وزارة الخارجية اليمنية بين العبث الوظيفي والتحالفات السياسية الخفية
منذ أحداث 2011 وحتى اليوم تعرّض السلك الدبلوماسي اليمني لعملية إعادة ترتيب عبثية قادتها شبكة مصالح ضيقة داخل وزارة الخارجية تداخلت فيها الروابط العائلية والعلاقات الشخصية مع الحسابات السياسية والمالية..
هذا اللوبي الذي رسّخ أقدامه عبر سنوات عمل على إغراق السفارات والقنصليات والملحقيات اليمنية بعناصر لا تمتّ بصلة إلى العمل الدبلوماسي بل جرى اختيارهم لضمان حجز مناصب في الخارج وتوفير مصادر دخل بالعملة الصعبة..
حتى تحوّل العمل الخارجي من واجب وطني إلى غنيمة شخصية .
التدمير الممنهج الذي أصاب وزارة الخارجية لم يكن وليد الصدفة بل نتيجة مباشرة لتحالفات مشبوهة بين أطراف نافذة في السلطة من بينها عضو في مجلس القيادة الرئاسي ذي الجذور الإخوانية ووكيل الوزارة الممسك بمفاتيح المال والتعيينات..
هذا التحالف جعل من الوزارة ساحة لتقاسم النفوذ بحيث يتم تمرير القرارات والتعيينات على أساس الولاء السياسي والانتماء الحزبي لا على أساس الكفاءة والخبرة.
ورغم أن رئيس مجلس القيادة الرئاسي قد أكد أكثر من مرة على ضرورة إصلاح السلك الدبلوماسي فإن الواقع يكشف أن القرار السياسي في هذا الملف ما يزال أسيرًا لسطوة التحالفات الداخلية ..
فبدل أن تكون فترة الأربع سنوات المحددة قانونيًا للعمل في الخارج قاعدة ثابتة صارت الاستثناءات هي القاعدة وأصبح الاستمرار في الخارج لسنوات طويلة امتيازًا يمنح للمحسوبين على مراكز النفوذ.
الوزير الجديد الدكتور / شايع محسن الذي يدرك تفاصيل الوزارة وخباياها يقف اليوم أمام تحدٍّ صعب ..
إذ إن أي محاولة جادة للإصلاح ستصطدم مباشرة بمصالح هذا التحالف القوي الذي يتغذى على موارد الوزارة وخاصة العوائد القنصلية والدخل الإضافي.
المطلوب من رئيس الحكومة ورئيس مجلس القيادة الرئاسي أن يوفرا له الغطاء السياسي الكامل لاتخاذ قرارات استدعاء شاملة ووقف هذا النزيف الإداري والمالي فورًا قبل أن تتحوّل وزارة الخارجية إلى مؤسسة عاجزة عن أداء دورها الدبلوماسي وأسيرة لتحالفات حزبية ومصالح شخصية لا تمت للوطنية بصلة.
إن إصلاح السلك الدبلوماسي اليوم لم يعد مجرد خيار إداري بل ضرورة وطنية وأمنية لأن استمرار هذا الوضع يعني إضعاف صورة اليمن في الخارج وتكريس الفساد كأمر واقع وتحويل مواقع تمثيل الدولة إلى أدوات لخدمة مشاريع سياسية خارج إطار المصلحة الوطنية..
* سفير بوزارة الخارجية