ثلاثة كيانات ورسائل متعددة وبرود مريب.. ذكرى الاستقلال في اليمن تتحول ليوم يتيم
حلت الذكرى الـ57 لعيد الاستقلال في اليمن، بأجواء شبيهة بلحظات تحققها الأولى في العام 1967م، ما يعيد إلى الأذهان الوضع الذي كان عليه اليمن آنذاك، ويدفع للتساؤل عن مسؤولية الأطراف اليمنية اليوم، ويسلط الضوء عن الأسباب التي دفعت البلد لهذه اللحظة.
هذه الذكرى أعادت التذكير بخريطة توزع الكيانات اليمنية في الوقت الراهن، وبرزت ثلاثة كيانات سعت جميعها للاحتفال بطرقها الخاصة، وتحولت المناسبة الوطنية، لفرصة لإلقاء الخطابات، وتوجيه الرسائل، ما عكس حدة التعقيدات التي تعصف بالملف اليمني.
الحكومة اليمنية
أعلنت الحكومة اليمنية في عدن الثلاثين من نوفمبر إجازة رسمية، وأرجأت الإجازة لليوم التالي للذكرى، بينما واصل مسؤولين عسكريين ومدنيين رفع التهاني لرئيس مجلس القيادة الرئاسي، وهو أسلوب رسمي متعارف عليه في هذه المناسبات.
لكن ما بدا ملاحظا هو غياب أي خطاب لرئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، بهذه المناسبة، وهي خطوة غير معتادة، وتخالف سلفه من الرؤساء اليمنيين الذين حرصوا على الظهور في خطابات متلفزة متحدثين عن هذا اليوم، الذي يمثل رمزية تاريخية للاستقلال في اليمن.
اكتفى العليمي بنشر تغريدات طفيفة هنأ فيها اليمنيين بهذه المناسبة، وأعادت وكالة سبأ الحكومية نشرها كخبر يتيم، جدد فيه الدعوة للصبر، والتذكير بالمعركة التي قال إن حكومته تقودها ضد جماعة الحوثي.
وظهر العليمي عشية الذكرى في الإمارات، وذلك وصول يتكرر للمرة الثانية على التوالي، يغادر فيه العليمي نحو أبوظبي لعامين متتالين، في ذات التوقيت، ولا يعرف إن كان لذلك أي علاقة تربط بين سفره للإمارات في هذا التزامن، أم لا.
وتلاشت تغريدات المسؤولين اليمنيين في هذه الذكرى، باستثناء تغريدة لنائب رئيس الجمهورية السابق علي محسن الأحمر، وأخرى لعضو مجلس القيادة طارق صالح، بينما غاب أغلب أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، وأعضاء الحكومة من الحديث عن هذه المناسبة.
ولم تعلن الحكومة أي مظاهر احتفائية أيضا، وبرز الاحتفال بها لأحزاب سياسية، كتلك التي نظمها حزب التجمع اليمني للإصلاح في محافظة المهرة، وفعالية سابقة قبل الذكرى في تعز، بتنظيم من التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، بينما لم تشهد مارب أي فعالية مماثلة.
جماعة الحوثي
بالنسبة لجماعة الحوثي فقد ظهر رئيس مجلس الحوثي الحاكم مهدي المشاط في خطاب بهذه المناسبة، لكن الخطاب مثل فرصة للجماعة في توجيه الرسائل التي تود ايصالها على المستوى المحلي والدولي.
المشاط تطرق لأهمية هذه الذكرى، واستعرض محطات منها، خاصة فيما يتعلق بالعلاقة مع بريطانيا، ولذلك حرص على توجيه رسائله، ومن ذلك الوضع في البحر الأحمر، ووجه رسالته للولايات المتحدة الأمريكية التي وجهت للحوثيين ضربات عسكرية، بأنهم يرفضون التصعيد، وسيواجهون ذلك بتصعيد أكبر ورد أقوى.
المجلس الانتقالي
استغل المجلس الانتقالي المناسبة الوطنية لتحويلها لمناسبته الخاصة، وقدمها باعتبارها تخص ما كان يعرف بالشطر الجنوبي من اليمن، وفي ذلك خروج عن الاجماع الذي يظهر به مجلس القيادة الرئاسي، لكنه يضيف له بعدا آخر، يتمثل في تحويلها لمناسبة شطرية خالصة.
ولم يظهر عيدروس الزبيدي في خطاب متلفز، لكنه اكتفى أيضا بتغريدات تطرق فيها لما يعتبره القوات الجنوبية، وهي إشارة للقوات التابعة له، ومتوعد أيضا بالسعي للوصول إلى الدولة الجنوبية المزعومة.
وظهر علي الكثيري القائم بأعمال الزبيدي في منطقة التواهي بعدن ليضع إكليل من الزهور كتكريم لما يصفه بالجندي الجنوبي المجهول، مجددا بنفس الوقت التأكيد على سعي المجلس للانفصال.
أهمية الذكرى
ويمثل الثلاثين من نوفمبر قيمة وطنية رفيعة في اليمن، إذ أنه يذكر بالاستعمار البريطاني الذي جثم على الشطر الجنوبي من اليمن لأزيد من 129 عاما، وجاء رحيله بفضل إرادة شعبية انطلقت لإخراجه من اليمن، وذلك منذ اندلاع شرارة ثورة الـ14 من أكتوبر 1963م، والتي استمر اشتعالها حتى لحظة التحرر في الثلاثين من نوفمبر 1967م.
وتخلل الفعل الثوري الناري لدحر الاحتلال مفاوضات مع الجانب البريطاني، انتهى بتسليم حكم الشطر الجنوبي للقيادة المحلية للجبهة القومية، ليبدأ عقب ذلك مرحلة جديدة للتخلص من الاستعمار البريطاني، ومحو آثاره، وتوحيد الكيانات التي كانت قد خلقها في مدن جنوب اليمن.
الوضع الراهن
ومنذ سقوط العاصمة صنعاء في الـ21 من سبتمبر 2014م، ثم التدخل العسكري للسعودية في اليمن يوم الـ26 من مارس 2015م، تلاشى الاهتمام بالمناسبات الوطنية، بما في ذلك هذه الذكرى النوفمبرية، التي ترتبط في الذهنية اليمنية بالتحرر من الهيمنة الخارجية، والنفوذ الاستعماري، المتحكم بالقرار السيادي، والمسيطر على البلد.
إن اللحظة الراهنة لليمن تتطابق بشكل تام مع تلك التي شهدها اليمن قبل نحو 57 عاما، حين كان اليمن يرزح تحت الاستعمار البريطاني، ويتحكم بنفوذه الداخلي والخارجي، وقلص الإرادة اليمنية، ووضعها تحت سلطاته المتعددة، خدمة لأجندته.
واليوم تتحول ذكرى 30 نوفمبر لمناسبة يتيمة، بينما يتعمق التدخل الخارجي في اليمن، ويسجل حضورا أكثر من أي وقت مضى، وفي هذا التخلي عن هذه المناسبة مؤشر يجعل إرادة البلد مرهونة من جديد للدور الخارجي.