رجال اليمن: أين اختفى الجبل؟
لم يعد السؤال: أين الدولة في اليمن؟ بل صار الأعمق والأكثر إيلاما: أين رجالها؟
نعم، نحن في زمن صارت فيه الناشطة أهم من القبيلة، والتغريدة أثقل من البيان، والوشوشات في صالونات المنظمات أشد وقعا من هدير البنادق.
بل في وطن كانت الرجولة فيه تُوزن بالقاف ، قاف القبيلة، قاف القيمة، قاف القامة ،صار التقدير لمن يحمل بطاقة ممولة، أو خطابا مُهذبا مغسولا من أي رائحة وطن.
نعم..
أين ذهبوا؟ أولئك الذين كانوا يُصلحون بين الجبال إذا اختلفت، ويقفون في وجه العاصفة إن مست ترابهم؟
..هل انقرضوا أم انكمشوا خلف جدران الخوف، أو استبدلوا العمامة بالشال الأنيق وعضوية المنظمات الدولية؟ وهل بقي أحد من رجالات اليمن الأقحاح، أم أن "اللقب" صار للزينة فقط؟
في الحقيقة ، اليوم، لا تبحث عن الحكمة في مجلس من مجالس "الحكماء". بل في بث مباشر من ناشطة تمارس الوعظ الثوري بين قهوتين.
فلقد صعدت الوجوه الجديدة على أنقاض الفراغ الرجولي، لا لأنهم أذكى أو أشجع، بل لأن فرسان المرحلة قرروا التقاعد المبكر باسم الواقعية السياسية.
ولكن كم هي مهزلة أن تتحول القضية الوطنية إلى مشروع قابل للتمويل، وأن يتم تهميش من كانت تخرج القبائل كلها إن مست لحيتهم كلمة، ويتم استبدالهم بمن لا يعرف الفرق بين "ذمار" و"ودمار".
بل ليس انتقاصا من أحد، ولكن القبح الحقيقي هو أن يُسحق الصدق، وتُدفن الأصالة، وتُشنق الحكمة على خشبة التوازنات الخارجية.
أما وقد علقت الكرامة على شماعة "الحياد". وخُدرت الهمم بمخدر "التمكين المرحلي"، وتحولت دماء الشهداء إلى سيرة ذاتية تفتح أبواب المؤتمرات.
فأي مهزلة هذه؟
فيما العقل السياسي اليمني؟ دعنا نضحك قليلا :
ذلك العقل الذي كان يُدير حروب القبائل برشفة بن، صار اليوم لا يميز بين المبادرة والمذلة، بين التحالف والتبعية، بين الحياد والخيانة.
أي أننا سقطنا في شرك خطاب مُعلب، أُنتج في الخارج، وسوق لنا على أنه "حكمة جديدة"، بينما هو في الحقيقة فن الهروب بأناقة.
طبعا قد يقول البعض: لا تظلموا النشطاء، إنهم يحاولون. نعم، وربما يحاولون، لكن السؤال: أين من كانت بيوتهم ملاذا للمقهور، وصوتهم ميزانا للعدل، وهيبتهم تمنع الحروب؟
ترى .ظهل انتهت صلاحيتهم؟ أم انتهى إيمانهم؟
وما اريد قوله بوضوح:
الحرية لا تأتي عبر ورش العمل ولا تُولد في فنادق العواصم، بل تولد من رحم الكرامة، وتُرضعها العزة، وتُفطمها المواقف الشجاعة.
أما إذا ظل المشهد على ما هو عليه ،رجال مهمشون، وناشطات يصنعن القرار، وساسة يتقنون التبرير ،فلا عجب أننا لا نزال في قاع القاع.
لذلك نحن لا نطالب بعودة السلاح، بل بعودة الرجال.
والذين إذا تكلموا سكتت القنوات، وإذا حضروا توقفت المؤتمرات، وإذا وعدوا أوفوا.
أما الآن، فنحن في زمن يُحرر فيه الوطن بـ"هشتاق"، ويُباع فيه التاريخ بسعر "منحة".!