قراءات روسية في «مفاجأة حلب»: إسرائيل ليست بريئة
بعد أيام من بدء الهجوم الذي تشنّه الجماعات المسلحة في محافظتي حلب وإدلب، تكثّف القوات الجوية السورية والروسية عمليات القصف الجوي على «خطوط تحرك الإرهابيين ومواقعهم ومقارّهم ومستودعات الأسلحة والذخيرة» التابعة لهم، فيما تؤكد موسكو أنّ هذه العمليات تهدف إلى دعم الجيش السوري في مواجهة «المتمردين».
وعلى الصعيد الدبلوماسي، بحث وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، ونظيره الإيراني، عباس عراقجي، في مكالمة هاتفية، التطورات الأخيرة على الساحة السورية، وأعربا عن قلقهما الشديد إزاء التصعيد الأخير، المرتبط بـ»الهجوم الإرهابي الذي تشنّه الجماعات المسلحة»، بحسب شبكة «روسيا اليوم».
كما أكّد الطرفان دعمهما القوي لسيادة سوريا ووحدة أراضيها. وأبلغ عراقجي لافروف أنّ التحركات الأخيرة تندرج في إطار المشروع «الإسرائيلي – الأميركي» لزعزعة أمن منطقة غرب آسيا، داعياً روسيا وباقي دول المنطقة إلى زيادة «التنسيق واليقظة» لإحباط تلك «المؤامرة الخطرة». كذلك، اتفق الوزيران على الحاجة إلى تكثيف الجهود المشتركة، والرامية إلى تحقيق استقرار الوضع في سوريا، ومعالجته بشكل عاجل وبطريقة شاملة في إطار «صيغة أستانا»، بالتنسيق مع أنقرة.
وعلى ضوء الأحداث الأخيرة، اعتبر المحلل والكاتب السياسي، ألكسندر نازاروف، في منشورات على قناته على «تيلغرام»، أنّ ما يحصل في سوريا يتطلب، بالتأكيد، ردّة فعل، ولا سيما من إيران، باعتبار أنّ الأخيرة كانت «الهدف الرئيسي للعملية برمّتها»، «والتي تقف وراءها إسرائيل». كما اعتبر الخبير الروسي أنّه ما من مقوّمات لسيناريو «أسوأ» بعد في سوريا، وأنّ «محور المقاومة وروسيا لم يتحدّثا بعد»، وسط معلومات تفيد بأنّ الجيش السوري يستعد لشنّ هجوم مضاد، بهدف استعادة المناطق التي خسرها.
وفي الاتجاه عينه، رأى المحلل الروسي نفسه، في تقرير نشرته أمس شبكة «روسيا اليوم»، أنّه «من الواضح، بما في ذلك من خلال الاستناد إلى اعتراف رئيس الموساد السابق، أفرايم هاليفي، بوجود علاقات بين إسرائيل وجبهة النصرة»، أن هجوم «هيئة تحرير الشام» و»الجيش الوطني السوري» على حلب حصل، على أقل تقدير، «بالتنسيق مع إسرائيل»، وهو يهدف إلى «استفزاز» إيران للرد بشكل قوي ومباشر، إلى حدّ «يدفع الولايات المتحدة إلى الدخول في الصراع، أو يُشكل أساساً لاستخدام إسرائيل للأسلحة النووية»، على حدّ تعبيره، ولا سيما أنّ إسرائيل فشلت في القيام في ذلك عبر استهدافها لـ»حزب الله»
في لبنان. وطبقاً لنازاروف، فإنّ ما يحصل في سوريا ليس معركة من أجل قرية، أو شارع، بل معركة من أجل «طابق واحد في مبنى متنازع عليه»، وإنّ «نجاح الإرهابيين تمثّل في الاستيلاء على غرفة واحدة فقط من هذا الطابق، ما يعني أن أي تقدم أو تراجع لأي طرف من الأطراف في سوريا هو أمر مؤقت، حتى يتم حسم القضية الرئيسية، وهي كالتالي: من سينتصر؟ روسيا والصين، أم الغرب؟».
وبحسب الرأي المتقدّم، فإن «القادة الإرهابيين لم يكرروا خطأ الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، فحسب، باستسلامهم لوهم إمكانية انتصار الغرب على روسيا، بل وافقوا أيضاً على أن يصبحوا مادة مستهلكة في حرب إسرائيل ضد إيران، ولم يتعلموا أي درس من الجولة الأولى من الحرب السورية بعد التدخل الروسي».
