تساؤلات
أتسأل أحيانا مع نفسي: هل فسدت الحياة إلى هذا الحد..؟! لا يعقل أن يكون هم المرضى والمعتلِّين، وأنا الصحيح المعافى..؟! هذه الأنا متضخمة.. أي نرجسية هذه التي تعصف بي.. قيل أن المجنون يرى نفسه عاقلا ومدركا للحقيقة، وما عداه يراهم لا يملكون عقولا أو هم في العقل دونه..؟! هل أنا معتل بالجنون أم هو الحال كما قال عبد الله القصيمي: "أقسى العذاب أن توهب عقلًا محتجًا في مجتمع غير محتج”..؟!
هل ما أعيشه هو حالة خاصة من السوداوية المتشائمة تجعلني أرى هذا الوجود عبثي وغير محتمل؟! هل هي حالة ثورية وتمرد على واقع يستحق التمرد والثورة عليه؟! ألم يقل ألبير كامو: التمرد يولد الوعي.. أنا أتمرد إذا أنا موجود.. الثوري هو من يقول لا.. الطريقة الوحيدة للتعامل مع عالم غير حر هي أن تصبح حراً تماماً.. أليس هو نفسه القائل: "يا لشقائي لأني تجرأت على التفكير".
لماذا رسول حمزاتوف يسأل: كيف لك أن تكون بخير في هذا العالم المريض؟! أو ما عبر عنه عمرو الجندي بلهجته المصرية حالما قال: "إحنا عايشين فى مجتمع مريض نفسيًا لا عايز يتعالج ولا عايز حتى يعترف إنه مريض". أم هو الشعب الذي أنتخب الفاسدين والانتهازيين والمحتالين، والذي قال عنه جورج أوريل ليس ضحيه، بل هو شريكا في الجريمة.
لماذا قال تولستوي “إذا أردت أن تتعمق في الأشياء فلن تصل إلا إلى زيادة آلامك” أو ما عبر عنه بكلمات أخرى “مارك توين” عندما قال: كلّما زادت معرفتي بالناس، زاد تفضيلي وحبي لكلبي..!! ما الذي جعل الفيلسوف الألماني نيتشه يقول: “كل ما في الدنيا كذب في كذب”.. هل كل هؤلاء الكبار مرضى ومعتلّين! أم إنهم يقولون الحقيقة أو بعضها على الأقل..؟!
وإذا افترضتُ أني مريض عصابيا، ألم يقل الفيلسوف كولن ولسن إن الأمراض العصابية هي الأمراض التي تنشأ من اليقظة الأكثر مما هو مطلوب.. ربما أبدو كمجنون يريد تغيير العالم، وهي محنة وجودية أشعر بها، وربما أعيشها في بعض الأحيان، ولكن حتى مع هذه الاستحالة، ربما فيما أفعله محاولة في الدفاع عن بعض القيم التي بدونها كما يقول الفيلسوف ألبير كامو تصبح الحياة غير جديرة بأن نحياها، ويصبح الإنسان غير جدير بالاحترام.