اتهام السعودية بالتجسس.. الحوثي يعيد التصعيد عقب هدوء ما بعد غزة
بعد مرحلة من الهدوء النسبي التي أعقبت وقف الحرب في غزة، عادت جماعة الحوثي إلى واجهة التوتر الإقليمي بإعلانها القبض على ما قالت إنها "شبكة تجسس دولية" تعمل لحساب أجهزة الاستخبارات السعودية والأمريكية والإسرائيلية.
ويأتي هذا الاتهام في سياق تصعيد إعلامي وسياسي متجدد من جانب الجماعة، في وقت تحاول فيه السعودية ترسيخ ترتيبات الاستقرار، فيما يعكس الإعلان توقيتاً لافتاً، إذ تزامن مع تزايد الحديث عن جولة تفاوض جديدة برعاية عمانية، ومع محاولات أممية لإحياء المسار السياسي في اليمن بعد أكثر من عام على الهدنة الهشة.
غير أن الطابع الحاد في الخطاب الحوثي ضد الرياض يوحي بأن الجماعة تسعى إلى تحريك المياه الراكدة عبر خلق أزمة سياسية جديدة، أو على الأقل إعادة نفسها إلى موقع الطرف الفاعل بعد تراجع الاهتمام الدولي بالملف اليمني لصالح ملفات غزة وإيران.
تفاصيل الاتهام
بحسب ما بثته القنوات التابعة للحوثيين، فإن "شبكة التجسس" التي ضبطت تضم أفراداً يمنيين وأجانب، وتعمل بإشراف مباشر من الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية والسعودية، وفق رواية الجماعة.
وزعمت أن مقر العمليات الرئيس "يقع داخل الأراضي السعودية"، وأن الهدف من النشاط "هو جمع معلومات عن القدرات الدفاعية اليمنية ونشر الفوضى الأمنية داخل صنعاء ومناطق سيطرة الجماعة".
ولم تصدر حتى الآن أي ردود رسمية من الرياض أو واشنطن أو تل أبيب على هذه المزاعم، بينما رأت الحكومة عبر وزير الإعلام معمر الإرياني أن الإعلان "يأتي في توقيت سياسي أكثر منه أمنياً"،
مشيرة إلى أن الجماعة تسعى عبر هذا النوع من الخطاب إلى "إعادة تأكيد نفوذها الداخلي وإظهار نفسها في موقع الدفاع ضد تآمر خارجي".
وأرفقت المليشيا بيانها بمشاهد مصورة لأشخاص قالت إنهم أعضاء في الخلية الموقوفة، تحدث بعضهم عن "تواصل مع أطراف خارجية"، غير أن تلك الاعترافات لم تتحقق من صحتها أي جهة مستقلة.
ويأتي ذلك في وقت تعيد فيه صنعاء ترتيب خطابها الإعلامي باتجاه مهاجمة السعودية بشكل مباشر بعد أشهر من التركيز على الولايات المتحدة و"إسرائيل خلال الحرب في غزة".
تصاعد التهديدات
لم يكن إعلان "شبكة التجسس" معزولاً عن تصعيد حوثي أوسع خلال الأسابيع الماضية، ففي أواخر سبتمبر وجه زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي انتقادات حادة للمملكة، متهماً إياها بالعمل "لحماية الملاحة الإسرائيلية" في البحر الأحمر.
وقال في خطابه الأسبوعي حينها: إن "أي عنوان لحماية الملاحة هو في واقعه وحقيقته حماية للسفن الإسرائيلية"، مضيفاً أن "العدو الصهيوني لا يستثني السعودية من مخططاته، وخدماتها له استخبارياً ومالياً وسياسياً لن تنفعها".
وتوجه الحوثي حينها بنبرة تحذيرية مباشرة إلى الرياض قائلاً: "لا تورطوا أنفسكم بدعم العدو الإسرائيلي عسكرياً أو بحرياً لحماية سفنه، فهو عار عليكم ولن ينجح".
وترافقت تصريحاته مع هجوم حاد على إعلان الشراكة السعودية-البريطانية لتأمين الملاحة في البحر الأحمر، حيث وصفها بأنها "واجهة لتأمين التجارة الإسرائيلية".
الأبعاد السياسية والإقليمية
ويقول الباحث السياسي نجيب السماوي: إن "الجانب الدعائي في الإخراج والمضمون يوحي بأن الإعلان مصمم لتثبيت رواية سياسية أكثر من كونه يكشف عملية استخبارية حقيقية".
هذا التحول في محور الاتهام يعكس، وفق السماوي، "رغبة الحوثيين في إعادة ضبط علاقاتهم الإقليمية، وتحويل أي تفاهم مع الرياض إلى مساحة تفاوض جديدة على النفوذ والتمويل".
ورأى في حديثه أن الاتهام الحوثي للسعودية بالتجسس لا يعبر فقط عن رغبة في التصعيد، "بل عن محاولة لتحسين موقع الجماعة في أي تفاهمات مقبلة، فمع انشغال العالم بملفات غزة وإيران، يسعى الحوثيون إلى استعادة الاهتمام الدولي بقضيتهم عبر افتعال أزمة جديدة مع الرياض".
وأضاف: "كما أن تراجع الدعم الإيراني المالي والعسكري النسبي منذ النصف الثاني من 2025 جعل الجماعة تميل إلى استخدام أدوات الضغط الإعلامي والسياسي لتعويض غياب الحضور الميداني المباشر".
وتابع: "تحاول الجماعة تصوير نفسها كقوة ممانعة إقليمية تربط سلوكها العسكري بالدفاع عن القضية الفلسطينية، وهو ما يمنحها هامشاً سياسياً في الداخل اليمني أمام جمهورها، لكنه يضعها في مواجهة مباشرة مع السعودية التي تقود حالياً ترتيبات إقليمية لأمن الملاحة ضمن تحالفات بحرية متعددة".
وأكمل: "في المقابل تتعامل الرياض مع التصعيد الحوثي بصمت محسوب، دون رد رسمي مباشر، حيث تفضل احتواء التصعيد إعلامياً وتجنب تحويله إلى أزمة أمنية، خاصة في ظل تركيزها على أولويات اقتصادية واستثمارية تتعلق برؤية 2030، وتوسع مشاريعها في البحر الأحمر".
عزلة مالية واحتقان
ومنذ مطلع العام 2025، يواجه الحوثيون أزمة مالية خانقة نتيجة القيود المفروضة على التحويلات الخارجية والرقابة على شبكات التمويل.
ودفعت هذه الأزمة الجماعة إلى زيادة الجبايات والضرائب على المواطنين والتجار في مناطق سيطرتها، ما تسبب في تصاعد احتجاجات شعبية غير مسبوقة في صنعاء والحديدة وإب، وهو ما يراه سياسيون يمنيون سبباً لذهاب الحوثي نحو الهجوم ضد السعودية.
كما ترى مصادر سياسية يمنية أن هذه الأزمة المالية الداخلية كانت من أبرز دوافع الحوثيين للعودة إلى طاولة المفاوضات عبر وساطة عمانية، سعياً للحصول على مخرج اقتصادي يخفف الضغط الشعبي المتزايد عليهم.
وتشير تقارير اقتصادية إلى أن الحوثيين فقدوا أكثر من 40% من عائداتهم الشهرية بعد تضييق التحويلات الخارجية، في حين تواجه مؤسساتهم المصرفية خطر الانهيار في حال استمرار العزلة الدولية.
يوسف حمود