
لمزيدٍ من التعقيد والتقسيم: إعلانُ «وثيقة الحكم الذاتي» في حضرموت
الرأي الثالث
أعلن الفريق، الذي شكّله «حلف القبائل» لاعداد وثائق الحكم الذاتي لحضرموت، وثيقة المبادئ الأساسية للحكم الذاتي لمحافظة حضرموت الأكبر مساحة والأغنى نفطًا في اليمن؛
في خطوة تزيد من تعقيد المشهد السياسي اليمني، وتفرض معوقًا إضافيًا أمام مسار الحل والسلام، في البلد الغارق في الاحتراب منذ 11 سنة.
تتحدث الوثيقة عن شعب، وسيادة ، وأمة عالمية، ودستور وعلم ونشيد وطني وحدود، وعن كيفية تنظيم العلاقة مع الجيران، موضحة أن حضرموت تتنازل للدولة فقط عن (العملة، التمثيل الخارجي، والدفاع الوطني)، بينما تحدثت، في سياق الوثيقة، عن «قوات الدفاع، في ظل دستورها المعبر عن سيادة شعب حضرموت على أرضه»؛ وهو ما اعتبره مراقبون خطوة في طريق الاستقلال لا الحكم الذاتي.
وأعلن الفريق، في بيان إعلان الوثيقة، تلقته «القدس العربي»، انطلاق ما اسماه «المسار السياسي السلمي لتمكين حضرموت من إدارة شؤونها بإدارة أبنائها واستعادة قرارها الوطني بعيدًا عن موروثات التبعية والاقصاء والتهميش»، حد تعبيره.
وأشار فريق إعداد الوثيقة إلى أن «الحكم الذاتي هو صيغة راشدة لتمكين (الشعب الحضرمي) من تقرير مصيره التنموي والإداري وبناء نموذج عادل يحترم كرامة الإنسان ويصون خصوصية الأرض والهُوية».
واعتبر أن «إعلان الوثيقة يعد الخطوة الأولى نحو عقد اجتماعي حضرمي جديد يعيد القرار لأهله».
«الرأي الثالث» تلقت نسخة من الوثيقة، التي استهلت بتعرف للرؤية العامة للحكم الذاتي المنشود هناك، «باعتباره نظام حكم ذاتي حضرمي مستقل له إدارة حرة وسيادة ويمتلك صلاحيات كاملة للحكم والإدارة، عبر تبني نظام الهياكل المتوازنة، للمعادلة بين المسؤولية والمساءلة، وإنشاء مؤسسات التشريع، والقضاء، والرقابة، والمساءلة، وإنفاذ القانون، وتحقيق الشفافية، ومنع الفساد، بهدف الوصول لمجتمع تسوده العدالة، والتنمية، والكفاءة، وحكم القانون».
وأكدت الوثيقة أن «حضرموت تتمتع بكامل الصلاحيات السيادية على أرضها، وثروتها، ومواطنيها، وحقها في أن يكون لها دستورها، وعلمها، ونشيدها الوطني، ومجلسها التشريعي وقوانينها، وقضائها، وبرامجها التنموية، والاقتصادية، والمالية، والأمنية وكافة المؤسسات الضرورية لذلك».
وأشارت الوثيقة إلى ان «حضرموت تتنازل عن أي من صلاحياتها للدولة (كالعملة ، التمثيل الخارجي، الدفاع الوطني)، هو بغرض إدارة المصالح المشتركة مع المشاركة الفعالة، والندية، في المؤسسات التي تنشئها الدولة وفق معايير المساحة، والسكان، ونسبة المساهمة في الموازنات العامة، وتكون هذه المعايير هي المعتمدة في جميع مؤسسات الدولة التشريعية والقضائية والتنفيذية، والمؤسسات الدفاعية والأمنية، والتمثيل الدبلوماسي في الخارج، وتبقى كل هذه المؤسسات تحت المساءلة عبر الوسائل المشروعة في حالة مخالفة هذه المعايير، أو الإخلال بها».
وقالت الوثيقة إن «حضرموت الموحدة، والمستقلة بإرادتها الحرة، لأبنائها كامل السيادة على أرضهم، وثرواتهم، وقرارهم السياسي، وحقهم في تقرير مصيرهم، وصياغة مستقبلهم، وتنظيم حياتهم، ويعبر شعب حضرموت عن إرادته بالوسائل الديمقراطية النزيهة».
وأشارت إلى أن «حضرموت تنشئ مؤسسات الحكم من سلطات تشريعية وقضائية وتنفيذية، وأمنية وسلطات إنفاذ القانون وقوات الدفاع، في ظل دستورها المعبر عن سيادة شعب حضرموت على أرضه». وقالت إن «حضرموت تلتزم بالحفاظ على الحدود المشتركة مع جيرانها، وتنسق معهم ضمن إستراتيجية أمنية شاملة بما يخدم الجميع».
