تضخيم قوة الحوثيين هل يؤدي إلى القضاء عليهم؟
تشهد منطقة الشرق الأوسط تطورات متسارعة على المستويات السياسية والعسكرية ولا يمكن تجاهل الدور الذي يلعبه الحوثيون في اليمن كفاعل إقليمي ذي ارتباطات دولية وتأثيراتهم المحتملة على إسرائيل في سياق تصاعد التوترات خصوصا وان العلاقة بين الحوثيين وإسرائيل تتسم بالعداء والمواجهه لأن خطاب الحوثيين تجاه إسرائيل ودعمهم المستمر للقضية الفلسطينية يجعلانهم جزءًا من شبكة أوسع من المحاور الإقليمية التي تعتبر إسرائيل عدوا لانه منذ نشأة الحركة الحوثية ارتكز خطابها على العداء لإسرائيل والولايات المتحدة من خلال ترديد شعار “الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل” في فعالياتها
ويعكس هذا الخطاب رؤية الحوثيين للصراع في المنطقة وأنهم جزء من محور “المقاومة” الذي يشمل إيران وحزب الله وفصائل فلسطينية وعراقية
التوترات الإقليمية الحالية خاصة مع تصاعد الصراع الإسرائيلي مع الحوثيين تضع احتمالية التصعيد الاسرائيلي لخوض حرب شاملة ضد الحوثيين الذين أثبتوا قدرتهم على استخدام صواريخ باليستية وطائرات مسيّرة بعيدة المدى لضرب أهداف في اسرائيل والسعودية والإمارات واستخدم الحوثيون هذه القدرات لاستهداف المصالح الاسرائيلية والسفن المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر وساعدهم على ذلك موقع اليمن الاستراتيجي الذي جعل الحوثيين قادرين على تهديد الملاحة الدولية
لطالما شكل الحوثيون محور الاهتمام الاقليمي والدولي سواء في سياق الحرب اليمنية الممتدة منذ سنوات أو في إطار التنافس الإقليمي بين إيران وحلفائها ودول الخليج المدعومة من الولايات المتحده والغرب ومع ذلك يبرز تساؤل مهم هل يؤدي تضخيم قوة الحوثيين إلى تحقيق هدف القضاء عليهم أم أنه يساهم في تعزيز مكانتهم كفاعل إقليمي؟
يشير تضخيم قوة الحوثيين إلى تصويرهم كقوة إقليمية تتجاوز حدود اليمن مع التركيز على قدراتهم العسكرية المتطورة مثل الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة وعلاقتهم الوثيقة بإيران ان هذا التضخيم الذي نسمع به من خلال وسائل الإعلام الإقليمية والدولية تركز بشكل كبير على القدرات العسكرية للحوثيين مما يساهم في تكوين صورة مبالغ فيها عن تأثيرهم
كما ان هناك كتابات وتحليلات سياسية واستخباراتية كثيرة تربط الحوثيين بمشاريع إيران الإقليمية مما يعزز تصويرهم كذراع قوي لطهران في المنطقة بالإضافة الى ذلك يتم تسليط الضوء على عملياتهم العسكرية الاقليمية وتهديد الملاحة الدولية مما يعزز الانطباع بأنهم يشكلون تهديدا كبيرا للإستقرار ا لإقليمي والدولي
لا شك ان مثل هذا التضخيم لقوة الحوثيين قد يؤدي إلى نتائج عكسية تعتمد على كيفية توظيف هذا التضخيم وأثره على استقرار اليمن لأن تصوير الحوثيين كتهديد كبير قد يؤدي إلى تكوين تحالفات دولية وإقليمية أقوى تهدف إلى إضعافهم وتدميرهم من خلال تصعيد العمليات العسكرية ضدهم وفرض عقوبات دولية إضافية عليهم والحد من تدفق الأسلحة والدعم إليهم وهذا سيؤدي الى أضرار كبيرة باليمن ووضعه السياسي ومقدراته الاقتصادية والتنموية وليس الحوثيين بمفردهم وعلى الجانب الآخر فإن تضخيم قوة الحوثيين قد يأتي بنتائج عكسية مثل زيادة شعبيتهم داخليًا وتصويرهم كقوة تواجه تحالفًا دوليًا قويًا قد يعزز من التفاف القاعدة الشعبية حولهم ويعزز من شرعيتهم المحلية والاقليمية كما ان الترويج لهم كخصم قوي قد يدفع أطرافًا إقليمية ودولية إلى إقامة علاقات سرية معهم لتحقيق توازن او ممارسة ضغوط مختلفة على دول المنطقه
ان المبالغة في تضخيم التهديد العسكري للحوثيين يمكن أن يؤدي الى الإضرار باليمن وتدميره وإلى تجاهل الحلول السياسية والاقتصادية ودعوات السلام في اليمن التي قد تكون أكثر فاعلية في إنهاء الصراع في اليمن لأن الاستمرار في رؤية الحوثيين كقوة كبيرة قد تدفع الدول المناهضة لهم إلى التصعيد العسكري المؤثر والمدمر لليمن رغم ان الحوثيين أثبتوا مرارًا قدرتهم على الصمود والتكيف مع الضغوط مما قد يطيل أمد الحرب بدلًا من إنهائها ويظل اليمنيون يعانون من أثار الحروب والدمار ومحدودية الموارد
ان الحل الأمثل امام (الحوثيين) قد لا يكمن في تصعيد الصراع والاستمرار في الحروب خصوصا مع طبيعة التغيرات الأخيرة التى حدثت على مستوي المنطقة أو في تضخيم قدراتهم بل في تبني مقاربة شاملة مع دول الجوار تشمل الحلول السياسية والتنموية مع العمل على تقليل تأثير العوامل الخارجية التي تغذي الحرب لان اليمن بحاجة إلى حلول حقيقية تنهي معاناة الشعب اليمني وليس إلى صراعات جديدة تتغذى على التصورات المبالغ فيها وغير الواقعية
* سفير بوزارة الخارجية