الآثار اليمنية.. نزيف مستمر عبر المزادات العالمية
كشف خبير يمني متخصص في مجال الآثار عن عرض عدد من القطع الأثرية اليمنية في مزادات علنية بدول غربية، خلال أسبوعين، بعد أن جرى تهريبها عبر سماسرة وعصابات متخصصة في سرقة وتهريب الآثار إلى خارج البلاد.
ووفقاً للمتخصص اليمني في تتبع ورصد الآثار المهربة عبد الله محسن، فإن من ضمن الآثار التي عُرضت للبيع بمزادات عالمية في الفترة من 15 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وحتى 27 من الشهر نفسه، وَعْلاً برونزياً يعود للقرن الخامس قبل الميلاد، ومجسماً نسائياً نادراً مع نقش بخط المسند، و«شاهدة» نادرة يعود تاريخها إلى القرن الأول قبل الميلاد، وقطعة «كيوبيد» نادرة، إضافة إلى مجموعة تحف وتماثيل وقطع أثرية يقدر عمر بعضها بنحو 5 آلاف عام.
الباحث اليمني عبد الله محسن كشف عن نقل «قبر أثري» قبل أيام من محافظة الجوف، شمال شرقي صنعاء، إلى مطار منشأة الغاز المسال في شبوة، ومنه جواً إلى فرنسا، مؤكداً أن ذلك يعد نموذجاً حقيقياً لمدى سهولة تهريب الآثار إلى خارج اليمن، كما يعزز أيضاً فرضية بيع الآثار من مواقع اكتشافها بالجملة وليس بالتجزئة.
متحف مفتوح للنهب
يتحدث الخبير اليمني عبر سلسلة منشورات في «فيسبوك» عن بيع «شاهدة نادرة» لقبر «أوس» من الحجر الجيري في تورونتو بكندا، في 17 نوفمبر الماضي، موضحاً أن تاريخ القطعة يعود إلى فترة ما قبل الميلاد، وهي من آثار اليمن من سبأ أو قتبان محفوراً بمنتصفها كلمة «أوس»، وهو من الأسماء الشائعة في حضارات اليمن القديم.
وعُرضت «الشاهدة النادرة» للبيع في المزاد بعد شرائها من معرض «دونالد إليس» بنيويورك في 15 مايو (أيار) 2008، بنحو 40 ألف دولار، بينما تجاوز ثمنها في المزاد الحالي بين 8 و12 ألف دولار، ما أثار الشك حول مصدرها.
يأتي ذلك في وقت تؤكد فيه مصادر يمنية استمرار أعمال النهب والتنقيب العشوائي بعدد من الأماكن والمواقع الأثرية المنتشرة بالمناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين بحثاً عن آثار ونقوش قديمة من قبل عصابات ومافيا الآثار المدعومة من قبل كبار قادة الجماعة.
ويُعدّ اليمن متحفاً مفتوحاً، ولا يكاد يخلو موقع أو منطقة فيه من تاريخ محكي أو آثار مطمورة أو حضارة ازدهرت وبُنيت، في حين تعرض نحو 12 متحفاً من أصل 20، وفق مسؤول سابق في الهيئة العامة للآثار والمتاحف بصنعاء، للنهب والتدمير والخراب المنظم على يد الجماعة الحوثية.
قطع نادرة
ضمن عملية التتبع والرصد، كشف خبير الآثار اليمني عبد الله محسن عن استعدادات أجريت لعرض «وعل برونزي» يمني بأحد مزادات لندن في 30 نوفمبر الماضي.
كما يُعرض في مزاد «آرتيميشن» للجواهر القديمة والآثار تمثال برونزي من القرن الميلادي الأول من آثار اليمن. ويصف محسن ذلك التمثال بأنه يقف على أرجله الأربع مع ذيل قصير منتصب وعينين لوزيتين محفورتين بعمق وقرون عالية مقوسة مع أطراف ملتوية، وتستقر على الرأس.
وتضم معظم المتاحف العالمية والإقليمية كثيراً من تماثيل الوعول البرونزية والذهبية أغلبها سبق أن هُربت عبر عصابات من اليمن، حيث يعد أشهرها قلادة الوعل «الذهبي» بمتحف لندن، ووعل «مريمة» في دار الآثار الإسلامية في الكويت، ووعل مجموعة آل ثاني في فرنسا.
وسبق لدار «سوذبيز» للمزادات في لندن أن عرضت بمثل هذه الأيام من العام الماضي إحدى أشهر جداريات اليمن الأثرية والتي كانت من مقتنيات متحف «فيتزويليام كامبريدج» للبيع في مزاد علني.
ويكشف خبير الآثار ضمن عملية التتبع والرصد عن قيام 3 مزادات عالمية بمنتصف نوفمبر الماضي، بعرض قطع أثرية يمنية نادرة يقدر عمر بعضها بـ5 آلاف عام، وتوازى ذلك مع استمرار تصاعد وتيرة عمليات الحفر والتنقيب العشوائي على أيدي عصابات متخصصة في مناطق يمنية تخضع أغلبها تحت سيطرة الحوثيين.
واستهدفت مليشيا الحوثي منذ سيطرتها على السلطة كل مواقع ومعالم اليمن الأثرية والتاريخية، تارةً بالنهب والتهريب والبيع خارج اليمن، وأخرى بالتفجير والقصف والتحويل لمخازن أسلحة وثكنات عسكرية.
ويحمّل المهتمون بالآثار والتراث اليمني قادة المليشيات مسؤولية ما يجري من أعمال عبث ونبش وسرقة وتهريب واتجار غير قانوني ومستمر بالآثار اليمنية، وسط مطالب رسمية لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة (اليونيسكو) والمنظمات المهتمة بالتراث في أوروبا، وغيرها من أجل التدخل لمنع تداول الآثار اليمنية المهربة بالأسواق التجارية والمزادات العالمية، والعمل على إعادتها.