فيتو سعودي في حضرموت والمهرة: لا حل إلا بانسحاب "الانتقالي"
الرأي الثالث
لا يبدو أن لقاءات الوفد السعودي الإماراتي من قيادة القوات المشتركة للتحالف العربي مع مسؤولين في اليمن يوم الجمعة الماضي، وتحديداً من المجلس الانتقالي الجنوبي، قد توصلت إلى تفاهمات لإنهاء الأزمة التي تسبّب بها "الانتقالي" بسيطرته على محافظتي حضرموت والمهرة شرقي اليمن، في الخامس من ديسمبر/كانون الأول الحالي،
إذ تكشف مصادر أن الرياض مصرّة على انسحاب "الانتقالي" من المحافظتين بدون أي شروط، رافضة التعاطي مع مبادرات طُرحت للخروج من هذا المأزق.
علماً أن الوفد السعودي، الذي تقدمه اللواء الركن سلطان العنزي واللواء الركن عوض الأحبابي، كان قد التقى رئيس "الانتقالي" نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي عيدروس الزبيدي، في عدن يوم الجمعة الماضي،
فيما قال المتحدث باسم "الانتقالي" أنور التميمي، إنه تم التوصل إلى تفاهمات مع الوفد السعودي الإماراتي بعدم التصعيد في حضرموت والمهرة، نافياً ما نشرته بعض وسائل الإعلام عن تفاهم على انسحاب قوات "الانتقالي" من المحافظتين.
لكن مصدراً في التكتل الوطني للأحزاب والمكونات السياسية اليمنية، مطلع على أجواء الحراك السعودي، قال أمس الأحد، إن الرياض أغلقت النقاشات أو الحديث حول أي مشاكل أو قضايا سياسية في اليمن،
بما فيها حول مستقبل العملية السياسية وحل الخلافات، ومستقبل مجلس القيادة الرئاسي، حتى ينسحب المجلس الانتقالي الجنوبي من حضرموت والمهرة بدون قيد أو شرط،
وتتولى قوات "درع الوطن" تأمين هذه المناطق إلى جانب قوات من أبناء حضرموت، وتحت إشراف السعودية، فيما الانسحاب يتعلق بالقوات التي جاءت من خارج حضرموت، بينما لا إشكالية حتى الآن في موضوع قوات "النخبة الحضرمية".
رفض فكرة استبدال قوات "الانتقالي" بأخرى من الساحل
وأكد المصدر أن الرياض رفضت التعاطي مع المبادرات والمقترحات والأفكار التي حاولت بعض الأطراف تقديمها كحلول لأزمة حضرموت والمهرة، بما فيها فكرة استبدال قوات "الانتقالي" بأخرى من الساحل،
من بينها قوات تابعة إلى "المقاومة الوطنية" و"حراس الجمهورية" التابعة لطارق صالح.
ويتضح ذلك من خلال رفض الوساطة التي قام بها طارق صالح، سواء تلك التي قدّمها للجانب السعودي أو لرئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي.
وينعكس موقف السعودية من خلال تصريح رئيس الوفد السعودي، رئيس اللجنة الخاصة محمد القحطاني، الذي أكد، أخيراً، رفض أي محاولات لفرض أمر واقع بالقوة أو إدخال حضرموت في دوامة صراعات جديدة،
داعياً لخروج القوات التابعة لـ"الانتقالي" من حضرموت والمهرة وإعادة الأوضاع إلى سابق عهدها.
وبالتالي يبدو أن موقف السعودية يقوم على الاعتماد على القوات التابعة لقيادة الجيش اليمني ممثلة في رئاسة هيئة الأركان و"قوات درع الوطن"، الخاضعة لأوامر العليمي، وتشرف عليها السعودية وتدعمها، وغير ذلك يعتبر خارج إطار الجيش الشرعي.
ووفق المصدر، جرى تحميل السفير السعودي إلى اليمن محمد آل جابر مسؤولية الفشل فيما آلت إليه الأوضاع، مع توارد معلومات غير رسمية عن تعليق عمله، بسبب تماشيه مع تحركات الإمارات في دعم تحركات "الانتقالي" وأنشطته خلال السنوات الماضية،
ما جعله، بحسب المصدر، يتمادى في هذا المسار، خصوصاً أنه كان أقرب لـ"الانتقالي" من التكتل الوطني للمكونات والأحزاب السياسية التابعة للشرعية.
ويربط البعض هذا الأمر بغياب السفير آل جابر عن الأضواء، منذ بدء الأحداث في محافظتي حضرموت والمهرة، وهو الذي كان يتصدر المشهد في مثل هذه الحالات، وبالتالي قد يكون أُبعد عن المشهد، وتدخّلت اللجنة السعودية الخاصة بنفسها في الأمر.
