الديمقراطية تتراجع وحقوق الإنسان في مأزق
صدرت تقارير مهمة في آب/ أغسطس 2024 في الاتحاد الأوروبي. سلّط من خلالها الاتحاد الضوء على تحديات بارزة تواجه الدول الأعضاء في مجالات سيادة القانون واللجوء.
تناول تقرير سيادة القانون لعام 2024 المشكلات المستمرة في بعض الدول الأعضاء التي تعاني من تراجع الديمقراطية، في حين ركز تقرير اللجوء على التحديات والإصلاحات الضرورية للتعامل مع اللاجئين وطالبي اللجوء.
"تراجع المعايير الديمقراطية"
يعد تقرير "تراجع المعايير الديمقراطية" واحداً من أبرز المؤشرات التي تصدرها المفوضية الأوروبية سنوياً، حيث يراقب ويقوّم الوضع القانوني والديمقراطي في الدول الأعضاء. وهو يركز على أربعة محاور رئيسة: نظام العدالة، إطار مكافحة الفساد، التعددية الإعلامية وحرية الإعلام، والمؤسسات المتعلقة بالفصل بين السلطات.
أما الدول التي تعرّضت لانتقاداتٍ شديدة في التقرير، فكانت أبرزها هنغاريا، إيطاليا وسلوفاكيا. في هنغاريا، يستمرّ القلق بحسب التقرير بشأن تأكّل استقلال القضاء، حيث يتعرّض النظام القضائي لضغوطات شديدة من السلطتين التنفيذية والتشريعية. ويشير إلى تحكم الحكومة في وسائل الإعلام وتضييق الخناق على المجتمع المدني، مما يهدّد التعدديّة الإعلامية ويقوّض الرقابة العامة.
في إيطاليا، يشير التقرير إلى مشكلات متعلقة بالفساد، حيث لا تزال الدولة تواجه تحديات كبيرة في مكافحة الفساد الذي يؤثر سلباً على ثقة الجمهور في المؤسسات. ويعاني النظام القضائي في إيطاليا من بطء الإجراءات القانونية وتأخرات كبيرة، مما يضرّ بإدارة العدالة. كما تتعرض حرية الإعلام لضغوط من التدخلات السياسية وتزايد تركيز ملكية وسائل الإعلام، مما يحدّ من استقلالية الإعلام.
أما في سلوفاكيا، فيشير التقرير إلى تدخل سياسي في القضاء يضعف من استقلاليته ونزاهته. بالإضافة إلى ذلك، تستمر المشكلات المتعلقة بالفساد وحرية الإعلام، حيث أثرت الإصلاحات المثيرة للجدل على استقلالية وسائل الإعلام، مما يضعف الرقابة العامة ويحدّ من شفافيّة الحكومة.
التوصيات والإصلاحات المطلوبة
على ضوء هذه التحديات، قدّم تقرير سيادة القانون توصيات لكل دولة لتحسين الوضع الديمقراطي والقانوني. شملت التوصيات تعزيز استقلالية القضاء، تحسين إطار مكافحة الفساد، وضمان حرية الإعلام من خلال تقليل التدخلات السياسية وتوسيع التعددية الإعلامية. كما دعا التقرير إلى تقوية الضوابط والتوازنات المؤسسية لضمان عدم تركز السلطة في يد جهة واحدة.
التحديات والإصلاحات
بالإضافة إلى تقرير سيادة القانون، أصدرت وكالة الاتحاد الأوروبي للجوء تقريرها السنوي لعام 2024، الذي يركز على القضايا المتعلقة باللاجئين وطالبي اللجوء في الاتحاد الأوروبي. وهو يغطي مجموعة واسعة من القضايا، بما في ذلك تقديم الحماية الدولية، دمج اللاجئين، والتحديات المتعلقة بالأطفال والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة في إجراءات اللجوء.
أحد الجوانب البارزة التي أشار إليها التقرير هو الحاجة إلى تحسين خدمات الترجمة الفورية للاجئين وطالبي اللجوء. تعتبر الترجمة الفورية جزءاً حيوياً من عملية اللجوء، حيث تساعد في ضمان فهم اللاجئين للإجراءات القانونية وتقديم طلباتهم بشكل صحيح. في كثير من الأحيان، يعاني اللاجئون من سوء الفهم بسبب نقص جودة الترجمة، مما يعقد وضعهم القانوني ويؤثّر على قدرتهم في الحصول على الحماية المناسبة.
دمج اللاجئين ودعمهم
يشير التقرير أيضاً إلى التحديات المتعلّقة بدمج اللاجئين في المجتمع الأوروبي. إذ تواجه العديد من الدول الأعضاء صعوبات في تطوير وتنفيذ استراتيجيات دمج فعّالة. يشمل ذلك توفير التعليم والتدريب اللغوي، تسهيل الوصول إلى سوق العمل، وتوفير سكن لائق. يشدد التقرير على أهمية التعاون بين مختلف الجهات الفاعلة، بما في ذلك الحكومات المحلية والمجتمع المدني، لضمان دعم شامل للاجئين.
ومن القضايا الملحة الأخرى التي يناقشها التقرير هي حماية الأطفال والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة في نظام اللجوء. وتشير البيانات إلى تزايد أعداد الأطفال غير المصحوبين بذويهم الذين يطلبون اللجوء في الاتحاد الأوروبي، مما يتطلّب استجابة سريعة وفعّالة من السلطات. كما يلفت التقرير الانتباه إلى الحاجة إلى تحسين الإجراءات الخاصة بالأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة لضمان حصولهم على الدعم اللازم خلال عملية اللجوء.
إصلاحات جذريّة
تسلّط تقارير الاتحاد الأوروبي لعام 2024 الضوء على تحديات كبيرة تواجه الدول الأعضاء في مجالات سيادة القانون واللجوء. في حين يشير تقرير سيادة القانون إلى تراجع الديمقراطية في بعض الدول الأعضاء، ويركز تقرير اللجوء على التحديات والإصلاحات الضرورية لتحسين أوضاع اللاجئين في أوروبا.
تتطلب هذه التحديات استجابة شاملة من الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء، تتضمن تنفيذ توصيات إصلاحية لتعزيز الديمقراطية وسيادة القانون، وكذلك تطوير استراتيجيات فعالة لدعم ودمج اللاجئين.
إن التعامل مع هذه التحديات بجدية وحزم يمكن أن يسهم في تعزيز استقرار الاتحاد الأوروبي وضمان احترام حقوق الإنسان وقيم الديمقراطية في جميع أرجائه، بعد أن هزّت الأزمات الجيوسياسية ومواقف السياسة الخارجية للاتحاد حيال القضايا السياسية-الأخلاقية التي تفرزها تلك الأزمات، الثقة بمنظومة القيم التي لطالما نادت بها دول الاتحاد، وبنت على أساسها حضورها العالمي ودعايتها السياسية التي تدّعي من خلالها دوراً عالمياً تبشيرياً بحقوق الإنسان.
الكاتب: محمد سيف الدين