شرق أوسط جديد في طور التشكّل إسرائيلياً
لا يفتأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعيد ويكرّر أن غايته الكُبرى هي "تغيير الشرق الأوسط". وللشرق الأوسط، وهو حقيقةً قلب العالمَين العربي والإسلامي،
تعريفات ونطاقات جيوسياسية متعدّدة، تشمل دول الخليج العربي الستّ، السعودية وعُمان والإمارات والكويت وقطر والبحرين،
بالإضافة إلى اليمن. وكذلك، دول الهلال الخصيب، وتتكوّن من العراق وسورية والأردن وفلسطين المحتلة ولبنان، فضلاً عن مصر في شمال أفريقيا. وضمن النطاق ذاته تقع كلٌّ إيران وتركيا.
وإذا ما أمعنا النظر وتعمّقنا في المشهد أكثر ندرك أن هذه ليست مجرّد جعجعة تصريحات خاوية، وأوهام إيديولوجية صهيونية يمينية متطرّفة، بل واقع في طوْر الصياغة وإعادة التشكيل عبر قطاع غزّة تحديداً.
وإذا لم تكن هناك استراتيجية عربية وإسلامية جمعيّة في المنطقة، فإن إسرائيل قد تحقّق مرادها في ظلّ الدعم الأميركي الكامل، والتفسّخ العربي، والإسلامي.
إذا لم تكن هناك استراتيجية عربية وإسلامية جمعيّة في المنطقة، فقد تحقّق إسرائيل مرادها في ظلّ الدعم الأميركي الكامل، والتفسّخ العربي، والإسلامي.
الثلاثاء الماضي، وخلال الاعتداءات الجوّية الأميركية الإسرائيلية على اليمن، بثّ نتنياهو من قاعدة سلاح الجوّ الإسرائيلي في تلّ أبيب كلمةً متلفزةً في حسابه بمنصّة إكس، قال فيها إن المهمّة "لا تتعلّق بهزيمة حماس فحسب، بل إطلاق سراح المختطفين وتغيير وجه الشرق الأوسط".
يكتسب مثل هذا التصريح كثيراً من الصدقية إذا ما أخذنا بالاعتبار الاعتداءات الإسرائيلية المتكرّرة في سورية، ومحاولتها هندسة فتنة طائفية فيها.
جرى الأمر نفسه في لبنان بعد الضربة العسكرية القاسية جدّاً، التي تلقّاها حزب الله.
كما أن اليمن وإيران (ومن قبل العراق) ليسا بعيدَين عن الاعتداءات الإسرائيلية. في حين تتعاضد معلومات عن عبث إسرائيلي في شمال سورية، في الملفّ الكردي تحديداً، بهدف الضغط على تركيا، دع عنك التنسيق مع اليونان ضدّها.
ونعلم أن مصر والأردن لا يزالان في عين الأطماع الإسرائيلية، على الأقلّ لناحية مساعي تهجير سكّان قطاع غزّة إليهما.
أمّا الدول الخليجية فمطلوب منها دفع فاتورة ذلك، فضلاً عن إعادة إعمار قطاع غزّة، ليس من أجل سكّانه، بل من أجل إسرائيل والولايات المتحدة في سياق المشروع الترامبي (نسبةً للرئيس الأميركي دونالد ترامب) المعروف باسم "ريفييرا الشرق الأوسط".
تزداد خطورة المساعي الإسرائيلية لإعادة تشكيل الشرق الأوسط في ظلّ اقتراب موعد الجولة التي سيجريها ترامب في المنطقة خلال الأيام القليلة المقبلة. واهم من يظنّ أن ترامب ذاهب إلى السعودية وقطر والإمارات في سبيل تحقيق صفقات تجارية فحسب،
بل إن الأمر أبعد من ذلك وأخطر. كلّنا يذكر أن زيارة ترامب الأولى للسعودية عام 2017، أي خلال فترة رئاسته الأولى (2017- 2021)، لحق بها موجات التطبيع الإبراهيمية، منها علنيٌّ، كما في حالات الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، وأخرى سرّية في رأسها السعودية نفسها.
ولا يمكن التقليل من احتمال موجات تطبيع مشابهة في ظلّ مفاوضات غير مباشرة تجريها الحكومة الجديدة في سورية مع إسرائيل عبر فرنسا.
كما أنه من غير المُستبعَد أن تنجح المفاوضات النووية الأميركية - الإيرانية، التي قد تعيد تشكيل السياسة الإيرانية في المنطقة، خصوصاً بعد الضربات القوية التي تلقتها دفاعتها الجوية خلال الهجوم الإسرائيلي عليها في أكتوبر/ تشرين الأول 2024،
وقبل ذلك تحييد حزب الله في لبنان إلى حدٍّ كبير، في سبتمبر/ أيلول من العام نفسه، وبعد ذلك خسارتها سورية بعد سقوط نظام بشّار الأسد أواخر عام 2024.
نحن نقف على أعتاب تطوّرات خطيرة وجذرية قد تعيد تشكيل وجه المنطقة كما تريده إسرائيل، وليس كما نريده نحن
ومع أننا لا نعلم يقيناً (حتى لحظة كتابة هذه السطور) كنه الإعلان المرتقب الذي وعد به ترامب، ويمكن أن يكون قد صدر مع نشر هذا المقال، إلا أنه يبدو متعلقاً بقطاع غزّة، في ظلّ معلومات أن واشنطن وتلّ أبيب ناقشتا إدارةً أميركيةً مؤقّتةً في القطاع، برئاسة مسؤول أميركي، أو قل مندوباً ساميّاً جديداً على شاكلة بول بريمر، الذي كان رئيس سلطة التحالف المؤقّتة في العراق عامي 2003 و2004.
إذاً، نحن نقف على أعتاب تطوّرات خطيرة وجذرية قد تعيد تشكيل وجه المنطقة كما تريده إسرائيل، وليس كما نريده نحن.
وإذا بقي الواقع العربي بهذا البؤس، مشرذماً ومفتتاً وَمُشرَّباً بسخافات داحس والغبراء، وكذلك البسوس، فإننا سنكون على موعد جديد لإخضاع منطقتنا وشعوبنا أكثر.
للأسف! ثمَّة بيننا من يعملون بجدّ على تطويعنا لنكون معجوناً قابلاً للتشكيل. هؤلاء لا يهمهم أن تقوم للعرب قائمة، ولا حتى أن تكون دولهم القُطرية ذات وزن وقيمة واحترام.
كلّ ما يهمهم أن يبقوا عائمين على حطام أوطان في خضمّ محيط هائج، مع أن عومهم هذا هو عوم الغريق لا السَبّاح الماهر.
أسامة أبو ارشيد
كاتب وباحث فلسطيني