الوثيقة لا تقدم رؤية واضحة لماهية الحكم الذاتي، وفي نفس الوق نجدها تمثل تحديًا لوحدة البلاد باعتبارها تتحدث عما يشبه الاستقلال تحت مظلة الحكم الذاتي؛ كما أنها تمثل تحديًا إضافيًا للوضع الدستوري والقانوني القائم لما تبقى من هيكل الدولة الوطنية اليمنية؛ كما نراها تزيد من تعقيد الوضع الراهن، وتحديدًا مسار الحل والسلام.
كما يتعزز من خلال هذه الوثيقة موقف حلف قبائل حضرموت المطالب بالحكم الذاتي لحضرموت، لاسيما وأن الحلف بات يمتلك مليشيا خاصة به باسم «قوات حماية حضرموت»، وبالتالي فإن هذه القوات الآخذة في التمدد في وادي حضرموت ستشكل تحديًا ليس للحكومة، وإنما بدرجة كبيرة لمشروع المجلس الانتقالي الجنوبي (الانفصالي)،
بمعنى أن حضرموت باتت ساحة نزاع سياسي على النفوذ هناك، وقد يتطور الوضع إلى نزاع مسلح في المستقبل بين المكونين؛ في حال لم يتفق من يمولهما خارجيًا على رؤية واحدة لاستغلال حضرموت في سياق مشاريعهم، التي تستهدف وحدة اليمن.
حاليًا لا يوجد دستور يمني يقر الحكم الذاتي؛ بينما ما يمضي إليه حلف قبائل حضرموت يستند إلى مشروع كبير يستهدف من خلاله خلق واقع جديد في البلاد المحتربة على السلطة والثروة تحت اشراف وتمويل خارجي إقليمي ودولي.
الحكومة التزمت الصمت حتى مساء الاثنين إزاء التعليق حول هذه الوثيقة، وكذلك التحالف العربي، ومثلهما اللجنة الرباعية الدولية المشرفة على المسار السياسي للأزمة اليمنية.
يرى أمين عام حزب التجمع الوحدوي اليمني، عبدالله عوبل، أن الأساس في هذه الوثيقة هو الحكم الذاتي، وهو أمر جيد، لكنه قال إن ما يراه في هذه الوثيقة ليس حكمًا ذاتيًا بل استقلال تام؛ لأن الوثيقة تتحدث عن شعب وسيادة وجدود وجيران.
وفال : «الأساس في هذه الوثيقة هو الحكم الذاتي. وهو أمر جيد، فالحكم الذاتي لا يعني استقلالية تامة عن بقية اليمن. الحكم الذاتي وفقا لتجربة كردستان العراق يرتبط بوجود سلطة مركزية وقانون يقضي بتوزيع السلطات والقوانين والثروة بين الأقاليم.
لكن هذه الوثيقة تبدو ملتبسة بلا أهداف ولا وضوح ولا رؤية لماهية الحكم الذاتي وشروطه. ما أراه هنا ليس حكمًا ذاتيًا، بل استقلال تام. الحديث عن شعب وسيادة حضرموت وحدودها وجيرانها، مع عدم تحديد الحدود. لا تحمل هذه الوثيقة معالم دولة واضحة ولا هي وصفت حكم ذاتي واضح».
خطوة استباقية
الأكاديمي عادل دشيلة، الباحث في المركز الشرق أوسطي للأبحاث في جامعة كولومبيا، يرى «في هذا الإعلان خطوة استباقية من الحضارم ضد مشروع المجلس الانتقالي الجنوبي، للحؤول بينه وبين السيطرة على حضرموت عسكرياً وبدعم إقليمي،
وبالتالي يفرض سيطرته على هذه المحافظة. ثانياً هذه الخطوة من الناحية القانونية لا معنى لها باعتبارها مخالفة للدستور النافذ في البلاد، وبالتالي هي إعلان من طرف واحد ولا معنى لها قانونيا».
واستدرك قائلا لـ«القدس العربي»:«لكنها ستعقد من المشهد السياسي مستقبلاً، خصوصاً وأن هناك حديث عن عملية سياسية وتسوية سياسية قادمة. على ما يبدو من الخطوات أن الحضارم يريدون تكرار تجربة كردستان العراق في حضر موت. لكن نحن ما نزال حاليًا في إطار نظام الجمهوري اليمنية، ولا يوجد قانون يتيح لفواعل ما دون الدولة أن تنجز هذا الإعلان، أو أن تحاول أن تفرض السيطرة بأي وسيلة أخرى على الأرض».
