النشطاء والمتضامنون والصحافيون المرافقون لهجوم عنيف من بحرية الاحتلال وطائرات الهليكوبتر، مما أسفر عن مقتل عشرة نشطاء وإصابة العديد منهم، بعضهم من دول أوروبية.
لقد تكررت هجمات الاحتلال على محاولات كسر حصار غزة، مما أسفر عن إصابة العديد من المتضامنين الدوليين واعتقال بعضهم بطريقة عنيفة، وتقديمهم للمحاكم الصهيونية بوصفهم مجرمين، بينهم أطباء ومهندسون وطلاب وصحافيون.
منذ بداية حرب الاحتلال على غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، لم يتوانَ الاحتلال عن استهداف المستشفيات التي تضم أطباء وممرضين غير فلسطينيين، واستهداف الصحافيين من وكالات دولية.
يكشف قصف الاحتلال لمنظمات تابعة للأمم المتحدة مثل قوافل (أونروا) بحجة استهداف الشرطة المرافقة لها، عن الدعم الأميركي والغربي الذي يحصل عليه الاحتلال.
يبدو أن شعور قادة الاحتلال بالحصانة والحماية الأميركية والأوروبية يزيد من جرأتهم على ارتكاب المزيد من الجرائم والانتهاكات.
عملية اغتيال النشطاء الدوليين في دير البلح اليوم ليست بعيدة عن سياق تلك المنهجية الدموية. وظهور واشنطن والغرب بصورة عاجز أمام جرائم الاحتلال يعني أن مواطنيهم أيضاً ليسوا في مأمن من وحشيته.