وبصورة أعم، فإنّ مهمة إسرائيل، التي ستنضم إليها إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب، هي «إرهاق» إيران داخلياً، عبر العقوبات وزيادة تخصيص الموارد لـ»حزب الله» وسوريا، ما سيتسبب بـ»فوضى داخلية» فيها، وكحد أقصى، تفكيكها. أمّا الحد الأدنى، طبقاً لنازاروف، فيتمثل في قطع الجسر مع لبنان وزعزعة استقرار سوريا، لإجبار إيران على تصعيد القتال.
وبناءً على ما تقدّم، لا يرجّح المحلل الروسي أن تكون هناك حرب منخفضة الحدة في سوريا لعدة سنوات مثل المرة السابقة، إذ إنّه حتى في حال استمرار «الهجوم الإرهابي» الأخير، ستُجبر إسرائيل على القبول بحل بحلول عام 2025، وربما في النصف الأول منه، نظراً إلى أنّ ترامب بحاجة إلى التحول نحو مواجهة الصين.
وفي التوقيت المُشار إليه أيضاً، من المرجّح أنّ تتوقف أوكرانيا عن «المقاومة»، ما سيمنح موسكو مساحة أكبر لـ»ا
ستعادة السيطرة في سوريا»، ويجعل مهمة الرئيس السوري تقتصر على «الصمود خلال فترة نصف عام» فحسب، ولا سيما أنّ سوريا لن تمثّل أي أولوية بالنسبة إلى ترامب، «خصوصاً إذا كانت روسيا هناك، لا إيران».
تزامناً مع ذلك، كان لافتاً، طبقاً لتقرير نشره موقع «ساوث فرونت» الروسي، ومقره القرم، أن تشنّ القوات الإسرائيلية هجوماً على البنى التحتية السورية على الحدود مع لبنان، بالتزامن مع التحركات العسكرية الأخيرة في سوريا، وأن تبدأ هذه التحركات، بدورها، بالتزامن مع التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين إسرائيل ولبنان.
وينقل الموقع عن مصادر عبرية قولها إنّ «مسؤولي المخابرات أبلغوا بنيامين نتنياهو بأن انتباه حزب الله سيتحول إلى سوريا، وكذلك قواته، من أجل الدفاع عن نظام بشار الأسد»، ما سيعزز «احتمالية صمود وقف إطلاق النار». ووفقاً لتقييم هؤلاء، فإنّ «التطورات الأخيرة تبدو إيجابية».
وعلى الرغم من أنّ المصادر العبرية زعمت أنّ التقييمات الاستخباراتية نفسها تُشير إلى أنّ «انهيار نظام الأسد من المرجّح أن يخلق فوضى، تتعزز على ضوئها التهديدات العسكرية ضد إسرائيل»، يؤكد الموقع الروسي أنّه «بشكل عام، يبدو أن إسرائيل متفائلة للغاية بشأن تقدم الجماعات الإرهابية في سوريا»، وأنّ «الضربات التي يشنها الجيش الإسرائيلي على الأراضي السورية هي شكل من أشكال الدعم» لتلك التحركات.
ويستعد جيش الاحتلال، وفقاً للتقييمات المشار إليها، لسيناريو قد يفرض على إسرائيل «التحرك»، وسط تقديرات بأنّ عدداً كبيراً من القوات الإيرانية «قد يتحرك إلى سوريا»، من أجل محاولة إعادة الاستقرار.
وحول التقدم الأخير للجماعات المسلحة، أوضح الموقع نفسه، في منشور عبر «تيلغرام»، أنّ وحدات الجيش السوري القادرة على التحرك كانت تتجه بالفعل نحو منطقة القتال، ووصلت إليها، فيما تطلب وصول القوات الإيرانية «أياماً إضافية»، وسط «نقص في القوات الروسية»، التي تشنّ ضربات جوية على المتمردين.
وطبقاً للمنشور عينه، فإنّ التطورات الأخيرة تدور وسط «فرح تركي وإسرائيلي»، فيما يبقى من غير الواضح، طبقاً لأصحاب هذا الرأي، ما إذا كانت «الجماعات الكردية، ستهرب، أو ستساوم مع (هيئة تحرير الشام)» في نهاية المطاف.
ريم هاني