اجتماع فوق الركام: هل تكفي اللجان حين ينهار الوطن؟
في قصر معاشيق، و الأرضيات الرخامية تعكس انعكاسات الضوء أكثر مما تعكس حال البلد، اجتمع فخامة الرئيس الدكتور رشاد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي، مع لجنة إدارة الأزمات الاقتصادية والإنسانية.
كما نشرت وكالة سبأ الرسمية وصفحة مجلس الوزراء في الفيسبوك قبل دقيقة.
طبعا عنوان الاجتماع براق كعنوان فيلم درامي طويل، لكن الأحداث على الأرض تُروى من سيناريو مختلف: رواتب لا تُدفع، عملة تتهاوى، وخدمات تُدار بالتصريحات لا بالأفعال.
بل ويُقال إن الاجتماع ناقش "المستجدات" وكأن هذه المستجدات لم تكن نفسها منذ أعوام.
الأسعار ترتفع، والرواتب تختفي، والكهرباء تأتي كزيارة مفاجئة، والغاز المنزلي يحتاج وسيطا سياسيا ليدخل البيوت. الأزمة، إذن، ليست جديدة، ولكن جديدها أنها تزداد وقاحة.
ولقد جلس على الطاولة رئيس الوزراء، محافظ البنك، وزراء الخارجية والنفط والنقل، كابتن الطيران رئيس مجلس شركة اليمنية للطيران، ونائب وزير المالية... ورئيس الفريق الاقتصادي حسام الشرجبي!و و
وكأن الحل يكمن في كثرة الكراسي لا في جدية الجالسين عليها.
النقاش دار حول "تحسين وصول الدولة إلى مواردها"، عبارة أنيقة تعني بصراحة: الدولة لا تعرف أين تذهب أموالها.!
وفي تقرير الإحاطة، قيل إن هناك "اختناقات في إمدادات بعض السلع"، والمقصود بذلك طبعا أن المواطن اختنق فعليا من الغلاء، لا مجازا.
أما عن الإصلاحات الحكومية، فهي تشبه تلك الوعود التي نسمعها عند كل موسم انتخابي: صوتك لنا، وصوتنا بعد ذلك في الاجتماعات المغلقة.
أما ال...حوثي، فقد نال نصيبه المتوقع من التحذيرات والتنديدات.
وبينما، لا أحد يبرئ ال...حوثي، لكن حين يصبح كل فشل حكومي مبررا بال...حوثي، تصبح المعركة الحقيقية ضد الشفافية لا ضد الميليشيا.
وهل ضرب الح..وثي العملة؟ هل هو من عين مسؤولين بلا كفاءة؟ هل هو من قطع الكهرباء ورفع سعر الروتي؟ المسؤولية، كما يقول دستور المنطق، تبدأ من الداخل.
تذكيرا ففي الفقرة الختامية، الاجتماع لم ينسَ أن يشكر "دول التحالف على مواقفها الأخوية المشرفة!"، بينما المواطن اليمني لا يجد الأخوة في قيمة صرف الدولار.
بمعنى أدق فإن فشل الدولة لا يُجبر بدعاء سياسي، بل بعمل صادق وإرادة لا تُدار من الخارج.!
والمشكلة في كل هذه الاجتماعات أنها تشبه حفل عزاء دون جثة، الكل يندب، لكن لا أحد يُصلح.
فكل ما يُنجز فيها هو التقاط الصور، وتدوين التوصيات التي لا تجد من ينفذها.
ثم نسمع بعد أيام، عن اجتماع آخر لبحث ما لم يُنفذ من الاجتماع السابق.!
والحق يقال نحن أمام دولة تدير الأزمة كما يُدار المسرح، بنفس الوجوه، ونفس الحوارات، ومقاعد لا تتبدل. والمواطن، في هذا العرض المتكرر، لم يُمنح حتى دور الكومبارس.
ولكن ربما حان الوقت لنسأل: هل تكفي اللجان حين ينهار الوطن؟ أم أن البلاد تحتاج أقل من لجنة وأكثر من شجاعة؟
ذلك أن الجوع لا يُحل بالبيانات، والكرامة لا تُرمم بالمؤتمرات. وما لم تتحول الاجتماعات إلى فعل، فإنها ستظل تجتمع فوق الركام، بينما تحت الركام... هناك وطن يختنق.!