ثورة السرداب: دراما التاريخ حين تخلع عقلها
إذ يمتزج التاريخ بالخرافة، ويُستبدل العقل بالتعصب، وتُرفع رايات الطهر في يد، بينما تمارس العنصرية باسم المقدس باليد الأخرى.
هي تلك فحوى الثورة التي تنطلق من سرداب، وتريد إقناع العالم بأنها تبني مستقبلا.. من تحت الأرض.!
ثورة تقدس من يسمون أنفسهم آل البيت حد التأليه، بينما تمارس في الوقت نفسه سياسة تمييز ضد كل من لا ينتمي إلى" الدم الطاهر" حتى لو كان مواطنا في أرضه، وذا جذور أقدم من ثوب الخرافة ذاتها.
نعم ...فالفارسي اليوم، في بعض تلك البقاع التي تزعم المظلومية والتقوى، يُهان على أرضه بحجة أنه ليس من "السلالة".
وكأن الثورة ليست سوى إعادة تمثيل للقرون الأولى، فيما القبائل تتقاتل على النسب، و العالم من حولهم يشيد حضارات ما بعد حداثية.
لكن أعظم نكتة في هذه الملحمة، هي تلك القصة التي أصبحت دستورا ضمنيا للثورة:
السرداب. نعم، السرداب. إذ يُقال إن الإمام الغائب، ذاك الذي اختار "العمل عن بعد" منذ أكثر من ألف عام، سيعود يوما ما ليقيم العدل بعد أن نملأ الأرض جورا.
والأدهى أن بعضهم يضع له طعاما وشرابا، ويتناوبون حراسة الباب، خوفا من أن يخرج فجأة دون موعد فيضيع في الزحام!
أهذه ثورة؟ أم عرض دمى تحركها خيوط الماضي؟
هل من العقل أن تتحول منظومة سياسية كاملة إلى مسرحية دينية، تلعب فيها الخرافة دور الدستور، وتُكفر المعارضة باسم "الاجتهاد الباطل؟
بل إن الأخطر في كل هذا، أن هذه الثورة تُصَدَّر كمنتج نقي ومطهر، بينما هي في حقيقتها ليست سوى نموذج كلاسيكي بسعر من الاستبداد الديني، المقنع بعباءة المظلومية التاريخية.
ومن يتأمل خطاباتها، يجد خلطا مدهشا بين البكائيات على الحسين، والوعود الصاروخية لتدمير "الطغاة"، وبينهما قفزة لاهوتية نحو " المهدي المنتظر "الذي – ويا للعجب – لا يظهر أبدا!
بالتأكيد لا نستهزئ من العقائد، بل من تحويلها إلى أدوات قمع.
و لا نضحك من الرموز، بل من تسويق الخرافة كحل سياسي. وفي زمن التلسكوبات العملاقة والصعود إلى المريخ، لا ينبغي أن نظل أسرى سرداب مظلم، ننتظر منه قائدا مخلصا، بينما من نُقدّسهم يستثمرون في أسهم التكنولوجيا الحديثة.وثرواتهم تريليونات.
نعم..ثورة بلا عقل، يقودها " إمام،" لا تختلف عن سيارة بلا عجلات. تظل تصدر أصواتا، لكنها لن تتحرك خطوة إلى الأمام.!