غضب على العليمي
ولفت المصدر إلى أن العليمي وأعضاء مجلس القيادة ضمن دائرة الغضب، لأنهم لم يتحركوا بالشكل اللازم لإيقاف تحركات "المجلس الانتقالي" العسكرية في حضرموت والمهرة، قبل حدوثها، واكتفوا بالمتابعة عن بعد،
ولم تخرج منهم أي تحركات أو إجراءات لمنع هذا التصعيد قبل حدوثه، والذي استهدف رؤية السعودية للمشهد السياسي والعسكري والأمني والاقتصادي والاجتماعي بوصفها قائدة للتحالف العربي، وهي من تدير الملف اليمني، وصاحبة القول والفصل فيه،
فضلاً عن أن الحكومة، وكذلك وزارة الدفاع ممثلة بالوزير محسن الداعري وقائد هيئة الأركان صغير عزيز وبقية قيادة الجيش اليمني، لم يكونوا على ذات الجهد والمستوى في وقف تلك التطورات.
ولفت المصدر أيضاً إلى أن الإمارات من ضمن المتهمين سعودياً بالوقوف خلف ما حصل في حضرموت والمهرة كونها تدعم "الانتقالي" وقواته، لذا فإن الرياض حمّلت أبوظبي مسؤولية ما قام به "الانتقالي"،
لكن أبوظبي أبلغت الرياض أن خطوة "الانتقالي" الأخيرة في السيطرة على حضرموت والمهرة لا تقف خلفها ولم تعطه الضوء الأخضر، وأن التحرك الأخير اتخذه المجلس الانتقالي الجنوبي منفرداً، من دون الرجوع إليها.
ومن ضمن المغضوبين عليهم سعودياً بسبب التطورات الأخيرة شرقي اليمن، أشار المصدر إلى قائد قوات الدعم الأمني في "النخبة الحضرمية" الشيخ صالح بن الشيخ أبوبكر، المعروف باسم "أبو علي الحضرمي"، الذي تصدّر المشهد مع بداية الأحداث في حضرموت.
والحضرمي محسوب على إيران، وسبق لقيادة التحالف بعدن في بداية الحرب أن رفضت وجوده أو قيامه بأي دور، بعد أن قام عيدروس الزبيدي حينها، عند توليه منصب محافظ عدن، بتعيين الحضرمي مستشاراً له،
لكن تمت إقالته لاحقاً. لكنه ظهر أخيراً في حضرموت وهو يقود تشكيلاً أمنياً مدعوماً من الإمارات وتابعاً لـ"المجلس الانتقالي"، وهو من بدأ إعلان الحرب على حلف قبائل حضرموت المدعوم من السعودية.
والحضرمي من المحسوبين على إيران في جنوب اليمن، وتربطه علاقات وطيدة مع حلفاء إيران في المنطقة، مثل حزب الله اللبناني والحوثيين، وتلقى دعماً وتدريبات في جنوب لبنان وإيران من الحرس الثوري وحزب الله،
ويعتبر أحد أبرز أصدقاء الزبيدي، وأحد أبرز القيادات المؤثرة في "الانتقالي"، ولا يعرف إذا كان قد خرج من تحت ظل إيران أم لا، لذلك يتم تحميله، سواء من الشرعية أو مسؤولين سعوديين، بالوقوف والتخطيط وراء ما حدث في حضرموت.
تثبيت "الانتقالي" قواته في مناطق يسيطر عليها
في غضون ذلك، يستمر المجلس الانتقالي الجنوبي بتثبيت قوته في المناطق التي يسيطر عليها، ويتخذ إجراءات يؤسس من خلالها لبناء ما يسميها دولة الجنوب العربي.
وباشر مسؤولون حكوميون في الجنوب نصب صور عيدروس الزبيدي في مكاتبهم، وفي مقدمتهم المسؤولون التابعون لـ"الانتقالي" في الحكومة والسلطات المحلية،
فيما نصبت العديد من صور الزبيدي فوق المقرات الحكومية وكتب عليها الرئيس عيدروس الزبيدي القائد الأعلى للقوات المسلحة.
وقد تُرفع صور الزبيدي في قصر المعاشيق بدلاً من صور العليمي التي تمت إزالتها، إلى جانب نصب العلم الجنوبي بدل علم الوحدة اليمنية، وذلك أثناء الاجتماعات واللقاءات مع الوفود والمسؤولين اليمنيين والأجانب.
وكان الزبيدي قد أصدر، مساء السبت الماضي، قراراً بإنشاء هيئة الإفتاء الجنوبية، وهو ما يشير إلى أن كلامه عن بدء مرحلة بناء مؤسسات الدولة الجنوبية قد انطلقت وبشكل متسارع،
حتى إن بعض المراقبين لا يستبعدون فكرة أن يعلن "الانتقالي" عن حكومة انتقالية أحادية، ضمن خطواته لترجمة المكاسب السياسية والعسكرية التي حققها أخيراً في إطار مساعيه لبناء الدولة الجنوبية.
أسعد سليمان