وأضاف: «مع الأسف اليمن مقسّم عملياً إلى كانتونات تحكمها جماعات ما دون الدولة بدعم إقليمي واضح. ولهذا مثل هذه الخطوة ستعقد من عملية الحل السياسي مستقبلاً،
وستشجع بعض الأطراف في المحافظات الغنية بالنفط مثل شبوة ومأرب والمهرة أن تبني نفس الاستراتيجية، وهذا يعقد المشهد، وينعكس سلباً على حياة المواطن العادي؛
لأنه نحن الآن في مرحلة اللادولة. لم يعد لدينا من الدولة الوطنية إلا الكيان الدستوري والاعتراف بها من المجتمع الدولي، لكن عملياً هناك كانتونات تحكم بالقوة العسكرية على الأرض».
وأعرب دشيلة عن مخاوفه، «من تأثير التحولات الجيوسياسية في المنطقة والصراع الحالي ما بين الإسرائيليين والإيرانيين، وما يُعرف بهندسة الشرق الأوسط الجديد، كل هذه المؤشرات سلبية، في بلدان مثل اليمن ومناطق أخرى تمر بصراعات أهلية.
لهذا يجب أن ننتظر ما ستؤول إليه الأحداث ولا أعرف ما هو موقف التحالف العربي، وكذلك موقف الحكومة اليمنية والرباعية الدولية»، مشيرا إلى أن «المجلس الانتقالي أعلن الإدارة الذاتية في عدن، وفشل ويهدد ويلوح مرة أخرى بإعلان الإدارة الذاتية،
وبالتالي أنا في تصوري الشخصي أن هذا الاعلان مصيره الفشل».
وتشهد حضرموت، منذ نحو عام، احتقانًا سياسيًا واستنفارًا قبليًا ضد السلطة المحلية والحكومة المركزية يقوده حلف قبائل حضرموت، على خلفية مطالب حقوقية وسياسية تتعلق بالأوضاع المعيشية لأبناء المحافظة.
وهي الأزمة التي تصاعدت بين حلف قبائل حضرموت ومؤتمر حضرموت الجامع من جهة، والسلطة المحلية والحكومة المركزية من جهة ثانية. وقاد الحلف والجامع تصعيدهما ضد السلطة المحلية والحكومة، بشكل واضح، منذ يوليو/ تموز 2025،
جراء ما اعتبره الحلف والجامع «سوء إدارة الشأن العام» في المحافظة، وتدهور الخدمات؛ وهو ما عبّر عنه بيان مؤتمر حضرموت الجامع في 13 يوليو ، والذي منح السلطة المحلية مهلة شهر لتلبية مطالبه الخدمية.
تلا ذلك بيان لحلف قبائل حضرموت بتاريخ 31 يوليو طالب فيه بـ: تثبيت حق حضرموت في نفطها قبل أي تصرف فيه. وهدد الحلف بـ «وضع اليد على الأرض والثروة» عقب انتهاء مهلته، التي منحها لمجلس القيادة الرئاسي، ومدتها 48 ساعة،
وبدأ بالفعل، عقب المهلة، في نشر مسلحيه والسيطرة على مواقع حقول الإنتاج النفطي بموازاة استمرار الاستنفار القبلي في الهضبة الحضرمية، وصولا إلى إعلان الحلف في 28 أكتوبر/ تشرين الأول، أن تحقيق الحكم الذاتي الذي يحفظ لحضرموت الاستقلالية،
بات «حاجة ملحة»، فيما تم في 25 ديسمبر/ كانون الأول اعلان الحلف تشكيل «قوات حماية حضرموت» كقوة مسلحة غير حكومية. وفي يوم السبت الموافق 12 أبريل/ نيسان الجاري عقد الحلف «لقاء حضرموت»،
وانتهى اللقاء إلى تأكيد المطالبة بالحكم الذاتي لحضرموت «التي كانت مستقلة حتى عام 1967م» طبقا للبيان. وقال بيان اللقاء: «نرفض رفضًا قاطعا العودة تحت هيمنة بقية الأطراف بأي شكل من الأشكال».
ونشر رئيس حلف قبائل حضرموت، عمرو بن حبريش، على حساب الحلف في منصة «فيسبوك» بتاريخ 21 مارس/أذار خبرًا عن لقاء جمعه في جدة بوزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان. وفي تاريخ 12 مايو/أيار أعلن رئيس حلف قبائل حضرموت، عمرو بن حبريش، تشكيل، ما سماه، فريقًا مختصًا لإعداد، ما اعتبرها، «كافة الوثائق الأساسية لبناء الحكم الذاتي».
جاء بالتزامن مع إعلان عضو مجلس القيادة الرئاسي، فرج البحسني، أن المجلس كلفه بالإشراف على وضع الحلول اللازمة لاحتواء الأوضاع في محافظة حضرموت.