
إيطاليا على موعد مع تغيير تاريخي في كرة القدم
يترقّب عشّاق كرة القدم في إيطاليا تغييراً تاريخياً قد يعيد رسم ملامح اللعبة، مع استعداد الحكومة بقيادة رئيستها جورجيا ميلوني (48 عاماً) لإطلاق مرسوم "الرياضة"، الذي يشرف عليه وزير الرياضة أندريا أبودي (65 عاماً).
ويهدف المرسوم إلى تعزيز الجانب الاقتصادي للمنظومة الرياضية، غير أنه يواجه معارضة داخلية، رغم ما يبدو على الورق من أهداف إصلاحية تصبّ في مصلحة الرياضة، في ظل التراجع الملحوظ الذي تعيشه اللعبة في البلاد خلال الفترة الأخيرة.
وكشف موقع فوت ميركاتو الفرنسي، الأربعاء، أن مشروع المرسوم يتضمّن سلسلة إصلاحات هيكلية، أبرزها إنشاء لجنة مستقلة لمراقبة الشؤون المالية للأندية المحترفة، وتعيين مفوّض خاص لتسريع إنجاز مشاريع البنية التحتية الرياضية.
كما ينصّ المشروع على تشديد شروط الترشّح لاستضافة البطولات الدولية، وتحديد عدد ولايات رؤساء الاتحادات الرياضية.
وتأتي هذه الإصلاحات استجابة لملاحظات قدّمها الاتحاد الأوروبي لكرة القدم "يويفا" بشأن عدم استيفاء عدد من الملاعب الإيطالية، على غرار ملعب سان سيرو الشهير، المعايير الأوروبية المطلوبة.
وبحسب رؤية الحكومة الإيطالية، فإن هذا الإصلاح يهدف إلى فرض النظام وتعزيز مبادئ الشفافية داخل المنظومة الرياضية، إلى جانب كسر الجمود الإداري الذي لطالما أعاق مسار التطوير.
وتُعوّل السلطات على هذه الإجراءات لإعادة إحياء صورة الرياضة الإيطالية، خصوصاً مع اقتراب استحقاقات كبرى مثل بطولة كأس أوروبا 2032، والألعاب المتوسطية 2029،
إلى جانب طموحات استضافة كأس "أميركا" للزوارق الشراعية، ما يفرض الحاجة الملحّة إلى بنى تحتية متطوّرة ومنظومة إدارية أكثر كفاءة.
لكنّ المرسوم لم يمرّ من دون إثارة الجدل، إذ عبّرت رئاسة الجمهورية عن تحفظات واضحة معتبرة أن بعض بنوده يمثّل مساساً بتوازن السلطات، لا سيما تلك التي تمنح صلاحيات موسّعة لرابطة دوري الدرجة الأولى.
كما ظهرت انقسامات داخل الأغلبية الحاكمة بين التكنوقراط الداعمين للمشروع وممثلي الأقاليم الذين عبّروا عن مخاوفهم من تهميش دورهم. وامتدت الاعتراضات إلى الاتحادات الرياضية التي ترى في هذا الإصلاح تهديداً مباشراً لاستقلاليتها الإدارية والمالية.
وعلى المستوى الرياضي، يُعدّ المرسوم خطوة غير مسبوقة في تاريخ كرة القدم الإيطالية، إذ يقترح إنشاء لجنة رقابة مالية تابعة للدولة، وليس فقط للاتحاد، لمراقبة ميزانيات أندية الدرجات الأولى والثانية والثالثة.
وستمتلك اللجنة صلاحيات واسعة تشمل التدقيق، والإنذار، وفرض عقوبات مثل رفض التراخيص أو تقييد الانتقالات. ويأمل البعض أن تساهم هذه الرقابة في تقليل العجز المالي والفوضى الإدارية التي يعانيها العديد من الأندية،
بينما يرى آخرون أنها تهدد استقلالية الرابطات والمسابقات.
ويتضمّن المرسوم أيضاً بنداً خاصاً بالبنية التحتية، مع تعيين مفوّض حكومي للملاعب من أجل تسريع عمليات التحديث والتشييد التي لطالما تعطلت بسبب الخلافات بين الأندية والبلديات والسلطات الإقليمية.
ويهدف هذا الإصلاح إلى تجهيز إيطاليا لاستضافة البطولات، وتعزيز دخل الأندية عبر الملاعب الحديثة، لكن من دون ضمان تمويل حكومي مباشر، ما يضع عبئاً إضافياً على الأندية للبحث عن شركاء استثماريين.
ويتمثل أحد أكثر البنود حساسية في تحديد عدد ولايات رؤساء الاتحادات، وهو ما قد يصطدم بموقف الاتحادين الأوروبي والدولي (يويفا وفيفا) الرافضَين أي تدخل حكومي في شؤون اللعبة.
ويخشى المراقبون أن تتسبّب هذه الخطوة في عقوبات محتملة على الرياضة الإيطالية إذا لم يتم التوصل إلى تسوية مع المؤسسات الدولية.
وفي ظل هذا التباين بين طموحات الحكومة وتحفّظات الداخل والخارج، يبدو أن مرسوم "الرياضة" يقف عند مفترق طرق حاسم، فإما أن يشكّل انطلاقة لإصلاح شامل يعيد كرة القدم الإيطالية إلى الواجهة، أو يتحوّل إلى مشروع مجمّد بفعل التعقيدات السياسية والمؤسسية.
وبين رغبة الدولة في فرض الحوكمة وحرص الاتحادات على استقلالها، تبقى الأيام المقبلة كفيلة بكشف ما إذا كانت إيطاليا على أبواب نهضة رياضية حقيقية، أم على موعد جديد مع صراع طويل بين السياسة والملاعب.